معهد بحوث الامن القومي– بقلم أوفير فنتر ويوئيل جوجنسكي – الاسلام في خدمة السلام : الجوانب الدينية في “اتفاق ابراهيم”.
معهد بحوث الامن القومي– بقلم أوفير فنتر ويوئيل جوجنسكي – 7/9/2020
” وصفت الثمار المنشودة للاتفاق بين اسرائيل واتحاد الامارات كـ “مصلحة”، ووجدت مظلة شرعية، ولكنها تعكس تطلعات ملموسة – سياسية، اقتصادية وغيرها. وكما تحققت هذه الثمار واحسنت لدول وشعوب المنطقة، هكذا تزداد الشرعية السياسية والدينية للسلام مع اسرائيل وتضعف الحجج المضادة “.
تعمل دولة اتحاد الامارات على مدى السنين، وبقوة اكبر في العقد الاخير، على نشر عقيدة دينية – سياسية تعرف السلام كقيمة اسلامية وترى فيها عنصرا اساسيا في هويتها الوطنية. وذلك كبديل فكريوقيمي للمفاهيم الراديكاليةللاسلام السياسي على نمط الاخوان المسلمين والقوى السلفية الجهادية في المنطقة. تساعد هذه الجهود على تطوير الفكرة الوطنية لهذه الدولة، تخدم الرؤيا المناهضة للنزعة الاسلامية، تلك الرؤيا التي تسعى لان تدفع بالشرق الاوسط الى الامام وتساهم في بناء صورتها الدولية كمعقل للحرية الدينية، التعددية وتعدد الثقافات.
لقد أقام الاتحاد الخليجي في 2016 وزارة حكومية للدفع الى الامام بالتسامح وأعلن عن 2019 كــ “عام التسامح”، وفي اطاره استضاف قمة بين البابا وشيخ الازهر، المرجعية الدينية العليا في مصر وفي العالم السُني. وبلور الزعيمان الدينيان معا وثيقة “الاخوة الانسانية” وهدفها المعلن الدفع الى الامام بالسلام العالمي والحياة المشتركة بين ابناء عموم الاديان. في 2022 سيفتتح في ابو ظبي مجال “بيت أسرة ابراهيم” الذي سيضم مسجدا، كنيسة وكنيسا، ويستهدف الدفع الى الامام بالقيم المشتركة للاديان التوحيدية الثلاثة وتشجيع التفاهم المتبادل وقبول الاخر في اوساط عموم المؤمنين.
ان مسيرة التطبيع التي تتحقق برعاية امريكية بين اسرائيل واتحاد الامارات تصممت لروح نزعة التصالح هذه، وهي تسوق ضمن امور اخرى كتقارب ديني متجدد بين المسلمين، اليهود والمسيحيين. وقد اسماه واضعوه “اتفاق ابراهيم” على اسم أبي الاديان التوحيدية الثلاثة. وفي الاعلان عن الاتفاق جاء بند (يفترض أن يجد تعبيره ايضا في الاتفاق نفسه)، وبموجبه “يسمح لكل المسلمين الذين وجهتهم للسلام ان يزوروا ويصلوا في المسجد الاقصى، وتبقى المواقع المقدسة الاخرى في القدس مفتوحة امام المؤمنين محبي السلام من كل الاديان”. اضافة الى ذلك منحت مؤسسات دينية رسمية ورجال الفتوى في اتحاد الامارات اسنادا فقهيا للخطوة.
كما أن اتفاقات السلام التي وقعتها اسرائيل مع مصر والاردن حظيت في حينه بشرعية فقهية من رجال الدين الرسميين، ممن سعوا لان يساعدوا انظمتهم في تجنيد الشرعية للانعطافة السياسية الدراماتيكية ولصد النقد ذي النزعة الاسلامية. ومثلما تعرض الرئيس السادات والملك حسين للهجمات من جانب الاخوان المسلمين في بلديهما، الذين يمتنعون اليوم ايضا عن الاعتراف باسرائيل، يتعرض ولي العهد محمد بن زايد للهجمات من المحور الاسلامي في عصرنا. فقد هدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغانباغلاق سفارة بلاده في ابو ظبي في اعقاب الاتفاق ووصفته ايران كـ “سكين في ظهر كل المسلمين”، فيما ترى فيه حماس خيانة لكفاح الشعب الفلسطيني. وقضى الداعية احمد الغصيني، رئيس الاتحاد العالمي للفقهاء المسلمين والذي يتخذ من الدوحة مقرا له وتموله قطر بان “حظر التطبيع معناه حظر السطو، الاحتلال وباقي الجرائم التي ارتكبت وترتكب من الصهاينة ودولتهم منذ ثمانية عقود”.وبالنسبة للانتقاد في اتحاد الامارات، اتهم نشطاء المعارضة – وبعضهم منفيون يرتبطون بقطر – الحكم بخرق المادة 12 من الدستور، الذي يلزم بالتضامن العربي والاسلامي. وسارع هؤلاء لاقامة جمعية لمكافحة التطبيع تبنت قبة الصخرة في القدس شعارا لها. واختتم البيان التأسيسي لها بآية قرآنية تدعو الى مخافة الله والتعاون على البر والتقوى وليس على العدوان، مما يستهدف ابراز التناقض الذي يرونه بين التأييد الواجب للقضية الفلسطينية والعلاقات المرفوضة مع اسرائيل.
لم يردع الجدال الفقهي في شرعية الاتفاق اتحاد الامارات، والحجة الاساس التي وردت في بيان مجلس قضاة اتحاد الامارات، وهو المرجعية الدينية العليا في الاتحاد، هي ان الاتفاق مع اسرائيل هو “مصلحة” اي فعل يخدم الاهداف العليا للشريعة الاسلامية. واستخدام آلية “المصلحة” تسمح للنظام في ابو ظبي بالادعاء بان الانجازات السياسية الكامنة في الاتفاق مع اسرائيل تنطوي على قيمة دينية ايضا. وأوضح رئيس المجلس، الشيخ عبدالله بن بايه بان عقد الاتفاق هو ضمن الصلاحية الحصرية والسيادية للحاكم، بعد توصله الى الاستنتاج بانه يؤدي الى الغاء بسط السيادة الاسرائيلية في الضفة الغربية، يخدم حل المشكلة الفلسطينية، يشجع السلام، يبعد الحروب والاوبئة ويفيد الانسانية.
اضافة الى ذلك عللت اتحاد الامارات خطواتها بسوابق اسلامية، بينها اتفاق الحديبية، الذي عقده النبي محمد مع عبدة الاصنام في مكة في 628. وكتب ابن بايه بانه “في الشريعة توجد نماذج عديدة واساسات فقهية مرتبة لمسائل كهذه تتعلق بالصلح والسلام الواجبة بحكم الظروف ومصلحة عموم الجمهور الاسلامي”. ومثلما اقتبس معارضو الاتفاق آيات من القرآن، استند مؤيدوه الى آيات مضادة تشهد على تفضيل الاسلام لطريق السلام مثل “واذا جنحوا للسلم فاجنح لها”. وأعلن رئيس اللجنة الجماهيرية للشؤون الاسلامية والمقدسات في الامارات د. محمد مطر سالم الكعبي بان الاتفاق مع اسرائيل ينسجم مع مباديء الاسلام التي تتبنى التعاون بين أبناء كل الاديان ومع وثيقة “الاخوة الانسانية” من العام 2019. وعلى حد قوله فان الاتفاق يساهم في تعزيز الصورة الدولية لاتحاد الامارات كدولة تتصدر ميول السلام والتسامح.
الى جانب الهجمات الاسلامية تتصدى اتحاد الامارات للاحتجاجات من جانب السلطة الفلسطينية. فقد رأت رام الله في تعليق الضم مقابلا غير كاف لخروج ابو ظبي عن مبادرة السلام العربية التي اشترطت التطبيع مع اسرائيل بالتسوية مع الفلسطينيين على اساس خطوط 67. وأصدر مفتي القدس، محمد حسين، فتوى تحظر على الحجاج من اتحاد الامارات الصلاة في المسجد الاقصى. واضاف قاضي القضاة في فلسطين ومستشار ابو مازن للشؤون الدينية محمود الهباش بان كل مسلم غير فلسطيني يأتي للصلاة في المسجد على اساس اتفاق التطبيع بين اسرائيل والامارات “غير مرغوب فيه”. والتخوف الفلسطيني هو انه بفضل مثل هذه الزيارات ستثبت اسرائيل صورتها كدولة تسمح بحرية العبادة وتعزز سيطرتها على الاماكن المقدسة. ان وقوف السلطة الفلسطينية الى جانب المحور الاسلامي وضد دول المحور البراغماتي، المقربة منها، يجسد العزلة الاقليمية التي علقت فيها رام الله عقب الاتفاق ومفترق القرارات الصعبة الذي توجد فيه.
في رد على الانتقاد الفلسطيني هرعت لمساعدة اتحاد الامارات حليفتها مصر. فقد رفض د. عباس شومان، من كبار شيوخ الازهر الحظر على مواطني الامارات زيارة الاقصى بقوله انه لا يعرف سابقة شرعية تمنع شخصا ما، من مجموعة ما او من شعب ما من الصلاة في اي مسجد بسبب الموقف السياسي لدولته. بل وعجب شومان لماذا لا يمنع الفلسطينيون صلاة مواطني تركيا وقطر في الاقصى، رغم حقيقة أن دولتيهم تقيمان تطبيعا طويل السنين مع اسرائيل في المجالات الاقتصادية بل والعسكرية.
يشار الى أنه في حالة عُمان فان المرجعية الدينية العليا– والتي تتمتع باستقلالية معينة– لم تستقم بشكل كامل مع المرجعية السياسية، لم تسمحبالتقارب بين عُمان واسرائيل. فرغم تأييد عُمان العلني لخطوة اتحاد الامارات، اصدر مفتي السلطنة، الشيخ احمد الخليلي فتوى تهاجم الاتفاق المتحقق وتصف زيارة الاقصى كتطبيع مرفوض وتقضي بان “تحرير الاقصى وتحرير الارض حول الاقصى هو واجب مقدس للامة (الاسلامية) كلها”.
المعاني
يلعب الدين الاسلامي دورا مركزيا في الخطاب السياسي في المنطقة العربية، ضمن امور اخرى كوسيلة لدى السلطات لتهيئة القلوب وتجنيد الدعم الشعبي للنظام الاجتماعي السياسي القائم وسياسة الانظمة. ويستعين الزعماء العرب بالمؤسسات الدينية الممولة من الدولة لصد الاعتراضات الاسلامية وتسويغ خطوات سياسية موضع خلاف، من الداخل ومن الخارج. وتصب مسألة العلاقات مع اسرائيل المزيد من الضوء على مكانة المؤسسات الدينية في كل دولة ودولة وعلى طبيعة العلاقة القائمة فيها بين الدين والسياسة. وفضلا عن ذلك فانها تكشف عمق الشرخ الذي يقسم العالم العربي والاسلامي في عصرنا بين المحور البراغماتي الذي في مركزه مصر، اتحاد الامارات والسعودية، وبين المحاور الراديكالية بقيادة تركيا وايران.
يجسد الجدال بين الاطراف بالملموس بان ليس للاسلام كدين موقف مسنود بالنسبة للسلام والتطبيع مع اسرائيل. والاحرى توجد للاعبين المتنافسين في العالم العربي والاسلامي مواقف مختلفة في الموضوع بل واحيانا متضاربة، وتدعي هذه الاطراف كلها الاحتكار لتفسير الدين وفقا لاحتياجاتها ومفاهيمها السياسية. تنبع اهمية الخلاف الشرعي في تسويغ العلاقات مع اسرائيل من الوزن العظيم للاسلام كمصدر لتجنيد الشرعية السياسية في مجتمعات ذات طابع تقليدي. واضافة الى ذلك، تستهدف التبريرات الاسلامية للسلام تلطيف حدة البعد المعرفي الكامن في الانتقال من نزاع طويل السنين مع اسرائيل، والذي يترافق والتوتر الديني، الى علاقات علنية.
تعرف المحاور الاقليمية المتنافسة نماذج سياسية، فكرية وقيمية مختلفة – التسامح مقابل التزمت، القومية المتطرفة مقابل النزعة العابرة للقوميات، التكيف مقابل النزعة الثورية. لاسرائيل، من جهتها مصلحة في تشجيع المحور البراغماتي الداعم للسلام والتطبيع واضعاف الافكار الراديكالية الرافضة لها. وقد وصفت الثمار المنشودة للاتفاق بين اسرائيل واتحاد الامرات كـ “مصلحة”، ووجدت مظلة شرعية، ولكنها تعكس تطلعات ملموسة – سياسية، اقتصادية وغيرها. وكما تحققت هذه الثمار واحسنت لدول وشعوب المنطقة، هكذا تزداد الشرعية السياسية والدينية للسلام مع اسرائيل وتضعف الحجج المضادة.
وأخيرا، على خلفية الاتفاق تبرز الفجوة بين مركزية الجوانب الدينية في الخطاب الصادر عن اتحاد الامارات مقابل هامشيتها في الخطاب الاسرائيلي. يجدر بالمحافل الحكومية، المدنية والدينية في اسرائيل أن تعمل على تعبئة الفراغ واستنفاد الامكانية الايجابية الكامنة في البعد الديني للعلاقات. لقد ذكر الحوض المقدس في القدس صراحة في الاتفاق وينبغي أن نطور حوله رؤيا شاملة، بالتعاون مع دول السلام (مع التشديد على الاردن)، وبقدر الامكان مع السلطة الفلسطينية ايضا.