معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 11/6/2025، تمير هايمان: تحقيق أهداف الحرب وتحسين أمن إسرائيل على المدى البعيد السياسة المُوصى بها لإنهاء الحرب بانتصار
تُحدد هذه الورقة السياساتية الاستراتيجية المُوصى بها لإنهاء الحرب في قطاع غزة مع تحقيق أهدافها بالكامل وتحسين الوضع الاستراتيجي لإسرائيل على المدى البعيد. تتوافق معظم المبادئ ومسار العمل المُقترح في هذه الوثيقة مع المقترح المصري العربي لإنهاء الحرب، والذي قُدّم في أبريل/نيسان 2025 ولم تُناقشه الحكومة الإسرائيلية بعد. ويُقترح أن تُشكّل مبادئ هذه الخطة أساسًا للمفاوضات. وفي إطار هذه المفاوضات، ينبغي على إسرائيل الإصرار على إضافة المطالب التالية إلى بنود الخطة: نزع سلاح حماس وضمان عدم قدرتها على إعادة بناء قدراتها العسكرية. والأهم من ذلك، يجب اتخاذ خطوات لمنع دمج حماس في أي إطار حكم فلسطيني مُستقبلي.
لإنهاء الحرب في قطاع غزة، لا بد من ضمان عودة الأسرى، وسحب حماس من حكم القطاع وتجريدها من قدراتها العسكرية التي تُشكل تهديدًا لإسرائيل، وإنشاء آلية مصرية-إسرائيلية مشتركة لمنع إعادة تسليحها. ورغم أن الاحتلال العسكري الكامل لقطاع غزة وفرض الحكم العسكري الإسرائيلي عليه، كما سبق تفصيله في منشورات معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، قد يكون الحل العسكري الأكثر فعالية لتحييد تهديد حماس، إلا أنه في الوقت نفسه الخيار الأسوأ من منظور استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي. فحتى في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي لغزة، ستستمر المقاومة ضد إسرائيل، بالإضافة إلى خطر الإرهاب وحرب العصابات من داخل القطاع. علاوة على ذلك، فإن مثل هذا السيناريو ينطوي على عواقب وخيمة – إذ ستتحمل إسرائيل وحدها مسؤولية إعادة إعمار هذه المنطقة المدمرة (وما يترتب على ذلك من عبء ثقيل من الموارد) دون مساعدة خارجية، إلى جانب خطر العزلة الدولية وتفاقم الاستقطاب الاجتماعي الداخلي. المعضلة الاستراتيجية: بين “تدمير حماس” وإطلاق سراح الرهائن
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي إلى أن الجمهور الإسرائيلي يُعطي الأولوية لإعادة الرهائن على تدمير حماس. إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا. فبقاء سلطة حماس المسيطرة أمرٌ أساسي لإطلاق سراح الرهائن. ومع ذلك، فبمجرد إطلاق سراح الرهائن، ستفقد حماس ضمان بقائها. وهنا يكمن جوهر المعضلة.
ووفقًا للإحاطات العسكرية، فإن الهدف الرئيسي لعملية “عربات جدعون” هو إطلاق سراح الرهائن. وتهدف العملية إلى ممارسة ضغط عسكري ومدني داخل القطاع، بما في ذلك احتلال ما يقرب من 70% من أراضيه، وتغيير آلية توزيع المساعدات الإنسانية بطريقة قد تُحدث شرخًا بين حماس وسكان غزة. ويهدف هذا الضغط التراكمي إلى إجبار حماس على الموافقة على صفقة رهائن بشروط مُحسّنة لإسرائيل.
كن، ماذا سيحدث بعد أن تحقق إسرائيل ذلك؟ حتى لو افترضنا (وأملنا) إطلاق سراح المزيد من الرهائن وهزيمة حماس حتى التفكك، فمن المرجح أن ترفض الحركة التخلي عن جميع الرهائن دون ضمان إنهاء الحرب وضمان بقائها كحركة مقاومة. إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن تحقيق هدف الحرب المتمثل في إعادة الرهائن مع تدمير قدرات حماس على الحكم؟
تضارب المصالح بين إسرائيل وحماس: لعبة محصلتها صفر؟
إسرائيل: بانسبة للحكومة الإسرائيلية، فإن الموافقة على إنهاء الحرب ليست خيارًا. سياسيًا، قد يؤدي وقف الحرب إلى زعزعة استقرار الائتلاف الحاكم وتعزيز الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة. من منظور أمني، تعتقد القيادة السياسية أن إنهاء الحرب قبل تدمير حماس بالكامل سيترك التحدي الذي تمثله حماس دون حل. ومع ذلك، من المشكوك فيه للغاية ما إذا كان القضاء التام على حماس – “حتى آخر عنصر من عناصرها” – هدفًا عسكريًا قابلًا للتحقيق. على نطاق أوسع، من المشكوك فيه أن الحملة العسكرية وحدها قادرة على القضاء على الأساس الأيديولوجي للمقاومة المتجذر في جماعة الإخوان المسلمين، دون عواقب إضافية سيتم توضيحها لاحقًا.
حماس: بالنسبة لحماس، الهدف هو وقف الحرب، وتأمين انسحاب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من الأراضي التي استولت عليها في قطاع غزة، وإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الإرهابيين من السجون الإسرائيلية، والحصول على ضمانات دولية لهذه النتائج ولإعادة إعمار غزة. في الوقت نفسه، تُدرك حماس الانتقادات العلنية التي تواجهها داخل غزة، وتُدرك ضعفها النسبي. ولذلك، فهي بحاجة إلى إنجاز ملموس. لذلك، ستُعتبر قيادة حماس أي شكل من أشكال البقاء انتصارًا لها – حتى لو تُركت منهكة وضعيفة بشكل كبير. كحركة مقاومة، قد تُفضل حماس التخلي عن حكم غزة كخطوة تكتيكية إذا كان ذلك يضمن بقاءها التنظيمي.
المفهوم الاستراتيجي: من الحرب إلى القتال ونزع التطرف
لكي تُنهي إسرائيل الحرب بانتصار حقيقي، يجب استبدال حماس بإدارة مدنية براغماتية نسبيًا، مع بقاء السلطة الأمنية تحت سيطرة إسرائيل. وتحديدًا:
• سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) العمل داخل القطاع لاستهداف وتدمير البنية التحتية للإرهاب وتحييد التهديدات – وهي سياسة تُعرف في الخطاب العام الإسرائيلي بـ”جزّالعشب”. إلا أن ذلك سيتم دون الحفاظ على انتشار دائم للقوات الإسرائيلية داخل غزة. وسيتم تنسيق هذه الإجراءات مع الإدارة الفلسطينية في غزة، على غرار ما يُمارس في الضفة الغربية.
• مع ضعف حماس وظهور بنية تحتية مدنية وتعليمية بديلة، ستتحسن فرص نجاح عملية نزع التطرف. من منظور عسكري، لا يمكن لأي عملية بمفردها أن تُحدث التحول المنشود على المدى الطويل. يتطلب هذا التحول تغييرات عميقة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال عملية سياسية واجتماعية وتعليمية شاملة. ومن المرجح أن يستمر وجود جماعة الإخوان المسلمين في غزة كحركة اجتماعية سياسية. ولكن حتى لو حُظرت – كما حدث في الأردن ومصر – فسيكون من الصعب القضاء كليًا على تأثيرها الاجتماعي السلبي ومعارضتها لجهود مكافحة التطرف. لذا، فإن إضعافها المستمر بمرور الوقت أمر بالغ الأهمية.
المكونات الاستراتيجية
العناصر المتفق عليها لتنفيذ الاستراتيجية والمتضمنة في المقترح المصري العربي:
1. وقف إطلاق النار: تنتهي الحرب المستعرة؛ ويُعلن وقف إطلاق نار رسمي مقابل إطلاق سراح الرهائن وتشكيل حكومة بديلة لحكم حماس.
2. إطلاق سراح الرهائن: يُطلق سراح جميع الرهائن، أحياءً وأمواتًا، على مرحلة واحدة وليس تدريجيًا
3. .الرقابة الدولية: تُشكل حكومة دولية/عربية لتنسيق عملية إعادة إعمار غزة والإشراف عليها. ستشرف هذه الحكومة على تدفق الأموال وقوات الأمن الداخلي العاملة تحت مظلة الحكومة المؤقتة في غزة، مسترشدةً بمبدأ أن زيادة إعادة الإعمار تعني زيادة نزع السلاح.
4. حكم غزة: تُشكل إدارة تكنوقراطية مؤقتة، لا تتبع السلطة الفلسطينية ولا حماس، ويديرها أفراد مؤهلون ومؤثرون، توافق عليهم إسرائيل على أنهم غير تابعين للجماعات الإرهابية. ستشرف هذه الإدارة على الحكم المدني وإعادة الإعمار من خلال مقاولين محليين أو دوليين. كما ستدير اللجنة المدنية لغزة، وهي هيئة بيروقراطية مرتبطة رسميًا بالسلطة الفلسطينية، وتنسق بين منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) والعمليات المدنية في غزة.
5. القانون والنظام – الشرطة الفلسطينية: ستوظف الإدارة الجديدة ضباطًا فلسطينيين تدربوا في الأردن على يد الجيش الأمريكي (ينتظر 6000 منهم بالفعل في مصر الموافقة على دخول غزة). وسيركز دورهم الأولي حصريًا على إنفاذ القانون، وليس مكافحة الإرهاب.
عناصر تنفيذ الاستراتيجية التي تخضع للخلاف وتتطلب التفاوض لضمان تعزيز المصالح الأمنية الإسرائيلية:
6. توزيع المساعدات الإنسانية: سيتم توزيع المساعدات الإنسانية عبر مقاولين مدنيين (مثل الشركة الأمريكية العاملة حاليًا في غزة) أو مقاولين فرعيين تديرهم الحكومة التكنوقراطية. وستتولى قوات الأمن الفلسطينية – وهي نفس القوات الستة آلاف المذكورة أعلاه – تأمين التوزيع لمنع الفوضى.
7. السلطة الفلسطينية:
• العودة إلى غزة: تتصور الخطة المصرية عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة في غضون ستة أشهر. هذا غير واقعي. بدلًا من ذلك، يجب أن تكون عودة السلطة الفلسطينية مشروطة بإصلاحات شاملة وقابلة للقياس. يطالب العديد من الفلسطينيين بإصلاح السلطة الفلسطينية بسبب الإحباط من الفساد وعدم الفعالية. لذلك، يمثل هذا الشرط المسبق فرصة نادرة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. يمكن للضغط العربي والدولي أن يساعد في التغلب على مقاومة السلطة الفلسطينية المحتملة للإصلاحات، والتي يجب أن تكون شرطًا أساسيًا للمساعدات.
• المسؤولية الأمنية الإسرائيلية: يجب أن تحتفظ إسرائيل بسلطة العمل في غزة – وهو نموذج مشابه للمنطقة (ب) في يهودا والسامرة. يجب ألا يتغير هذا إلا بعد أن تثبت السلطة الفلسطينية فعاليتها في مكافحة الجماعات الإرهابية.
• نزع السلاح: في نهاية العملية، وبعد عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، سيتم نقل الأسلحة إلى سيطرتها. من شأن “اتفاقية الأشخاص المطلوبين” أن تمنح العفو لأي شخص يقبل سلطة السلطة الفلسطينية وينضم إلى صفوفها مع تسليم أسلحته.
8. إغلاق “أنبوب الأكسجين”: مسار فيلادلفيا ومعبر رفح. سيتم إغلاق جميع الأنفاق تحت الأرض بين مصر وغزة من خلال بناء حاجز تحت الأرض، إلى جانب إنشاء نظام مراقبة دولي متطور في رفح لمنع التهريب وضمان الشفافية تجاه إسرائيل.
9. توسيع اتفاقيات إبراهيم: الهدف النهائي المنشود هو ربط عملية استقرار وإعادة تأهيل القطاع بالتوقيع المنشود على اتفاقية تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. يمكن افتراض أن الواقع الجديد الذي سينشأ سيلبي الحد الأدنى من المتطلبات التي قدمتها المملكة العربية السعودية كشروط للتطبيع. ورغم أن الاستراتيجية المقترحة لا تشكل مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية، كما عبر عنها السعوديون، فمن المتوقع أن تعمل على تحسين الوضع في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية مقارنة بالوضع الحالي، وتضع الأساس لعملية سياسية مستقبلية.
الاعتراض: المشكلة الرئيسية والرد (بغض النظر عن المقاومة السياسية)
العيب الرئيسي في الاستراتيجية المقترحة هو أن حماس لن تختفي تمامًا، وستحتفظ في البداية ببقايا قدرتها العسكرية. وهذا يمثل تحديًا كبيرًا، لا سيما لمن يعتقدون أن حملة عسكرية أوسع نطاقًا قد تؤدي إلى تدمير المنظمة بالكامل. يُطلق معارضو هذا السيناريو على هذا “نموذج حزب الله”، مقارنين إياه بواقع لبنان قبل الحرب – مع أنه في الحقيقة أقرب إلى نموذج الضفة الغربية.
هناك عدة حقائق تُخفف من حدة هذه المخاوف:
1- لقد أُضعفت حماس بشدة: فُككت هياكلها التنظيمية؛ وتم القضاء على كبار قادتها (باستثناء عز الدين الحداد، قائد مدينة غزة)؛ ولا تمتلك قدرة تسلل واسعة النطاق إلى إسرائيل (تم تطهير المنطقة الأمنية بأكملها وتدميرها، وتضررت قوة النخبة التابعة لها بشدة)؛ وقوتها النارية متبقية (وهي الآن تُمثل حوالي 10% مما كانت عليه في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)؛ وقُتل ثلثا مقاتليها الأصليين، أو حوالي 18,000، من أصل 30,000 مقاتل – وفقًا لتقدير غير دقيق، كما هو الحال مع جميع التقييمات المتعلقة بالخسائر المدنية في القطاع.
2- ا توجد قيمة مضافة كبيرة في الغزو الكامل لغزة: فتوسيع السيطرة الإقليمية من 70٪ إلى 100٪ لن يحقق مكاسب استراتيجية كبيرة. ومن المرجح أن تخفي حماس أسلحتها المتبقية، وتختلط بالمدنيين، وتعمل تحت الأرض، وتبدأ حملة حرب عصابات مطولة ضد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي. وحتى لو اختفت حماس نظريًا، فمن المرجح أن تظهر جماعات مقاومة جديدة – لجان المقاومة الشعبية، والجهاد الإسلامي، وعشرات الفصائل الإرهابية الأخرى التي لا تقبل بوجود إسرائيل – وتستمر في تشكيل تهديد لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي ودولة إسرائيل ككل
3- سيستمر تجفيف المستنقع و”جز العشب” تحت مسؤولية إسرائيل: من خلال نظام استخباراتي وعملياتي مُكيف، سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) ملاحقة حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى، كما هو الحال في يهودا والسامرة.
4- سيكون استئناف القتال والحرب، إذا لزم الأمر، ممكنًا بعد إطلاق سراح الرهائن: تُثبت التجارب السابقة أنه لا يمكن منع إسرائيل من استئناف القتال. لا يمكن تقييد حق الدفاع عن النفس. حتى لو تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا يدين إسرائيل ويدعوها إلى الامتناع عن ممارسة الدفاع عن النفس في مواجهة التهديدات، وحتى لو اختارت الولايات المتحدة عدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مثل هذا القرار، فلن يُقيّد ذلك أفعال إسرائيل.
5- لقد ضعف المحور الإيراني: حماس التي كانت تعمل قبل الحرب – بما في ذلك من لبنان كجزء من غرفة عمليات مشتركة ضمن المحور الذي تقوده إيران – ليست حماس التي نراها اليوم. إن ضعف المحور واختفاء نصر الله عاملان مهمان يُسهمان في ضعف المنظمة الحالي.
6- يجب أن يُبعث الأمل في مستقبل مختلف وأفضل: سكان غزة لا يرون أي أمل في المستقبل. لا توجد فرص عمل، ولا تعليم، ولا بنية تحتية تُتيح ظروفًا معيشية كريمة. في هذه الأيام، الانضمام إلى حماس هو السبيل الوحيد لكسب راتب أساسي وإعالة أسرة. في ظل هذه الظروف، من السهل جدًا على حماس استعادة قوتها. أي مصدر بديل لتوظيف الشباب في غزة – كجزء من برنامج إعادة إعمار إقليمي (إلى جانب العمل في إسرائيل) – قد يُضعف حماس ويُضعف قبضتها على السكان.
تحليل بدائل المقترح
تشمل بدائل هذه الاستراتيجية مناهج متنوعة للسيطرة الكاملة على قطاع غزة، وفرض الحكم العسكري، والقضاء على جيوب المقاومة الإرهابية والعصابات المسلحة، في عملية قد تستغرق عدة سنوات تحت سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي. يكشف تحليل هذه البدائل عن مشاكل خطيرة وكبيرة، أكبر بكثير من تلك المرتبطة بالاستراتيجية المقترحة:
1- التكلفة الاقتصادية: ستكون تكلفة احتلال قطاع غزة باهظة. ويقدر مسؤولو الأمن حوالي 25 مليار شيكل سنويًا للنفقات العسكرية، بالإضافة إلى 10 مليارات شيكل سنويًا لتوفير الخدمات الأساسية للسكان المحليين، بما في ذلك الكهرباء والمياه والرعاية الطبية والغذاء.
2- الشرعية الداخلية والمرونة الاجتماعية: سينجم الضرر عن اشتداد القتال لفترة طويلة دون نهاية واضحة خلال فترة حرجة ومتقلبة للغاية في إسرائيل، من حيث الديناميكيات السياسية الداخلية والتوتر المتزايد في العلاقات المدنية-العسكرية.
3- اليوم التالي” للحرب: حتى لو افترضنا أن الإدارة العسكرية في غزة حققت نجاحًا باهرًا، يبقى السؤال الجوهري: لمن ستنتقل السيطرة على القطاع في النهاية؟ إذا لم يتغير شيء، فبعد بضع سنوات، ستُجبر دولة إسرائيل مجددًا على مواجهة نفس الأسئلة المطروحة اليوم، ولكن مع فارق رئيسي واحد: ستكون التكلفة قد ارتفعت بشكل ملحوظ. يشمل هذا الارتفاع العبء على الاقتصاد، وضعف قدرة المجتمع على الصمود، وتآكل العلاقات الدولية، وتزايد عدد الضحايا في صفوف جيش الدفاع الإسرائيلي.
4- دعم القوى العظمى: ينبغي افتراض أن الدعم الأمريكي للحرب سيكون مؤقتًا. من الصعب تبرير الحفاظ على نظام عسكري (بدون متلقي واضح لتسليم السلطة في النهاية) من المرجح أن يستمر لأكثر من أربع سنوات. بحلول ذلك الوقت، سيصل رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، ولن يستمر هذا القائد – وخاصةً الديمقراطي – بالضرورة في دعم إسرائيل. كان من الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها إسرائيل في السنوات الأخيرة اصطفافها مع الحزب الجمهوري، مما أدى فعليًا إلى فقدانها الدعم الحزبي الراسخ الذي حظيت به في النظام السياسي الأمريكي. في الوقت نفسه، قد يُمثل رئيس جمهوري ينتهج سياسة انعزالية تحديًا لإسرائيل.
5- الشرعية الدولية من الدول الليبرالية الغربية: من وجهة نظر دولية، فقدت إسرائيل بالفعل شرعيتها لمواصلة الحرب – وهي شرعية تمتعت بها خلال المراحل الأولى من الصراع من معظم دول أوروبا الغربية. تُعدّ أوروبا ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وترتبط العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية ارتباطًا وثيقًا بأوروبا. (على سبيل المثال، في 4 يونيو 2024، أعلنت وزارة الدفاع عن عام قياسي في صادرات الدفاع الإسرائيلية، حيث تم توقيع 54% من صفقات التصدير مع الدول الأوروبية). بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ أوروبا مصدر معظم واردات إسرائيل من السلع الاستهلاكية. وبالتالي، لا تستطيع إسرائيل تحمّل خسارة علاقتها مع أوروبا. علاوة على ذلك، تُخاطر إسرائيل بأن يُنظر إليها على أنها دولة مارقة ومنبوذة، وهو أمر بدأت بوادره تظهر بالفعل، وتواجه عزلة دولية وعقوبات محتملة.
في الواقع، إسرائيل دولة مستقلة، لكنها صغيرة، تفتقر إلى الموارد الطبيعية، وتعتمد على الخدمات الدولية وأسواق التجارة لتحقيق ازدهارها. إن فقدان علاقات دولية مستقرة ومثمرة أمر بالغ الخطورة.
حل المشكلة الأساسية: إرساء إطار تفاهمات قصيرة الأجل بين حماس وإسرائيل يخدم مصالحها طويلة الأجل
حماس عدوٌّ عنيد، ورغم الصعوبات التي فرضها جيش الدفاع الإسرائيلي، تكيّف مع الواقع العملياتي الذي فرضته إسرائيل في قطاع غزة. ومن المرجح أن توافق حماس على إطلاق سراح الرهائن فقط مقابل تسوية تُلبّي احتياجاتها وتطلعاتها في ظلّ الظروف التي نشأت منذ بدء الحرب. تُقدّم الاستراتيجية المقترحة استجابةً لمصالح كلٍّ من حماس وإسرائيل:
• من وجهة نظر حماس، ستنتهي الحرب، وستبقى كمنظمة، وإن جُرّدت من قدراتها العسكرية والحكومية.
• من وجهة نظر إسرائيل، لن تحكم حماس قطاع غزة بعد الآن، وسيعود الرهائن – الأحياء منهم والأموات – إلى إسرائيل، وستحتفظ إسرائيل بحقّ مواصلة استهداف حماس، غالبًا دون عتبة حرب شاملة. إذا اقتضت الظروف، قد تخوض إسرائيل حملة عسكرية مكثفة أخرى، هذه المرة ضد خصم أضعف بكثير من خصمها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الخلاصة
يمكن حل التناقض بين الهدفين الرئيسيين للحرب – القضاء على قدرة حماس وضمان إطلاق سراح الرهائن – من خلال خلق وضع يُمكّن كل طرف من الاعتقاد بأنه حقق النصر. ستعتقد حماس أنها ستنجو، وأنها ستزداد قوة، وأنها ستعود في النهاية لحكم قطاع غزة. لكن في الواقع، ستكون إسرائيل قد ضمنت إطلاق سراح الرهائن، ودمرت قدرات حماس العسكرية والحكومية، وستضمن عدم تجدد التهديد من غزة – سواء من خلال العمليات المستمرة أو باستئناف الحرب، إذا لزم الأمر.
هل يمكننا التنبؤ بمن سيصدق اعتقاده في النهاية؟ هذا اختبار للعزيمة والمثابرة. بما أن إسرائيل هي الطرف الأقوى في هذه المعادلة، وأنها منذ السابع من أكتوبر غيّرت جوهريًا عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي، جاعلةً الاستباق ركيزةً أساسية (انظر ورقة مفهوم الأمن القومي الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي)، فلا شك أن إسرائيل ستنتصر على مر التاريخ.
بدلًا من التشبث بأوهام إمكانية القضاء على حماس تمامًا، أو تجويع سكان غزة حتى الخضوع، أو طردهم بالكامل – وهي أفكارٌ في أحسن الأحوال غير مرتبطة بالواقع وبالقيود الفعلية المفروضة على إسرائيل – يُفضّل صياغة واقع يخدم مصالح إسرائيل في ظل الظروف والأوضاع الراهنة. ويشمل ذلك الاستفادة من الإجماع العربي والدولي وراء مقترح وقف إطلاق النار المصري العربي كأساس للمفاوضات، مع تطبيق التعديلات والضمانات اللازمة لضمان المصالح الاستراتيجية لإسرائيل وتحقيق أهداف الحرب.
في الواقع، معظم المبادئ الواردة في ورقة السياسات هذه مُضمنة بالفعل في المقترح المصري العربي لإنهاء الحرب وتأمين عودة الرهائن. المقترح ليس مثاليًا – إنه ناقص وإشكالي. ومع ذلك، فهو نقطة انطلاق سليمة للتفاوض. والأهم من ذلك، أنه الإطار الوحيد القادر على تسوية التناقض الجوهري بين أهداف الحرب. ومن خلال مفاوضات حازمة ومنسقة مع الولايات المتحدة، قد يُتيح هذا الإطار فرصةً لضمان أن يُعزز إنهاء الحرب الأمن القومي الإسرائيلي.
في الوقت الحالي، لا ترغب الحكومة الإسرائيلية في قبول المقترح المصري العربي. لكن من حق مواطني إسرائيل المطالبة بدراسته بجدية وتنقيحه، بما يُعزز عودة الرهائن وإنهاء الحرب.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook