معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي : التدخل العسكري الايراني في سوريا نظرة الى المستقبل
بقلم: افرايم كام، معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي ١-٢٠١٨
احدى المسائل الامنية الاساسية التي تشغل الآن جهاز الامن الاسرائيلي هي امكانية أن تقوم ايران باستغلال تدخل قواتها الحالي وحلفائها في الحرب السورية من اجل ايجاد وجود عسكري طويل المدى في سوريا بشكل عام وقرب الحدود مع اسرائيل بشكل خاص. تواجد كهذا اذا حدث مستقبلا، من شأنه أن يخلق تهديدات جديدة على اسرائيل – في الاساس ازاء امكانية مواجهة عسكرية مع ايران و/أو فروعها.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرر في خطابه في افتتاح الدورة الـ 23 للكنيست في تشرين الاول 2017 بأنه على رأس التحديات التي تواجه اسرائيل تحدي “الحاجة الى صد محاولات ايران التركز العسكري في سوريا”. هذه الصيغة تدل على أنه حسب الحكومة الاسرائيلية فان مواجهة الاختراق العسكري الايراني لسوريا لا تقل في المرحلة الحالية عن الحاجة الى وقف سعي ايران للحصول على السلاح النووي، طالما أن المشروع النووي الايراني يوجد تحت قيود الاتفاق النووي.
التدخل المستقبلي في سوريا – اعتبارات ايران
ايران لا توضح الى أي مدى ستواصل في سوريا ابقاء القوات التي تحت قيادتها. تدخلها حتى الآن فسرته بالحاجة الى علاج التهديدات الموجهة اليها والتي تنبع من الوضع في سوريا، وبأهمية تقديم المساعدة لنظام الاسد من اجل التغلب على اعدائه وبطلب النظام السوري الحصول على المساعدة الايرانية. ولكن يمكن الافتراض أنها تنوي ابقاء تواجد عسكري تام في سوريا لفترة طويلة – ايضا بعد استقرار نظام الاسد – على الاقل طالما أن النظام السوري بحاجة اليها ويريد ذلك. من جهة ايران، سيكون لوجود قوات لفترة طويلة في سوريا عدة اهداف: الاول، من المهم لايران مساعدة نظام الاسد في تثبيت سلطة الاقلية وضمان بقائه لفترة طويلة – كما أنه ما زال لا يسيطر على كل الدولة، ويوجد له حساب دموي طويل مع عدد كبير من السكان وبقاءه غير مضمون، ايضا حتى لو تحسنت احتمالاته. من المهم لايران الاحتفاظ بقوات في سوريا من اجل المشاركة في تشكيل الاتفاق الذي سيتم التوصل اليه حول مستقبل الدولة والنظام، وربط سوريا بها والتأثير بدرجة حاسمة على قراراتها وسلوكها، ايضا في حالة سقوط نظام الاسد.
الهدف الثاني، لأن الايرانيين غير متأكدين أن نظام الاسد سيستمر الى زمن طويل، فهم يريدون بناء قدرات تأثير مستقلة في سوريا. أداة هامة بنيت لهذا الغرض هي مليشيتين سوريتين جديدتين اقيمتا من قبل ايران بواسطة قوة القدس وحزب الله: مليشيا “قوات الدفاع الوطني” التي تضم عشرات آلاف الاشخاص، معظمهم علويون، ومليشيا شيعية تسمى “قوة الرضى” التي تم تجنيد رجالها من القرى الشيعية في سوريا. هدف قوة القدس هو تحويل المليشيات السورية الى قوة عسكرية سياسية ثابتة، وأن يتم تشغيلها من قبلها مثلما هي الحال في حزب الله.
الهدف الثالث، وجود عسكري طويل المدى في سوريا هام لايران من اجل دق اسفين للتأثير في قلب العالم العربي، وتثبيت القوس الشيعي من ايران حتى لبنان. الازمات الخطيرة في سوريا والعراق وظهور داعش اثبت لايران الى أي درجة محيطها الاستراتيجي غير مستقر ومليء باسباب التضعضع والاخطار. الوجود العسكري في سوريا على المدى البعيد هام لايران من اجل تعزيز تأثيرها في العراق ولبنان – وهما دولتان فيهما اغلبية شيعية؛ لمنع اقامة دولة كردية مستقلة من شأنها اثارة الاقلية الكردية في ايران وخلق قوة موازية لاعدائها في فضاء الشرق الاوسط، وعلى رأسهم السعودية؛ وربما ايضا الدخول الى الساحة الفلسطينية.
التواجد في سوريا سيساعد ايران على منع اعادة ظهور منظمات ارهابية مثل داعش وخريجي القاعدة، الذين يعرضون للخطر ايضا أمن المصالح الايرانية. ولا يقل اهمية عن ذلك فان توسيع نفوذ ايران في هذه المنطقة الاساسية في الشرق الاوسط من شأنه أن يساعدها على تقليص نفوذ امريكا في هذا الفضاء.
رابعا، وجود عسكري طويل في سوريا سيساعد ايران على تشديد التهديد على اسرائيل من ناحية حزب الله ومنظمات اخرى بواسطة اطالة الجبهة مع اسرائيل من جنوب لبنان وحتى هضبة الجولان. هذه الجبهة يمكنها المساعدة في تثبيت ممر بري لنقل الوسائل القتالية والقوات من ايران والعراق الى سوريا ولبنان، واقامة مصانع لانتاج وتركيب سلاح نوعي في سوريا ولبنان – في الاساس قذائف وسلاح دقيق.
خامسا، طالما استمرت النشاطات العسكرية في سوريا فهي ستساعد ايران في تطوير القدرات العسكرية للقوات الايرانية وممثليها، والاستمرار مهم لايران في الاساس من اجل بناء قوة تدخل ايرانية شيعية تمكن من تحقيق وترسيخ النفوذ في هذا الفضاء. وعند الحاجة التدخل – باستثناء سوريا – في دول توجد لايران فيها مصالح وعلى رأسها العراق ولبنان، وربما ايضا اليمن. إن استمرار تواجد القوات في سوريا يمكنه أن يمنح ايران قاعدة وخدمات بحرية وربما جوية على شواطيء البحر المتوسط – اذا وافقت سوريا على ذلك. هذا الامر سيشكل قاعدة لاستمرار التعاون العسكري مع روسيا، وربما ايجاد تعاون عسكري مع تركيا ايضا. ومن اجل تعزيز مواقعها تسعى ايران من الان لبناء قواعد في سوريا للقوات الشيعية المرتبطة بها.
اضافة الى ذلك، ايران يجب عليها ان تأخذ في الحسبان أن التواجد طويل المدى في سوريا سيكون مرتبط بأخطار وأنه لن يكون باستطاعتها تحقيق اهدافها، أو على الاقل جزء منها. ايران ومبعوثوها سيتورطون في مواجهة عسكرية مع القوات الامريكية أو القوات الاسرائيلية أو مع عناصر قوة نشيطة في الساحة السورية. كما يجب علينا التذكر أن عدد كبير من السكان السنة معاد لنظام الاسد وايران بعد التدمير والقتل الذي سببوه لسوريا، وسيتحفظ من مواصلة التواجد والنفوذ الايراني في سوريا. إن استمرار بقاء القوات في سوريا لن يكون سهلا بالنسبة لنظام ايران، الامر الذي من شأنه أن يتحول بالنسبة له الى عبء اقتصادي وعسكري حقيقي. سؤال مفتوح هو ماذا ستكون سياسة النظام السوري في المستقبل الابعد تجاه ايران وتواجدها في سوريا: اليوم نظام الاسد بحاجة الى التواجد الايراني من اجل تحسين وضعه وضمان مستقبله، ولكن اذا استقر نظامه، فهل سيكون مستعدا ومعنيا بأن يكون متعلقا بايران بصورة دائمة؟.
طبيعة التدخل الايراني المستقبلي
في هذه المرحلة ليس معروفا ماذا ستكون مكونات وخصائص التدخل الايراني في سوريا مستقبلا، على فرض أن هذا التدخل سيستمر لفترة طويلة نسبيا. سيكون مرتبطا كثيرا بمسألة هل الازمة في سوريا والحرب المرتبطة بها ستنتهي الى درجة الهدوء أو ستستمر بهذه الصورة أو تلك. كلما اقتربت الازمة من نهايتها تستطيع ايران أن توجه قوات اقل للمهمات القتالية، وبذل الجهود لبناء مكانتها في سوريا على المدى البعيد. وخلال ذلك لبناء الجبهة اللبنانية – السورية امام اسرائيل. ولكن في هذا السيناريو يطرح سؤال آخر: هل نظام الاسد سيكون معنيا باستمرار التواجد العسكري الايراني في بلاده لفترة طويلة، أو أنه في مرحلة معينة سيفضل أن تخلي مكانها أو تتقلص بدرجة كبيرة من اجل أن لا يكون مقيد اكثر من اللزوم بواسطة ايران.
على فرض أن استمرار التواجد الايراني في سوريا، فان الامكانية الاكثر معقولية هي أن ايران ستفضل الامتناع عن ارسال قوات كبيرة الى سوريا. وبدل ذلك ستطلب استمرار وجود نموذج التدخل الذي اقيم في سوريا في 2014. بكلمات اخرى، ستسعى الى مواصلة قيادة القوة العسكرية التي ستوضع في سوريا بواسطة قادة ووحدات خاصة، وبالاساس من حرس الثورة وقوة القدس، في حين أن الجزء الاساسي من القوة المقاتلة يأتي من مليشيات شيعية وحزب الله اللبناني ومليشيات شيعية عراقية موالية لايران، وبدرجة تفضيل اقل من المليشيات الافغانية والباكستانية.
هذا النموذج مريح اكثر لايران من ارسال قوات ايرانية كبيرة نسبيا، من عدة نواحي. فهو يمكن ايران من نفي مشاركتها في عمليات قتالية في سوريا. كما أنه يقلص المخاطرة في التورط المباشر مع اسرائيل وربما مع الولايات المتحدة، ويمنحها مرونة اكثر في علاج الازمات المتعلقة بالوضع السوري. كما أنه يقلل الخسائر التي ستتكبدها ايران في حالة استمرار القتال في سوريا.
إن خفض مشاركتها العسكرية المباشرة في سوريا مريح للنظام الايراني ايضا ازاء الاحتجاج الكبير الذي اندلع في ايران في نهاية كانون الاول 2017، والذي هو موجه جزئيا ضد القتال الايراني في سوريا. هذا النموذج سيساهم ايضا في خلق صورة لقوة شيعية متعددة القوميات تعزز المعسكر الشيعي مقابل المعسكر السني ليس فقط في سوريا بل في دول اخرى ومنها العراق. وهو سيساهم في تحسين القدرة العسكرية للمليشيات الشيعية – حزب الله والمليشيات العراقية.
اضافة الى ذلك، احتمالية بقاء قوات ايرانية في سوريا لزمن طويل – الى جانب مقاتلي حزب الله وربما مقاتلي المليشيات الشيعية الاخرى – غير مؤكدة. منذ العام 2013 ظهرت من حين الى آخر أنباء بأن حزب الله سيعيد مقاتليه من سوريا الى لبنان وذلك لعدة اسباب. السبب الاهم هو أنه اذا تم التوصل الى اتفاق شامل حول مستقبل سوريا فان كل القوات الاجنبية سيطلب منها الخروج من سوريا في اطار الاتفاق. عن ذلك اعلن وزير الخارجية التركي في كانون الثاني 2017 واضاف بوضوح أنه في اطار الاتفاق سيضطر حزب الله الى اخراج قواته من سوريا. السبب الثاني، في لبنان هناك اوساط تعارض بقاء حزب الله في سوريا لفترة طويلة. هكذا قال رئيس لبنان ميشيل عون في نهاية تشرين الثاني 2017 بأن حزب الله سيعيد مقاتليه الى لبنان بعد انتهاء الحرب في سوريا ضد الارهاب.
اضافة الى ذلك، في حزب الله ايضا هناك كما يبدو من يتحفظون من مشاركة مقاتليه في سوريا واستخدامهم كطعام للمدافع في صالح ايران. حزب الله ايضا يخاف من هجمات اسرائيلية على قواته في سوريا. وكلما ازداد هذا الخوف فسيكون معني اكثر بالخروج من سوريا. وهناك سؤال مفتوح – هل سيكون الاسد معني ببقاء حزب الله في حدود سوريا اذا استقر نظامه وانتهت الحرب؟ المتحدثون بلسان حزب الله نفوا نية اعادة المقاتلين الى لبنان وقالوا إنهم لن يعودوا قبل انهاء المهمة في سوريا. ايضا رئيس حزب الله، حسن نصر الله، اعلن في تشرين الثاني 2017 بأن حزبه مستعد لاخراج قواته من العراق في اعقاب هزيمة داعش، لكنه امتنع عن التطرق الى اخراج قواته من سوريا. في كل الاحوال فان قرار ابقاء حزب الله في سوريا سيكون في ايدي ايران اكثر منه في أيدي الحزب اللبناني.
مسألة بقاءهم في سوريا وتموضع القوات الايرانية ومقاتلي حزب الله ومليشيات شيعية اخرى طرحت في المحادثات التي جرت في تشرين الثاني 2017 بين الولايات المتحدة وروسيا والاردن والتي افضت الى اتفاق بشأن وقف اطلاق النار في جنوب سوريا. حسب مصدر امريكي، فان الاتفاق الذي تم التوصل اليه ينص على أن القوات الاجنبية غير السورية – ومنها “حرس الثورة” وحزب الله والمليشيات الاخرى – سيتم اخراجها من المنطقة الآمنة في جنوب سوريا. وفي نهاية العملية سيطلب منها الخروج من سوريا كلها. هذا الملخص يتضح ايضا من الاعلان المشترك للولايات المتحدة وروسيا بعد التوقيع على الاتفاق والذي يقضي بأن يشمل الاتفاق تقليص القوات الاجنبية في سوريا واخراجها من المنطقة في نهاية المطاف.
ولكن في هذا الاتفاق هناك عدة مشكلات. أولا، هو لا يشمل جدول زمني لخروج القوات، ويمكن أن تستمر العملية لسنوات، وربما سنوات كثيرة. ثانيا، بعد بضعة ايام من التوقيع عليه اعلن وزير الخارجية الروسي بأن روسيا لم تتعهد بالاهتمام باخراج القوات الايرانية والقوات المرتبطة بها من سوريا، وأن وجودها في سوريا هو مشروع لأنه تم استدعاءها من قبل النظام المعترف به في سوريا. هذا الاعلان يمكن أن يعزز الانطباع بأن نية ايران بابقاء القوات المرتبطة بها في سوريا لفترة طويلة، بدعم روسيا. ثالثا، المسافة التي حددت بين المنطقة التي يسمح فيها لهذه القوات بالعمل وبين الحدود مع اسرائيل في هضبة الجولان، بقيت اشكالية بالنسبة لاسرائيل. اسرائيل طلبت أن تكون المسافة 50 – 60 كم، في حين أن روسيا وافقت بداية على مسافة 5 كم عن الحدود، وبعد ذلك تم الاتفاق على حل وسط يقضي بأن تكون المسافة في معظم المناطق 20 كم، وفي جزء منها 5 كم.
مستقبل التدخل الايراني في سوريا: نقاط القوة والضعف
اذا بقيت ايران رغم الصعوبات والتساؤلات قوة شيعية كبيرة في سوريا لفترة طويلة، فهذا يعني تشديد التهديد الذي ستبثه تجاه اسرائيل. ايران ستضع قوات كبيرة اخرى قرب اسرائيل وستبني جبهة اضافية امامها، التي سيتم ملؤها برجال حزب الله و/ أو مقاتلي المليشيات العراقية، بموازاة جبهة جنوب لبنان. اعادة الانتشار هذه ستوفر لحزب الله امكانيات اكبر للعمل ضد اهداف اسرائيلية وضد الجبهة الداخلية الاسرائيلية، وسيشتت قواته من اجل تقليص امكانية ضربها. الممر الذي تنشئه ايران من العراق وحتى سوريا والمصانع التي تقيمها في سوريا لانتاج الوسائل القتالية ستمكن من نقل السلاح النوعي لحزب الله بسريعة وبكميات كبيرة.
هذا لا يعني أن ايران ستسارع الى تشغيل حزب الله ضد اسرائيل أو القوات الاخرى التي ستضعها في سوريا. يجدر الذكر أن حزب الله يخشى منذ اكثر من عقد من أن يتحدى بصورة كبيرة اسرائيل ولديه اسباب جيدة لذلك، رغم ترسانة الصواريخ الكبيرة التي بناها، وفي معظم الحالات هو لم يرد رغم أن اسرائيل قصفت مرات كثيرة قوافل سلاح ومنشآت للمنظمة في سوريا ولبنان. حيث هناك شك بأن اسرائيل قصفت في كانون الثاني 2015 قافلة لحزب الله في الجولان. في ذلك الهجوم قتل جنرال ايراني من حرس الثورة ومعه خمسة اشخاص من حزب الله، والصحيح ستة اشخاص، على رأسهم جهاد إبن عماد مغنية الذي تولى رئاسة الذراع العسكري لحزب الله، الذين كانوا يفحصون امكانية اقامة بنية تحتية للارهاب من هضبة الجولان. ورغم خطورة الضربة إلا أن ايران لم ترد كالعادة في حين أن حزب الله رد على هذا القصف بصورة محدودة، اطلاق نار من لبنان قتل فيه جنديان اسرائيليان.
علاوة على ذلك، ايران لم تواجه اسرائيل بصورة مباشرة في أي يوم على الصعيد العسكري – يمكن الافتراض أن ذلك بادراكها بتفوق اسرائيل. حيث أنه رغم قوتها العسكرية وفي الاساس نظام الصواريخ الكبير والمتقدم لها إلا أن لها نقاط ضعف في الميزان الاستراتيجي والعسكري مقابل اسرائيل. القدرة العسكرية التقليدية لايران تقوم على وسائل قتالية قديمة، لا سيما في المجال الجوي، حيث أن سلاحها الجوي يتشكل من طائرات امريكية وروسية وصينية عمرها 30 – 40 سنة، كما يجب على ايران أن تأخذ في الحسبان أن المواجهة العسكرية مع اسرائيل من شأنها أن تخلق فرصة وذريعة لاسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، وربما بدعم امريكي.
ايران حقا تبني امكانيات ستمكنها في المستقبل من القيام بعمليات عسكرية في العراق وسوريا، وربما في لبنان ايضا، لكن التدخل في هذه الدول يعني مواجهة اعداء وصعوبات على بعد مئات الكيلومترات من الحدود الايرانية، حيث أن التدخل في سوريا ولبنان تم في دول ليست محاذية لايران. اضافة الى ذلك، فان قرب القوات الايرانية والمليشيات الشيعية تخلق حقا تهديد متزايد على اسرائيل. ولكنه يخلق لها ايضا افضليات وفرص. اسرائيل تستطيع استغلال الانتشار الايراني الشيعي من اجل مهاجمة قوافل السلاح التي ستمر في الممر من العراق الى سوريا ولبنان. وأن تشوش هذا الانتقال وتمس باسهامه في تعزيز حزب الله، بما في ذلك ضرب مصانع السلاح التي تقيمها ايران لصالح حزب الله. لقد سبق واثبتت اسرائيل لايران وحزب الله أن في يدها معلومات استخبارية فائقة، تمكنها من أن تضرب بدقة اهداف في سوريا ولبنان.
لقد سبق وقيل إن استخدام المليشيات الشيعية كقاعدة لبناء التواجد والنفوذ الايراني سيمنح افضليات لايران منها خلق مرونة خلال الازمات وتقليص الاخطار أمام الاعداء. لكن هذا ايضا سيمكن اسرائيل من ضرب المليشيات التي تتحداها من خلال تقليص الاخطار التي تكتنف رد الطرف الثاني، على خلفية حقيقة أن ايران امتنعت حتى الآن عن الرد على ضرب حزب الله من جانب اسرائيل. هكذا، فان اسرائيل امتنعت بشكل عام عن ضرب جهات ايرانية باستثناء حالات معدودة، لكنها شخصت اهمية عمل نسبية لضرب حزب الله بدون رد.
علينا أن نضيف الى هذا الردع الامريكي. منذ بداية التسعينيات في القرن الماضي فان التهديد الامريكي اعتبر من قبل ايران بأنه التهديد الاستراتيجي الرئيس الموجه اليها. ادارة ترامب اعتبرت في نظر ايران أنها تهديد خطير بشكل خاص. بتأكيدها على سلوك ايران – سعيها للحصول على السلاح النووي، وتدخلها في دول اخرى، وتهديدها لاسرائيل وتورطها في الارهاب – وبتعهدها على صدها. صحيح في هذه الاثناء أن ادارة ترامب تهدد اكثر مما تنفذ، لكن ايران لا تستطيع تجاهل امكانية أنه في وقت ما ستقوم بالعمل ضدها – فرض عقوبات أشد من العقوبات التي فرضتها عليها حتى الآن، وحتى عملية عسكرية وضمن ذلك اذا حاولت ايران المس باسرائيل. من الواضح أن الامر الاخير الذي تريده ايران هو مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة.
اضافة الى ذلك، ورغم رؤية التهديد الامريكية في نظر ايران، يصعب الآن رؤية الولايات المتحدة وهي تقوم بعملية حقيقية ضد ايران في اعقاب نشاطاتها في سوريا. ادارة ترامب عرفت بصورة واضحة تدخل ايران في دول اخرى كجزء هام من تهديد ايران للولايات المتحدة وحلفائها، لكن عمليا، لم تعد حتى الآن الادوات، باستثناء فرض عقوبات اخرى عليها، كما يبدو بدون مشاركة اوروبية، ربما ايضا أن الادارة الامريكية بدأت في ادراك أنه ليس لديها رد ناجع لتقليص حضور ونفوذ ايران، سواء في سوريا أو في العراق. الولايات المتحدة من شأنها أن تتخذ خطوات عسكرية محلية محدودة ضد ايران، واكثر من ذلك ضد المليشيات الشيعية مثل اطلاق نار محدود أو اسقاط طائرات بدون طيار. ولكن يبدو أنه فقط خطوة ايرانية صارخة بشكل خاص يمكنها أن تحرك الادارة للعمل بقدر هام ضد القوات الايرانية.
الى هذه المعادلة يجب ادخال العنصر الروسي ايضا. روسيا ليست حليفة لايران ومصالحهما مختلفة، لكنها تتعاون معها بمساعدة هامة لنظام الاسد واستقراره. كما يبدو روسيا ايضا تنوي ابقاء قوات محدودة لها في سوريا، ربما لفترة زمنية ليست قصيرة، من اجل ضمان استقرار النظام في سوريا والخدمات البحرية والجوية المعطاة لها في حدود سوريا. رئيس روسيا بوتين قال اثناء زيارته في سوريا في كانون الاول 2017 إنه أمر بالبدء في اخراج معظم القوات الروسية من سوريا واعادتها الى روسيا، بعد أن انتصر هو والجيش السوري على الارهاب. وقبله قال رئيس الاركان الروسي إنه يتوقع أن يقلص القوات الروسية في سوريا بدرجة كبيرة وأن التقليص سيبدأ قبل نهاية العام 2017.
ولكن يبدو أن التقليص تم لاسباب تكتيكية: روسيا ليس لها قوات برية كبيرة في سوريا، وعندما يتضاءل القتال في الدولة فان روسيا تستطيع السماح لنفسها باخراج جزء من القوات، مثلما أعلنت عن ذلك في كانون الثاني 2017. اضافة الى ذلك، رئيس الاركان اعلن أن القوات الروسية ستواصل احتفاظها بقاعدتين في سوريا، كذلك وحدات من اجل الحفاظ على الوضع الذي نشأ في سوريا، وهكذا تحتفظ روسيا بأيديها بامكانية تعزيز قواتها في سوريا حسب الحاجة، وستواصل الحصول على خدمات في سوريا في القاعدة الجوية “حميميم” وفي القاعدة البحرية في طرطوس. علاوة على ذلك، فان وزير الدفاع الروسي اعلن أنه تم البدء باقامة وجود عسكري ثابت في القاعدتين وأن البرلمان الروسي صادق على التوقيع على اتفاق مع الحكومة السورية لمدة 49 سنة يقضي بتوسيع استخدام الطائرات والسفن الروسية في القاعدتين.
يمكن الافتراض أنه طالما استمر القتال في سوريا، فان روسيا ستدعم استمرار تواجد القوات الايرانية وحزب الله والمليشيات الشيعية الاخرى في سوريا، وعلى الاقل هي لن تعارض ذلك، كما اعلن وزير الخارجية الروسي. ولكن من غير المستبعد أن تؤيد روسيا اخراج جزء من هذه القوات، على الاقل في حالة هدوء ثابت وفي اطار اتفاق شامل، اذا تحقق. كما أنه لا يوجد لروسيا شأن في حدوث مواجهة بين اسرائيل وايران. ومن شأنها أن تشكل عنصر تهدئة ووسيط لمنع مواجهة كهذه.
المعنى بالنسبة لاسرائيل والولايات المتحدة
تواجد عسكري طويل المدى لايران واذرعها في سوريا يخلق تهديد مستقبلي هام لاسرائيل. هذا التواجد يساعد ايضا على خلق تواصل جغرافي كقاعدة للنشاط والتأثير الايراني، من ايران وحتى سوريا ولبنان، يمكن ايران من تحريك القوات والوسائل القتالية على طول هذا التواصل. كل ذلك يشكل قاعدة اساسية للمبادرة الى العمليات في اسرائيل مستقبلا، في الاساس بواسطة حزب الله والمليشيات الشيعية، اذا وعندما ترى ايران حاجة الى ذلك. وفي جبهة اطول – من لبنان وحتى هضبة الجولان. فكرة الجبهة الواسعة ليست جديدة بالنسبة لايران وحزب الله، وقد عملوا لوضع بنى تحتية لذلك في سنوات سابقة بواسطة “قوة القدس”. ولكن في حالة وضع القوات المرتبطة بايران في سوريا لزمن طويل. وعندما يستطيع حزب الله الحصول على وسائل قتالية نوعية افضل وبصورة متواصلة من خلال الممر وبواسطة مصانع الاسلحة في سوريا ولبنان – ايران تستطيع أن تشدد التهديد على اسرائيل.
الى جانب ذلك، في اعقاب نقاط الضعف الكامنة في التدخل الايراني، من المعقول اكثر الافتراض أنه على الاقل في الوضع الراهن لا يوجد لايران مصلحة في استفزاز اسرائيل والمواجهة معها. في هذه الفترة الزمنية فان الاهتمام الاقليمي الاساسي لايران هو تثبيت النظام في سوريا وفي العراق ونفوذها فيهما. المواجهة مع اسرائيل يمكنها المس بايران بصورة اكبر،كما انه يحرفها عن اهدافها الاقليمية الاساسية ومن شأنه أن يعمل على تعقيد علاقاتها مع الولايات المتحدة. لذلك يمكن الافتراض أنه في المرحلة الحالية فان الهدف الاساسي لتدخل ايران في سوريا ولبنان في السياق الاسرائيلي هو تحسين قدرة الردع الايرانية تجاه اسرائيل، وفي الاساس عن طريق تعزيز المليشيات الشيعية في سوريا وعلى رأسها حزب الله، وليس الوصول الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل. ويدعم هذا الافتراض حقيقة أنه منذ 2015 امتنع حزب الله عن استفزاز اسرائيل.
لا يوجد تأكيد على أن ايران ستنجح في أن تبقي في سوريا لفترة طويلة قوات هامة من الحرس الثوري والمليشيات الشيعية، لا سيما في هضبة الجولان. اذا استقر في وقت ما الوضع في سوريا فربما في اطار اتفاق سيطلب من القوات الاجنبية الخروج من سوريا، ويمكن أنه في وضع انتهاء الازمة واستقرار نظام الاسد النسبي سيكون معني بذلك. ولكن حتى لو حدث ذلك فان استمرار وجود الممر من العراق الى سوريا ولبنان سيمكن ايران من نقل قوات وسلاح الى حزب الله. من جهة اخرى، اذا نجحت ايران في ابقاء قوات في لبنان فمن الواضح أنه من بين كل المليشيات الشيعية – التي ستكون كما يبدو العنصر الاساسي بين هذه القوات – فان حزب الله سيشكل التهديد الاساسي لاسرائيل: هذه هي المليشيا الاكثر جودة والاكثر تعلقا بايران، حيث توجد لها تجربة كبيرة في المواجهة مع اسرائيل وهي تعرف بصورة افضل المنطقة، وفوق كل ذلك، يوجد لديها مخزن الصواريخ الكبير الذي يمكنها من تحدي اسرائيل.
قرب المسافة بين القوات العسكرية لاسرائيل وايران تمنح اسرائيل امكانيات جديدة للمس باهداف ايرانية، اذا كانت حاجة لذلك، بما في ذلك من اجل تشويش نشاط الممر. في هذا الشأن فان ايران وحزب الله لن يردا بعملية عسكرية ضد اسرائيل في اعقاب الهجوم الجوي على قاعدة عسكرية ايرانية قرب دمشق في بداية كانون الاول 2017. هذا الهجوم الذي نسب لاسرائيل، يعتبر رسالة لايران لعدم اجتياز الخطوط الحمراء المتمثلة بوضع قوات ايرانية – شيعية قرب الحدود مع اسرائيل. ولكن في نفس الوقت هذا القرب ونشاط القوات الايرانية أو حزب الله أو المليشيات الشيعية على الارض يزيد المخاطرة بمواجهة بين قوات الطرفين – مواجهة متعمدة من قبل أحد الطرفين أو مواجهة غير متعمدة نتيجة تدهور الوضع. في هذا الاطار يجب الاخذ في الحسبان انه ايضا اذا كانت حتى الآن ايران وحزب الله امتنعا بشكل عام عن الرد على هجمات الجيش الاسرائيلي ضد قوافل ومنشآت حزب الله فليس هناك ضمانة أنهما سيتصرفان بهذا الشكل مستقبلا. كلما استمر الجيش الاسرائيلي في هجماته كلما ازداد اهتمام ايران وحزب الله بالرد عليها من اجل ردع اسرائيل عن الاستمرار بها. لذلك، في مرحلة معينة فان حزب الله وبدعم من ايران سيرد بخطوات مضادة في اعقاب ضرب الجيش الاسرائيلي لرجاله ومنشآته.
على مدى سنوات، لا سيما بعد حرب لبنان الثانية، نجحت اسرائيل في ردع موثوق جدا امام حزب الله. اسرائيل ستضطر الآن الى الحفاظ على هذا الردع وتعزيزه عندما يتغير عدد من المعطيات لصالح حزب الله: مقاتلو حزب الله يوجدون في سوريا، في سوريا توجد ايضا قوات ايرانية ومليشيات شيعية راكمت تجربة قتالية هامة يمكنها تعزيز ثقة حزب الله بنفسه ودفعه الى الرد على هجمات اسرائيل. ايران تطور قدراتها في نقل الوسائل القتالية المتقدمة بسرعة الى حزب الله من انتاج مصانع السلاح التي اقامتها في سوريا وعن طريق الممر من العراق. بضع خطوات اكثر من التي تم اتخاذها حتى الآن يمكنها تعزيز ردع اسرائيل: توضيح لا لبس فيه للخطوط الحمراء الاسرائيلية بالنسبة لنشاطات حزب الله والقوات الاخرى المرتبطة بايران، تشويش المرور في الممر، مواصلة ضرب القوافل التي تحمل وسائل قتالية نوعية والمصانع دون الاعلان عن تحمل المسؤولية عن هذه الضربات، ونشاط عسكري امريكي ضد اهداف المليشيات الشيعية، اذا توصلت ادارة ترامب الى استنتاج أن مثل هذا النشاط هو امر مطلوب من اجل تعزيز مصداقيتها.
احتمال البقاء لفترة طويلة للقوات الايرانية والشيعية في سوريا، بالتأكيد اذا اجتازت هضبة الجولان أو المنطقة القريبة منها تقتضي حديثا وتعاونا مع الادارة الامريكية. المشكلة هي أن ادارة ترامب بدأت طريقها بلهجة شديدة تجاه ايران – سواء في قضية المشروع النووي أو النشاطات الاقليمية – لكن ما زالت لم تتبلور طرق عمل لكبح تدخلها في دول اخرى. إن عدم رد الادارة الامريكية على الدعم الذي تقدمه روسيا لتدخل ايران في سوريا، ربما بسبب رغبتها في تقريب روسيا اليها، لا يساهم في ردع ايران. في هذا الوضع فان ادارة ترامب تبقي فعليا وبدرجة كبيرة الساحة السورية لروسيا وايران، إذ انه امام السلبية الامريكية ليس هناك جهة اقليمية تكبح التدخل الايراني في سوريا.
بالتحديد بسبب ذلك هناك حاجة الى توضيح موثوق من جهة الادارة بأنها ستشدد خطواتها تجاه ايران وحزب الله اذا استمرا في استفزاز الولايات المتحدة وحلفائها. ادارة ترامب يمكنها اتخاذ عدة خطوات لكبح اختراق ايران داخل سوريا على المدى البعيد. في اطار مفاوضات حول مستقبل سوريا يمكن للادارة أن تجري محادثات مع روسيا وتركيا بشأن اخراج القوات الاجنبية من سوريا ضمن جدول زمني محدد في اطار اتفاق شامل، كما اتفق عليه في تشرين الثاني 2017. تركيا سبق وعبرت عن دعمها لهذه الخطوة، ويجب عدم استبعاد احتمالية أن روسيا ايضا ستدعمها، وربما مقابل ثمن امريكي. الادارة تستطيع فرض عقوبات اخرى على ايران في سياق تدخلها العسكري في سوريا. وتستطيع فحص اتخاذ خطوات عسكرية محدودة من اجل أن تصعب على ايران استخدام الممر لنقل القوات والوسائل القتالية.