ترجمات عبرية

معهد السياسة والاستراتيجية IPS– بقلم ميخائيل ميلشتاين – تعزيز مكانة اتحاد الامارات العربية في الشرقالاوسط ، كمقدمة لتحولات جذرية في المنطقة.

معهد السياسة والاستراتيجية IPSبقلم  ميخائيل ميلشتاين – 18/8/2020

خطوة التطبيع تؤكد التغيير الجذري الذي تعيشه المنطقة في اعادةاصطفاف المحاور فيها في مواجهة ايران وفي قبول اسرائيل في الناديالعربي “.

تثبت دولة اتحاد الامارات العربية في السنوات الاخيرة نفوذا متصاعدافي الشرق الاوسط بالعموم وفي العالم العربي بالخصوص. ويدور الحديثعن ذروة ميل تحولت في اثنائه دولة الامارات من إمارة نفط في هوامشالعالم العربي الى دولة ذات نفوذ في بؤر فعل ونزاع مختلفة في العالمالعربي والاسلامي، لها صلات وثيقة بلاعبين اساسيين في الساحة الدولية.

يعكس تثبيت مكانة اتحاد الامارات في العالم العربي تحولات جذريةفي الشرق الاوسط. وعلى رأسهانقل مراكز القوى الاقليمية التقليدية منالقاهرة، دمشق وبغدادالتي في ظل الهزة غرقت في هوة الحروب الاهلية،تفكك الدولة وانهيار الاقتصادالى مجال الخليج الفارسي. في اعقابالربيع العربي، قل جدا تأثير الدول التي قادت العالم العربي على مدى عقودعديدة وتباهت بلقبالقوى الثورية والتقدمية، وبالمقابل صعد نجم اماراتالنفط، التي وقفت على مدى سنوات طويلة في هوامش العالم العربي(وبالتأكيد بالنسبة للنزاع الاسرائيليالعربي)، والتي كان دورها المركزيالدعم الاقتصادي للانظمة العربية السائدة، وكذا للفلسطينيين.

الروح الحية خلف عملية تحول اتحاد الامارات الى لاعب اقليمي رائدهي زعيم الدولة اليوم محمد بن زايد، ولي العهد في ابو ظبي (ابن 58). يعدبن زايد احد اللاعبين المسيطرين في العالم العربي اليوم. فهو يقيم علاقاتوثيقة مع رؤساء الساحة الدولية (ولا سيما مع الرئيس الامريكي ترامب)،ويشكل لاعبا اساسيا في المعسكر السني المعتدل. ليس صدفة ان توجتهصحيفتانيويورك تايمزوتايماحد الزعماء الاقوى في المنطقة بل وفيالعالم كله في العام 2019.

لمراكز القوة الجديدة في العالم العربي، وعلى رأسها كما أسلفنااتحاد الامارات، مزايا اساسية تختلف عن مزايا القوى التي قادت المنطقةفي الماضي:

1. عموم دول الخليج تقوم على اساس مبنى سلطوي وهامش اجتماعيتقليديين، تساهم في استقرار انظمة الحكم فيها وتشكل بقدر كبير اساسالبقائها في عصر الهزة (اي من الانظمة الملكية في العالم العربي لم ينهارفي عصر الربيع العربي، وذلك بخلاف جزء كبير من الانظمة غير الملكية).

2. تفتقد الانظمة الملكية في الخليج الفارسي للبعد الايديولوجي، وبالتأكيدغير الثوريبخلاف ما يسمىالانظمة التقدميةوالمحافل الاسلامية فيالعالم العربيوهي مؤيدة واضحة لحفظ الوضع الراهن.

3. اساس قوة الانظمة في الخليج الفارسي هو اقتصادي، وان كان بعضهايطور بالتدريج ايضا روافع نفوذ سياسة، اعلامية، تكنولوجيةعلمية بلوعسكرية (فضلا عن السعودية التي كان لها تقليديا نفوذ اقليمي واسع،ولاتحاد الامارات الذي يطور في السنوات الاخيرة نفوذا كهذا، تبرز ايضاقطر التي تتطلع منذ عدة عقود الى تثبيت قوتها في الشرق الاوسط، الى مايتجاوز بكثير حجومها الديمغرافية والجغرافية).

4. الموقف التاريخي لانظمة الخليج تجاه اسرائيل بخاصة وتجاه النزاع بينهاوبين الفلسطينيين بعامة أرق من موقف باقي الدول العربية. فنهج تلك الانظمةيعتمد على فكر الواقعية السياسية، وبموجبها يمكن بل ومرغوب فيه العملعلى تسوية سياسية بعيدة المدى مع اسرائيل تشكل على حد نهجهم حجرأساس لاستقرار استراتيجي في كل الشرق الاوسط.

ان تثبيت المكانة القيادية لاتحاد الامارات في المجال العربي يأتي فيظل التعاون الوثيق مع حليفيها المركزيين، السعودية ومصر، اللتين تشاركهافي الرؤيا المتعلقة بصورة المنطقة وفي تعريف التهديدات والفرص الكامنةفيها والتمييز بين الاصدقاء، الشركاء الاستراتيجيين والاعداء. “المعسكرالثلاثي” – الذي تشارك فيه معظم دول الخليج (باستثناء قطر) والاردن،والذي يحظى بتأييد دول شمال افريقيا والسودانعلى ثلاثة مباديءاساسية:

1. تشخيص مشترك  للاعداء، وعلى رأسهم ايران وحلفائها في معسكرالمقاومة والمعسكر الشيعي.  (طهران تعد التهديد الوجودي المركزي من ناحيةمعظم دول الخليج)، وبعد ذلكتيار الاخوان المسلمين في العالم العربيوالاسلامي وداعش.

2. تعريف مشترك للولايات المتحدة كسند استراتيجي (وان كان الموقف منالادارة الحالية في واشنطن شكاك احيانا، ويترافق وقلق من عدم الوقوفالكامل الى جانب دول الخليج، اذا وعندما تقف امام تهديدات خطيرة،بخاصة من جانب ايران).

3. وضع مشابه للرئيس الفلسطيني في هوامش جدول الاعمال الاستراتيجيالقومي والاقليميفي ظل ابداء موقف اساسي ايجابي تجاه اسرائيلالتي تعد كلاعب اساس في اطار الصراع ضد  ايران.

إن النفوذ المتعاظم لاتحاد الامارات في المنطقة يجد تعبيره على عدةمستويات:

1. السياسيالاستراتيجي: الى جانب السعودية (وعلى اساس العلاقةالشخصية الوثيقة بين بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان)، تقودالدولتان اليومالمعسكر العربي السُني المعتدل“. ترى هاتان الدولتاننفسيهما كمن يقف في جبهة الصراع العربي مع ايران ومع تركيا اللتينتتعاظم قوتهما على حساب العالم العربي؛ تقودان المواجهة العربية العامةالحادة التي تمتد منذ ثلاث سنوات ضد قطر (احتكاك يترافق وحصارمتواصل على الامارة المتماثلة مع معسكر الاخوان المسلمين وتعد تقليدياكعامل باعث على التآمر والاضطراب في العالم العربي)؛ وتحاولان العملعلى استقرار الانظمة العربية القريبة منها.

2. الامني: بخلاف الامتناع التقليدي لدول الخليج الفارسي عن التدخلالعسكري في النزاعات الإقليمية، تبدي السعودية والامارات في السنواتالأخيرة تدخلا فاعلا في بؤر صراع مختلفة في الشرق  الأوسط، بما في ذلكفي ساحات توجد خلفساحتهما الخلفية” (أي الخليج الفارسي والبحرالأحمر). الحسم في تلك المواجهات يعد في نظر الرياض وأبو ظبي عظيمالأهمية لغرض التصميم الاستراتيجي للمجال الإقليمي. في هذا السياقيبرز التدخل العسكري لاتحاد الامارات في الصراعات الجارية في اليمن(ضد الحوثيين العاملين بدعم من ايران، في حزيران من هذه السنة أعلناتحاد الامارات عن وقف تدخله في الدولة) وفي ليبيا (ضد القوات المدعومةمن تركيا)، وبشكل محدود اكثر في سوريا، العراق، لبنان والصومال. ووجدالجهد العسكري للامارات تعبيرا بارزا له في استخدام القوات الجوية، فيظل التعاون مع السعودية ومصر، واحيانا في التنسيق مع محافل  غربية(مثلما في ليبيا).

3. الاقتصادي: المدن المركزية لاتحاد الامارات، وعلى رأسها أبو ظبي  ودبي،أصبحت في العقود الأخيرة المراكز المالية، التجارية، المصرفية والسياحيةالسائدة في الشرق الأوسط، لها وزنها أيضا على المستوى الدولي. ويستغلاتحاد الامارات قوته الاقتصادية كي يدعم حلفائه، وعلى رأسهم مصر التيتحظى بمساعدة اقتصادية واسعة منذ عقدين.

4. المدني: في السنوات الأخيرة يبدي اتحاد الامارات قوة على المستوىالمدني أيضا، ولا سيما في مجالات العلم، التكنولوجيا والتعليم. في هذاالسياق تبرز المؤسسات الإكاديمية التي تطورت فيه وتحظى بمكانة رائدة فيالعالم العربي (وتحل هذه بقدر كبير محل مؤسسات التعليم العالي في مصروالأردن والتي كانت حجر جذب للشباب في كل العالم العربي)، وكذاالمشاريع التكنولوجية التي تعمل عليها (بما فيها: تشغيل مفاعل انتاج الطاقةالنووية في تموز 2020، والذي بني في أبو ظبي بالتعاون مع كورياالجنوبية؛ اطلاق سفينة فضاء الى المريخ في تموز الماضي؛ تدشين مركزخلايا جذعية إقليمي لزرع مخيخ العظام؛ وكذا استثمار مقدرات كثيرة فيالتصدي الطبي لفيروس الكورونا (ولا سيما المشاركة في محاولات تطويرلقاح، وتوريد عتاد طبي للدول في العالم ممن تضرروا بالفيروس.

ان تعزيز النفوذ الإقليمي لاتحاد الامارات يشكل ميلا استراتيجياإيجابيات من ناحية إسرائيل. توجد بين الدولتين علاقات وثيقة في جملة منالمستويات في العقدين الأخيرين، الامر الذي خرج الى العلن في اعقابالإعلان عن تطبيع العلاقات بينهما. ووجدت العلاقات الخاصة تعبيرها فيعدة جوانب:

1. التعاون الأمني واسع النطاق الذي في مركزه مشتريات كثيرة لعتاد امنيإسرائيلي من قبل اتحاد الامارات (ولا سيما في مجال والسايبر).

2.  عمل مشترك في مواضيع اقتصادية وتكنولوجية (بما في ذلك الجهدالمشترك في الأشهر الأخيرة لتطوير لقاح للكورونا.

3. استضافة علنية (وليست عادية في العالم العربي) لممثلين رسميين ولوفوداقتصادية ورياضية.

4. تأييد علني (وشاذ نسبيا في العالم العربي) من اتحاد الامارات لمحاولاتترامب العمل علىصفقة القرنفي اثناء السنوات الأخيرة.

تقف علاقات اتحاد الامارات مع إسرائيل غير مرة بخلاف علاقاتهاالطبيعية مع مراكز القوى في الساحة الفلسطينية. كقاعدة، لاتحاد الاماراتنفوذ محدود جدا في الساحة الفلسطينية مقارنة بلاعبين اقليميين آخرين مثلمصر، الأردن وقطر. وهي في قطيعة شبه كاملة سواء مع حكم حماس، الذيينتمي لتيار الاخوان المسلمين، وكما اسلفنا يعتبر في نظر بن زايد كتهديد،ام مع السلطة الفلسطينية. والقطيعة بين اتحاد الامارات ورام الله وقعتبالتدريج في العقد الأخير على خلفية شكاوى بن زايد مناختفاءأموالالمساعدة التي قدمها اتحاد الامارات للفلسطينيين في جيوب مسؤوليالسلطة الفلسطينية، وكذا على خلفية تأييد بن زايد لمحمد دحلان، الخصمالمرير لابو مازن (دحلان يعمل مستشارا للامير في شؤون مكافحة الاخوانالمسلمين وينتظر الانخراط في القيادة الفلسطينية في اليوم التالي لابومازن).

تجسيد بالملموس للرواسب بين اتحاد الامارات والفلسطينيين جاء فورالإعلان عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فقد شجبت السلطة الفلسطينيةالخطوة بشدة، وصفتها بانهاطعنة سكين في ظهر الفلسطينيينواعادتسفيرها من اتحاد الامارات، وفي أرجاء الساحة الفلسطينية عقدت مظاهراتاحتجاج ضد اتحاد الامارات في اثنائها أحرقت صور بن زايد. وقبل ذلك برزاحتكاك بين اتحاد الامارات والفلسطينيين وقع في حزيران الماضي، فياعقاب قرار الامارات ارسال مساعدة طبية للسلطة الفلسطينية في ارساليةمباشرة بين أبو ظبي وإسرائيل، توجه كرحلة الطيران الرسمية الأولى فيالخط الجوي بين الدولتين واعتبر كمظهر للتطبيع المتزايد بينهما. أثارتالخطوة استياء  شديدا في الساحة الفلسطينية، التي كانت في ذروة ازمةحادة مع إسرائيل على خلفية الإعلان عن العمل على الضم، ودفعتالفلسطينيين بالإعلان رسميا عن رفضهم تلقي المساعدة.

يشكل تعاظم نفوذ اتحاد الامارات في العالم العربي ميلا إيجابيا من ناحيةإسرائيل. فقوتها الصاعدة تساهم في الجهد الإسرائيلي بلورة معسكرإقليميضد التهديدات المشتركة، وعلى رأسها ايران وتساعد في قبول إسرائيلفي العالم العربي. ولكن خطوة عظيمة الأهمية لتطبيع العلاقات، والتيترافقت وإزالة موضوع الضم عن جدول الاعمال الإسرائيلي (على الأقلللمدى المنظور)، لم تؤدي حتى الان الى ابطال الازمة الحادة مع السلطةالفلسطينية، والتي تتجسد منذ 19 أيار بقطيعة مطلقة بين الطرفين، وتترافقوضعف متزايد للحكم في رام الله. صحيح أن إسرائيل حققت إنجازا هامامع العالم العربي، ولكنها تبقى تواجه مشكلة محتدمة في ساحتها القريبة،من شأنها أن تتطور لتصبح تحديا استراتيجياسياسيا وامنيافي الوقتالقريب القادم.

محظور ان يؤدي نجاح إسرائيل في تحقيق المفهوم الاستراتيجي الذييقول انه يمكن تطبيع العلاقات مع العالم العربي حتى دون التسوية معالفلسطينيين (والذي يوجد في بؤرة الإحباط الفلسطيني)، الى الاستخفافبالازمة العميقة مع الساحة الفلسطينية. العكس هو الصحيح. على إسرائيلان تدرس كيف يمكنها أن تساعد الفلسطينيينللنزول من الشجرة” (قسمكبير من مسؤولي السلطة الفلسطينية ناضجون لذلك، في ضوء خوفهم منان تضعضع الازمة الحالية استقرار الحكم في رام الله وتؤدي الىرفعرأسمن جانب  حماس). لغرض انقاذ الفلسطينيين من التمترس عديمالجدوى في إحساس الظلم الذي احيق بهم، نوصي بالنظر الى اطلاقرسائل متصالحة ومهدئة بين القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية، الى جانباستخدام واسع لاقناع وسطاء خارجيين وكذا حوافز، ولا سيما في شكلمساعدة خارجية بما في ذلك من اتحاد الامارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى