#شؤون إسرائيلية

معهد الأمن القومي الاسرائيلي : تقدير للعلاقات الاسترالية – الاسرائيلية

بقلم: روتم نوسم، معهد الأمن القومي الاسرائيلي١-٨-٢٠١٨​ 

الى جانب الهدف المشترك للنظام العالمي القائم على قواعد، فان علاقات وطيدة اكثر بين اسرائيل وأستراليا  ستساهم في تحقيق المصالح الوطنية للدولتين. بالنسبة لاسرائيل، العلاقات الوطيدة ستساعد على مواجهة التوجهات السلبية في مكانتها الدولية وفي موطيء قدم سياسي واقتصادي آخر في منطقة آسيا والمحيط الهاديء. إن شراكة متطورة مع مؤيدة قديمة مثل استراليا يجب أن تحظى بأولوية في اطار السياسة الخارجية الاسرائيلية حتى لو فقط لهذه الاسباب.

إن علاقات وطيدة اكثر مع اسرائيل ستفيد استراليا في مجال الامن والتكنولوجيا. على سبيل المثال، التعلم من التطويرات التكنولوجية التي حققتها صناعة الهايتيك الاسرائيلية و”نظام السايبر البيئي” الوطني متعدد المجالات للجيش الاسرائيلي “الذي يشكل غلاف حماية السايبر الاسرائيلي” من شأنه أن يفيد الحكومة والصناعة والمشاريع الصغيرة في استراليا في الحصول على امكانيات قيمة في الدفاع عن بنى تحتية رئيسية من التهديد من هجمات سايبر متوقعة. اضافة الى ذلك فان مكانة اسرائيل كشعب مبادر ساعدتها في تطوير شبكة علاقات دولية من شأنها أن تفيد استراليا. مثلا، برنامج منصة اطلاق الابتكار لاستراليا في تل ابيب هو خطوة اولى في خلق اطر تعاون وسياسة مستقبلية واضحة، بهدف تطوير ثقافة مزدهرة مشتركة من الحداثة. بنفس القدر استراليا نجحت في الاستفادة من التجربة الاسرائيلية في الزراعة في مناطق قفراء، وبحث مشترك في موضوع الممارسات الزراعية في ظروف اقليمية محددة من شأنه أن يزيد صناعة التصدير القوية للدولتين ازاء التقلبات المتوقعة، والمتعلقة بالتغيرات المناخية. استراليا تتطلع ايضا الى تحسين مكانتها العالمية في مجال التصدير الامني. وواحد من الخمسة اعمدة الرئيسية لاستراتيجية التصدير الامني الاسترالي هو تطوير الحداثة وابداعية اكثر في اطار الصناعة الامنية المحلية، ومبادرات تكنولوجية مشتركة يمكن أن تساعدها على تحقيق هذا الهدف. وأخيرا زيادة التعاون في محاربة الارهاب، بما في ذلك التعاون الاستخباري مع اسرائيل يمكن أن يساعد جهود استراليا لمواجهة التطرف العنيف من جانب قوى اسلامية تعمل في منطقة آسيا المحيط الهاديء.

من بئر السبع حتى ايامنا

معركة بئر السبع التي وقعت في 31 تشرين الاول 1917 كانت احد الانتصارات الاسترالية الكبرى في الحرب العالمية الاولى، والمواجهة الهامة الاخيرة بين جيوش الفرسان في تاريخ الحروب. لواء الفرسان الاسترالي الخفيف الذي تضمن الدفعة الرابعة والدفعة الثانية عشرة، بدأ بهجوم على مدينة بئر السبع التي كانت في حينه تحت سيطرة العثمانيين وتحولت فيما بعد الى المدينة الاكبر في جنوب اسرائيل. اهمية المدينة الاستراتيجية الى جانب توفير المياه لها حددت مصير العملية الاسترالية كلها، والهزيمة في المعركة كانت متعلقة بالمخاطرة بالسقوط في أسر العدو أو العطش الذي يعرض الحياة للخطر. الاستراليون فاجأوا العثمانيين بالتقدم في الصحراء، التي كانت الجهة الوحيدة غير المحمية في المدينة المحتلة. اللواء انقض امام البنادق والمدفعية التي وجهت نحوه واحتل آبار المياه وكل المدينة بانتصار مفاجيء، في المعركة التي أدت الى انسحاب العثمانيين من ارض اسرائيل خلال الاسابيع التالية. في معركة بئر السبع بقي حتى الآن أحد المعالم التي لا تنسى في تاريخ العلاقة بين استراليا واسرائيل.

استراليا كانت احد الاعضاء الذين اختيروا لتكون عضو في اللجنة المخصصة التي شكلتها الامم المتحدة لقضية ارض اسرائيل والتي أيدت توصية اللجنة الخاصة للامم المتحدة في قضية ارض اسرائيل “لجنة اونسكوب” بشأن تقسيم اراضي الانتداب البريطاني الى دولة يهودية ودولة عربية. وهي ايضا كانت احدى الدول الاعضاء الاوائل الذين صوتوا مع قرار 181 للجمعية العمومية، التي منحت موافقة رسمية على هذه التوصية. منذ ذلك الحين تؤيد استراليا اسرائيل بشكل عام، وإن كان الدعم جاء على الاغلب على صورة بوادر حسن نية دبلوماسية رمزية بدل العمل الفعلي. المواقف تجاه اسرائيل تطورت ببطء وتميزت بتغيير سياسي كبير، الذي حدث فقط مع تغيير الحكومات. خلال حرب لبنان في 1982 كان يبدو أن حكومة استراليا تبنت مقاربة “الانضمام الى الاحتفال من خلال اتخاذ موقف محايد، دعوة الطرفين للامتناع عن التصعيد والثناء على الامم المتحدة والولايات المتحدة على القيام بنشاطات لمنع تجدد الاعمال العدائية”. خلال المواجهة المتواصلة في جنوب لبنان التي بدأت في 1985 ادانت الحكومة بشدة هجمات اسرائيل في الاراضي اللبنانية ولم تؤيد الوجود الاسرائيلي في جنوب لبنان.

في نفس الوقت أيدت استراليا اسرائيل بشكل دائم في التصويتات في الامم المتحدة، كما يبدو اظهار للعرفان من قبل الكنيست لاستراليا في 1987 لأنها رفضت قرار الامم المتحدة الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية. في نفس السنة اكد رئيس الحكومة بوب هوك “تأييده لمبدأ تقرير المصير للشعب الفلسطيني” واضاف بأنه “مثل الحكومات الاسترالية السابقة، نحن نرى بأمن اسرائيل وحقها في الوجود في اطار حدود آمنة ومعترف بها أمر اخلاقي وسياسي في نفس الوقت”. وأكد بوب ايضا على التزام حكومته بمواصلة تصدير الفحم لاسرائيل كرمز للتعاون المتعاظم في مجالات الصناعة والزراعة الذي هدف الى تعزيز العلاقات الاقتصادية المتبادلة. ولكن البلاغة الحميمية لحكومة هوب ضعفت بعد ذلك في العام 1987 عند الغاء دعوة وزير الصناعة والتجارة اريئيل شارون لزيارة استراليا في اعقاب الردود السلبية لمؤيدي م.ت.ف في استراليا.

الهجمات الارهابية التي نفذتها في 1990 تنظيمات فلسطينية تابعة لـ م.ت.ف وصفت من قبل نواب استراليين كضربة للعملية السلمية، التي ستؤدي فقط الى تصلب مواقف اسرائيل. السناتور روبرت راي اشار الى أنه في اعقاب هذه الهجمات ستفحص الحكومة من جديد تأييدها لـ م.ت.ف، بعد المصادقة على طلب مكتب المعلومات الفلسطيني في كنبيرا تغيير اسمه الى مكتب م.ت.ف.

مع مرور الوقت وضعت مسألة الاستيطان اليهودي تحد متزايد امام العلاقة بين الدولتين. ومثل لاعبين كثيرين آخرين في الساحة الدولية فان استراليا ايضا تؤمن بأن الاستيطان يدمر العملية السلمية كما ظهر في اقوال الحكومة جون هاور اثناء زيارته لاسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية في العام 2000. في اعقاب ذلك انتشر الانتقاد لسياسة اسرائيل بالنسبة للمستوطنات ومن هنا ايضا في المسألة الاوسع للصراع الاسرائيلي الفلسطيني بشكل خاص في صفوف حزب العمال الاسترالي (إي.ال.بي). على سبيل المثال في 2016 دعت وزيرة الخارجية جولي بيشوب زعيم المعارضة بيل شورتن لمنع اقتراح ضار من جانب “اصدقاء فلسطين في حزب العمال في ولاية نيو ساوث ويلز”، الاقتراح الذي استهدف منع اعضاء البرلمان والموظفين العامين وضباط الجيش من الاستجابة لدعوات لزيارة اسرائيل طالما أن حكومة بنيامين نتنياهو “تواصل سياسة الاستيطان وترفض اقامة دولة فلسطينية وتنكل بوحشية بالسكان العرب في الضفة الغربية”. في اطار مؤتمر حزب العمال في نيو ساوث ويلز في 2017 نجح وزير الخارجية بوب كار في تمرير مشروع قرار لدعم غير مشروط للدولة الفلسطينية. هذا كان تطور كبير في المقاربة التقليدية التي دعت الى حل النزاع من خلال المفاوضات والاتفاق الثنائي. رئيسي الحزب القدامى بوب هوك وكوين راد اظهروا ايضا تأييدهم للاقتراح. هذا التغيير يمكنه أن يؤثر بصورة بارزة على مواقف السياسة الخارجية لحزب العمل في المسألة الفلسطينية في الانتخابات القادمة. هذه التطورات عبرت عن مشاعر الوزير السابق باري كوهن من حزب العمال الذي قدر أن مقاربة الحزب “مشبعة باللاسامية”. هذا الاتهام تم نفيه من قبل الرؤساء المختلفين في حزب العمال، لكنه يواصل تشكيل موقف الجالية اليهودية في استراليا تجاه الحزب.

موقف السياسة الخارجية الاسترالية تجاه اسرائيل مهم بشكل خاص في اعقاب وزن الجالية اليهودية الصغيرة نسبيا. الجالية اليهودية هي احدى جاليات الشتات الاقدم في استراليا وتوصف بـ “الجالية اليهودية الاكثر صهيونية في الشتات” في ارجاء العالم. هذه الصهيونية تترجم بصورة متوقعة كما يبدو بانتماء سياسي وتفاعل مع احزاب سياسية استرالية. اعضاء برلمان يهود يشكلون 2.2 في المئة من عدد الاعضاء بشكل عام في البرلمان الاسترالي، رغم أن الجالية اليهودية تشكل 0.45 في المئة فقط من اجمال عدد السكان في استراليا. المجتمع الاسترالي المنفتح والديمقراطي هو عامل مهم جدا في تشجيع مشاركة اليهود في العملية السياسية. هذه الانجازات يضاف اليها المشاركة في المؤتمر اليهودي العالمي وبتأسيس “اللجنة اليهودية لدول عصبة الشعوب البريطانية” التي تعنى بتحقيق مصالح الجالية.

في نفس الوقت تنمو  الجالية الاسلامية في استراليا بوتيرة سريعة وتشكل الآن 2.6 في المئة من اجمالي عدد السكان. ولكن بنسبة تمثيل في البرلمان تبلغ 1.3 في المئة فقط. رجال اعمال عرب رواد في استراليا اخذوا على عاتقهم دور دعم جاليتهم، على خلفية مخاوف متنامية من التطرف العنيف في استراليا. في نفس الوقت مع نضال استراليا ضد تهديد الارهاب المقترب حدثت ايضا زيادة في الخوف من الاسلام والمسلمون في سيدني يشعرون بالتمييز ضدهم بنسبة تزيد بثلاثة اضعاف مقارنة مع الجاليات الاخرى في استراليا. مخاوف الجالية اللبنانية في استراليا تواجه بانعدام التعاطف، ووزير الداخلية بيتر داتون ابدى ملاحظات مميزة ضد الجالية اللبنانية والجالية من جنوب السودان الاسترالية. د. آن علي، عضوة البرلمان المسلمة الاولى في استراليا، وخبيرة في محاربة الارهاب، تلقت خلال فترة ولايتها في البرلمان تهديدات على حياتها، والتي تشير الى عداء متزايد تجاه الجالية الاسلامية المتنامية في استراليا.

الفوارق بين الجالية اليهودية والجالية الاسلامية في استراليا في كل ما يتعلق بالتمثيل والقوة على الصعيد السياسي مهمة لغايات التقدير التاريخي لمواقف السياسة الخارجية تجاه الشرق الاوسط. مع ذلك، فانها تطرح سؤال “مع الاخذ في الحسبان لنسبة التمثيل المرتفعة لليهود في السياسة، لماذا تتميز العلاقة بين استراليا واسرائيل بجمود أو على الاقل مستواها أدنى من المتوقع”.

الزيارة الرسمية لنتنياهو في استراليا: بلاغة دبلوماسية أم التزام سوي متبادل؟

التطورات الاخيرة في العلاقة بين حكومة اسرائيل وحكومة استراليا جرت في اطار الزيارة غير المسبوقة لنتنياهو في استراليا في بداية 2017. الزيارة رافقتها اعلانات عن تعاون بين الدولتين على شكل اتفاقات من شأنها أن تدل على بداية عهد جديد من العلاقات الاقتصادية والسياسية المتبادلة الوثيقة. خلال الزيارة في استراليا وقع نتنياهو ورئيس حكومة استراليا ملكولم ترانبول على اتفاق ثنائي في مواضيع التحديث التكنولوجي والبحث والتطوير والذي سيشكل اطار لمجموعات في مجال العلوم والهندسة والاعمال لخلق اماكن عمل وصناعات في المستقبل. وتم التوقيع ايضا على اتفاق طيران هدف الى توسيع العلاقة التجارية والشخصية.

ترانغول عبر عن امله على اساس التزاماته بـ “التشارك في التجربة الوطنية وخبرة دولتنا في مجال أمن الطيران والدفاع عن الاماكن المكتظة بالسكان”، و “مبادرات تحقق المصالح المشتركة للدولتين في مجال الامن القومي، مكافحة الارهاب، حماية السايبر، الحداثة، التجارة والاستثمار”. وكذلك، اللقاءات تركزت بدرجة كبيرة على التجديد في حماية السايبر؛ اسرائيل تمتاز في هذه المجالات ويوجد لاستراليا اهتمام متزايد بتطوير قدرات خاصة بها. ايضا العنف من جانب جهات متطرفة كانت مصدر للاهتمام المشترك الذي بحث في اللقاء. والرئيسان اكدا على اهمية التعاون المتزايد بغرض محاربة الارهاب. ليس مفاجئا أن البؤرة الرئيسية للتعاون كانت في مجال الامن، الذي اصبح مهم اكثر فأكثر لكل اللاعبين العاملين في الساحة الدولية التي فيها يوجد لاسرائيل خبرة كبيرة. هكذا، فان احد التطورات الاكثر اهمية للزيارة هو المصادقة على اهمية التعاون الامني، غير الموجود في هذه المرحلة، أي طرف لم يرسل ضباط عسكريين للتعلم من نظرائهم، والملحق العسكري الاسترالي في اسرائيل يقيم في تركيا. الدولتان ركزتا على دمج قدرات السايبر مع نشاطات عسكرية، ولتجسيد التزامهما بالحوار الثنائي في مجال السايبر.

مع ذلك، الزيارة لم تكن خالية من الانتقادات. خلال المؤتمر الصحفي المشترك في بداية زيارة نتنياهو في استراليا سئل ترانغول عن التزامه بـ “حل الدولتين” بعد أن اظهر انفتاحه على حل الدولة الواحدة في اعقاب لقاء له مع الرئيس ترامب في وقت مبكر من نفس السنة. في رده كرر ترانغول موقف بلاده بشأن حل الدولتين وكذلك في لقائه مع نتنياهو اعلن رئيس المعارضة بيل شورتن “بصورة واضحة وقاطعة” أن المستوطنات وتوسيعها تشكل عقبة امام السلام، وتضر بالمسيرة السلمية. ورغم ذلك اجمل نتنياهو زيارته المثمرة بالاشارة الى أن الاتفاقات التي تم التوقيع عليها مع حكومة استراليا تعبر عن “الالتزام (استراليا واسرائيل) بالدفاع عن القيم المشتركة مثل الحرية والديمقراطية والتعددية وسلطة القانون”.

بمناسبة احياء ذكرى مئة عام على معركة بئر السبع في تشرين الاول 2017 زارت اسرائيل بعثة من وزراء واعضاء معارضة من استراليا من بينهم رئيس الحكومة ملكولم ترانغول. خلال العاصفة السياسية الداخلية فوت ترانغول تقريبا نصف الاحداث التي كان مخطط لمشاهدتها اثناء زيارته في اسرائيل، وجعل نظراءه في الائتلاف يزعمون أمام الدبلوماسيين أن التأخير في قدومه الى اسرائيل “لم يكن محرجا”. زيارة ترانغول كانت الزيارة الاولى لرئيس حكومة استرالي لاسرائيل منذ العام 2000 وشكلت تطورا هاما، لكن في اساسها كان يقف التراث العسكري الاسترالي وليس بالضبط الرغبة في تحسين العلاقة بين الدولتين. خلال زيارته القصيرة اعلن ترانغول مرة اخرى أن العلاقة بين اسرائيل واستراليا وثيقة على المستوى الرسمي والشخصي. ونتنياهو وصف ترانغول بـ “صديق حقيقي لاسرائيل”. الملاحظات الودية التي اسمعت خلال الزيارتين تجسد استخدام معروف باللغة الدبلوماسية وليس بالضرورة نشاط أو فعل ملموس قابل للقياس.

الشخصيات الاسرائيلية رفيعة المستوى والاسترالية مثلها تتناول المرة تلو الاخرى المبادرات المتزايدة للتعاون بين الدولتين مثل “منصة اطلاق الحداثة” لاستراليا في تل ابيب والتي ذكرت في كل بيان للصحف وفي كل خطاب من خطابات ترانغول في الزيارتين. وبالنسبة لمعركة بئر السبع الحدث التاريخي الذي يلتصق به الطرفين في محاولة لتوثيق العلاقة بينهما. بناء على ذلك يبدو أنه رغم الزيارة الهامة جدا لنتنياهو في استراليا فان العلاقة بين الدولتين ليست اكثر عمقا من العلاقة بين اسرائيل وحليفاتها الاخريات، والتي تمتاز سياساتها بقوة ناعمة. هذه الحقيقة هامة لتحليل العلاقات الفاترة، لأنها تشير الى غياب جهود جديدة وهامة من جانب الدولتين.

تحليل انتقادي لعلاقات استراليا – اسرائيل

الزيارة لرئيس حكومة اسرائيلي على رأس منصبه في استراليا، حظيت بانتقادات مختلفة. في اعقاب تركيز استراليا الكبير على منطقة آسيا الباسفيك كانت درجة معينة من تجاهل الزيارة والقليل من المحللين فقط تعمقوا في الفرص والتحديات التي تكمن في التركيز المجدد على العلاقات بين الدولتين. مع ذلك، فان معاهد ابحاث وفكر هامة في اسرائيل والتي تشتغل في شؤون خارجية واستراتيجية، مثل المعهد الاسترالي للسياسة الاستراتيجية ومعهد لووي، قدمت تحليلات انتقادية للعلاقات بين الدولتين. التحليلات لاهمية العلاقات شملت الادعاء “الحقيقة هي أنه ليس هناك أي دولة في الشرق الاوسط مصالحها قريبة اكثر لمصالح استراليا من اسرائيل”. ولكن آخرين اعتبروا الزيارة استعراض غير مقنع لدبلوماسية رمزية. الاهمال النسبي للعلاقات مع استراليا من جانب اسرائيل لم يغب عن اقوال المنتقدين. وتمت الاشارة الى أن استراليا توجد في الدائرة الخارجية من ناحية رؤية اسرائيل. وهذه المقاربة تنسب الى أن اسرائيل لا تعرف ما الذي تريد تحقيقه من هذه العلاقات. فهذه العلاقات تتميز بانجازات ضئيلة في مجالات كثيرة، حيث كل دولة من الدولتين لم تنجح في تشخيص درجة قدرتها على الاسهام في المصالح القومية لشريكتها وتستند الى بلاغة كلامية اكثر من الاستناد الى المضمون.

في اطار تحليل الزيارة تم التأكيد على عدد من المواضيع التي توجد فيها مصالح متبادلة والتي من شأنها أن تشكل قاعدة لتعميق العلاقات. هكذا قيل على سبيل المثال بأن عقيدة اعتماد اسرائيل على نفسها يمكنها أن تتعزز بواسطة التعرف على تجربة استراليا في تحالفات عسكرية في حين أن تعاون متزايد للاستخبارات يمكنه أن يعزز الموقف تجاه محاربة الارهاب في منطقة آسيا الباسفيك.

في نفس الوقت المناخ السياسي القائم في استراليا وانعدام الاستقرار الذي يميز مواقف الاحزاب تجاه اسرائيل يمكنه أن يكبح التقدم الذي سجل في السنة الاخيرة. حكومة اخرى لحزب العمال الاسترالي يمكنها تبني موقف هجومي بشأن الاعتراف غير المشروط بفلسطين، في حين أن الدعم الحماسي بشكل عام للحزب الوطني الليبرالي لاسرائيل يمكن أن يتضاءل هو ايضا. على فرض أنه يمكن نسب هذه الاخطار بدرجة اكبر للدبلوماسية الاسرائيلية الفاشلة وبصورة اقل للطرح الناجح للادعاءات الفلسطينية، يمكن أن نقلص ذلك عن طريق نشاطات دبلوماسية وجماهيرية فعالة في استراليا. مصالح مشتركة يجب أن تعطي لاسرائيل دافعية اخرى للتركيز بدرجة كبيرة على تحسين علاقتها مع استراليا، حيث أن اهمالها سيكلفها في نهاية المطاف خسارة حليفة هامة.

نظرة الى المستقبل

مع الاخذ في الاعتبار الافضليات الواضحة التي تطمح استراليا واسرائيل الى تحقيقها من العلاقات المتبادلة الوثيقة هناك حاجة لضخ مضمون اكبر للعلاقات. مستقبل هذه العلاقات مرتبط بعدد من العناصر الحيوية. أولا، الاحزاب السياسية في استراليا يجب عليها الحث على سياسة خارجية واقعية تجاه النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. معنى ذلك أن تصريحاتها يجب أن تكون محسوبة وترتكز على أدلة بدلا من اعطاء ردود متسرعة على الاحداث الجارية دون تقدير تأثيرات الخطاب الضار. اسرائيل من ناحيتها يجب أن تبذل جهود من اجل رفع مكانة استراليا في نظرها لاكثر من كونها دولة حليفة متوسطة القوة، وتوسيع حجم العلاقات بدل الاكتفاء بالدعم الكلامي لاستراليا في الامم المتحدة. ولأن مركز الاهتمام لاستراليا موجه اكثر فاكثر الى منطقة آسيا والباسفيك، فان اسرائيل لا يمكنها مواصلة التعامل معها كدولة توجد في الدائرة الخارجية. وانتظار دعمها في المقابل. اذا لم تستثمر الدولتان اكثر في مبادرات ملموسة فمع مرور الزمن يمكن أن تضيعا الافضليات الكامنة في تعاون وثيق اكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى