معهد أبحاث الأمن القومي – خطة إسرائيلية إستراتيجية لتهيئة الظروف لـ”حل الدولتين”
معهد أبحاث الأمن القومي – 2/10/2018
وضع “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب دراسة بعنوان “خطة إستراتيجية للحلبة الإسرائيلية – الفلسطينية”، وانطلقت هذه الخطة من أن إسرائيل تواجه الآن “طريقا سياسيا مسدودا وخطيرا”، من دون الإشارة إلى أسباب وصول “إسرائيل” إلى هذا الوضع.
لكن المعهد أشار إلى أن هذه الخطة المقترحة هي “خطة عمل سياسية – أمنية في القضية الفلسطينية ولها هدفان: تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي ومنع التدهور في منزلق نحو واقع الدولة الواحدة”.
وفي أساس هذه الخطة، التي نشرها المعهد اليوم الثلاثاء، “بلورة واقع مُحسّن، يسمح بفتح خيار في المستقبل من أجل إنهاء سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وضمان أغلبية يهودية صلبة في “إسرائيل” الديمقراطية.
وبكلمات أخرى: هدف الخطة هو إعداد الظروف لواقع الدولتين من أجل الحفاظ على إسرائيل دمقراطية، يهودية، آمنة وأخلاقية”.
وشدد المعهد على أنه في أعقاب بحث متواصل، “تبين أن البديل الأكثر استقرارا، الذي سيمكن إسرائيل من مواجهة تحديات المستقبل بأفضل صورة، وتحافظ على طابعها ومصالحها الأساسية والأمنية، هو ذلك الذي يدفع نحو انفصال سياسي وإقليمي عن الفلسطينيين باتجاه واقع الدولتين للشعبين”.
واعتبر المعهد أن الخطة تتلاءم مع مصالح إسرائيل “ويسمح بتوفر عدة خيارات، حتى بغياب شريك فلسطيني لاتفاق دائم، من أجل التقدم نحو انفصال سياسي، إقليمي وديمغرافي عن الفلسطينيين وتحقيق استقرار إستراتيجي لفترة طويلة.
ومن هنا سيكون بإمكان إسرائيل أن تخطو، وفقا لرؤيتها وبصورة تدريجية وحذرة، في الطرق نحو بدائل سياسية أخرى”.
وبحسب المعهد، فإن “الخطة المقترحة تتطلع إلى الوصول إلى تفاهمات داخل الجمهور الإسرائيلي، وتفاهمات مع المجتمع الدولي والدول العربية البراغماتية ومع الفلسطينيين أنفسهم، وتعكس إصرار “إسرائيل” على بلورة مستقبلها بنفسها”.
وأشار المعهد إلى أن “الخطة لا تطرح حلا سياسيا نهائيا، وإنما طريقا لإنشاء واقع استراتيجي محسّن بالنسبة لإسرائيل، ويسمح لها بالحفاظ على معظم الإمكانيات بيديها”.
مبادئ الخطة
قال المعهد إن الخطة المقترحة “توفر ليونة تسمح لإسرائيل أن تختار طوال الوقت أساليب عمل بديلة وفقا للظروف المتغيرة في محيطها الإستراتيجي”.
واعتبرت الدراسة أن الخطة “تعزز المُركبات الأمنية من خلال خفض الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، وتحافظ على حرية العمل العملاني (العسكري) في أية منطقة في الضفة الغربية، والتعاون مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي كلما عملت أكثر تقل عمليات الجيش الإسرائيلي في المنطقة الفلسطينية”.
ويقضي مبدأ آخر للخطة “بإرساء المصالح السياسية، الأمنية والإقليمية لإسرائيل في الضفة قبل التوصل إلى اتفاقات سياسية، إضافة إلى تحسين وضع “إسرائيل الاستراتيجي بغياب تقدم سياسي، ومن خلال توضيح نواياها بتنفيذ انفصال سياسي وإقليمي عن الفلسطينيين وإنشاء الظروف لواقع الدولتين”.
وينص المبدأ الثالث للخطة على “تعزيز شرعية إسرائيل ومكانتها الدولية والإقليمية بواسطة التعاون الإقليمي، في المجالات الأمنية، السياسية والاقتصادية والبنية التحتية”.
ويدعو المبدأ الرابع للخطة إلى “تعزيز البنية التحتية والقدرة على الحكم والاقتصاد الفلسطيني. ومن أجل تحقيق ذلك، يتم تنفيذ أنشطة بصورة تدريجية، وبمساعدة دولية، من أجل تحسين أداء السلطة الفلسطينية وتوسيع صلاحياتها.
وضمن ذلك يتم تخصيص مناطق لتطوير الاقتصاد والبنية التحتية وبناء أساس للدولة الفلسطينية بحيث تكون قادرة في المستقبل على القيام بأدائها”.
ويقضي المبدأ الخامس “باستمرار البناء في الكتل الاستيطانية التي يوجد إجماع واسع حول بقائها في داخل إسرائيل.
وفي المقابل، تجميد البناء في المستوطنات المعزولة الواقعة في عمق المناطق (الضفة)، ويتم إلغاء الدعم الحكومي من أجل توسيعها والاستيطان فيها. ويتم طرح قضية إخلاء مستوطنات في سياق اتفاق دائم مع الفلسطينيين فقط”.
خطوات لتطبيق الخطة
تتضمن الخطة خطوات ينبغي تنفيذها من أجل تطبيقها، وأولها “إعلان إسرائيل عن التزامها المبدئي بحل الدولتين، وأن تكون مستعدة في أي وقت للدخول في مفاوضات مباشرة حول اتفاق شامل.
وفي موازاة ذلك، تبدأ إسرائيل بتطبيق مبادئ الخطة على الأرض من أجل دفع الانفصال عن السلطة الفلسطينية وإنهاء سيطرتها على معظم السكان الفلسطينيين في الضفة.
ومن أجل الحصول على دعم دولي للخطة، وبضمن ذلك دعم عربي، ليس بإمكان إسرائيل التعبير عن استعداد لإجراء مفاوضات، وإنما هي مطالبة بطرح مواصفات للتسوية.
وإذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود أو فشلت، فإنه بإمكان إسرائيل الاستمرار في دفع الخطة وبلورة واقع سياسي، أمني ومدني مستقر ومُحسّن بالنسبة لها لفترة طويلة”.
وتقضي الخطوة الثانية بأن “تستكمل إسرائيل بناء الجدار الأمني، بحيث يرسم أيضا مسار الانفصال والمصالح الإقليمية الإسرائيلية المستقبلية (أي حدود)، وتعلن عن تجميد البناء في المستوطنات المعزولة الواقعة شرقي الجدار.
إضافة إلى ذلك، تعلن إسرائيل أن 20% من مناطق الضفة هي مناطق مصالح أمنية، تشمل معظم الأغوار ومواقع ومحاور إستراتيجية، ستبقى تحت سيطرة إسرائيل حتى يتم التوصل لاتفاق حول ترتيبات أمنية ترضي إسرائيل، وقيام كيان فلسطيني مسؤول ويؤدي وظائفه”.
وأضافت الخطة أن لإسرائيل مصلحة بوجود سلطة فلسطينية تؤدي وظائفها ومستقرة ومتعاونة في دفع حل سياسي، ولذلك يتعين على إسرائيل تنفيذ الخطوات التالية من أجل تعزيز السلطة الفلسطينية:
أولا: “تنقل إسرائيل للسلطة الفلسطينية صلاحيات أمنية في المنطقة B، لتكون مشابهة لصلاحياتها في المنطقة A، وإنشاء منطقة فلسطينية واحدة فيهما تكون أساسا للدولة الفلسطينية المستقبلية وربما تتحول إلى دولة فلسطينية بحدود مؤقتة.
وتمتد هذه المنطقة على مساحة 40% تقريبا من الضفة الغربية، ويسكنها أكثر من 98% من السكان الفلسطينيين”.
ثانيا: “تخصص إسرائيل 25% من المنطقة C من أجل تطوير البنى التحتية ومشاريع اقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، ونقل مناطق مأهولة بفلسطينيين ولم تدخل ضمن المنطقة B وإنما بقيت في المنطقة C إلى السلطة الفلسطينية.
ويُبذل جهد مشترك مع المجتمع الدولي لإنشاء مصانع للصناعة والطاقة الخضراء ومشاريع سياحية وهايتك وبناء للإسكان وما شابه. وفي المرحلة الأولى لا تسلم إسرائيل صلاحيات أمنية وتخطيطية للفلسطينيين في مناطق التطوير هذه، لكن هذه ستكون ’على الرف’ وتسلم تدريجيا للفلسطينيين”.
ثالثا: “يكون هناك تواصل جغرافي في الحيز الفلسطيني، ويتم إنشاء شبكة مواصلات متواصلة من شمالي الضفة إلى جنوبها، بحيث يتم تقليل الاحتكاك اليومي بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود والسكان الفلسطينيين، وتتم إزالة العوائق من أمام التطوير الاقتصادي الفلسطيني”.
رابعا: “إطلاق خطة اقتصادية هدفها في الأمد القريب تحسين مستوى حياة الفلسطينيين، وغايتها في الأمد البعيد تشجيع استقلالية اقتصادية فلسطينية وتسمح بالانفصال الاقتصادي عن إسرائيل. ومن أجل دفع هذا الهدف، يوصى بتشكيل جهاز دولي لتحقيقه”.
غزة ليست ضمن الخطة
تدعو الخطة إسرائيل إلى “السعي من أجل الحصول على اعتراف دولي بخطواتها وأن تطالب بمقابل دولي، في مركزه الاعتراف بالخطة حتى في حال فشل مسار المفاوضات الثنائية”.
إضافة إلى ذلك، على “إسرائيل المطالبة بتعهدات أميركية، كالتي صيغت في رسالة بوش إلى شارون في العام 2004، التي قضت بإنشاء جهاز دولي خاص لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وضمان فاعليته في منع الفساد؛ تعهد السلطة الفلسطينية بمنع الإرهاب والعنف؛ الاعتراف بالترتيبات الأمنية المطلوبة لإسرائيل”.
وقالت الخطة إن “حل مشكلة غزة ليس جزءا من الخطة السياسية، وليس شرطا لتقدمها. وفي جميع الأحوال، توجد أهمية لتركيز جهد دولي من أجل تحسين الوضع الإنساني، وترميم البنية التحتية مقابل إنشاء جهاز دولي يعمل على وقف التعاظم العسكري لحماس وغيرها. وينبغي التقدم في هذا الموضوع في موازاة تطبيق الخطة في الضفة حتى لو كان بمعزل عنه”.
واعتبرت الخطة أن “الواقع الذي سينشأ على الأرض سيحقق لإسرائيل قاعدة سياسية ودولية مريحة أكثر باتجاه تقدم مستقبلي في مسارات أخرى وفقا لاعتباراتها الأمنية والسياسية: الاتفاق على ترتيبات عبور مع الفلسطينيين وفقا لقاعدة ’تطبيق ما يُتفق عليه’ وإهمال مفهوم ’كل شيء أو لا شيء’؛ إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وتغيير طبيعة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من صراع لتحرر وطني إلى صراع بين دولتين وإجراء مفاوضات مباشرة من أجل التوصل لاتفاق سياسي لدولتين؛ في حال غياب تعاون فلسطيني مطلق، ينبغي دفع خطوات انفصال مستقلة وفقا لمصالح إسرائيل” أي في حال رفض الفلسطينيون الخطة فإن إسرائيل يمكن أن تفرضها بصورة أحادية الجانب.
وخلصت الدراسة إلى اعتبار أن “الخطة المقترحة هي الوحيدة الممكنة اليوم”، كونها “تحافظ على المصالح الإسرائيلية، الأمنية والاستيطانية، وتسمح بتجنيد دعم دولي وإقليمي، خاصة وأنها لا تشمل إخلاء مستوطنات في المستقبل القريب، وتوفر لإسرائيل حيّز ليونة سياسية.
وفي أقل تقدير، تحسن الخطة المقترحة بشكل كبير الواقع الحالي: تكبح الاتجاهات الخطيرة بالنسبة لإسرائيل، المسماة خطأ ’ستاتيكو’، التي هي عمليا منزلق يقود إلى أخطار قومية كبيرة، وخاصة إلى واقع الدولة الواحدة من دون إمكانية للانفصال عن الفلسطينيين”.