#الصراع الفلسطيني الاسرائيليغزة

معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي. : تسوية بين إسرائيل وحماس وترسيخ الانقسام الفلسطيني

 

معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي – بقلم  كوبي ميخائيل – 21/5/2018

قال كوبي ميخائيل، وهو باحث كبير فيمعهد أبحاث الأمن القوميفيجامعة تل أبيب، في مقال نُشر في الموقع الالكتروني للمعهد، اليوم الاثنين،أن على إسرائيل وبإمكانها التوصل إلى تسوية مع حركة حماس بكل مايتعلق بقطاع غزة، وذلك في أعقاب التطورات الحاصلة في القطاع منذ بدءفعاليات مسيرة العودة الكبرى، في 30 آذار/مارس الماضي، وحتى يوم عشيةذكرى النكبة، في 14 أيار/مايو الحالي، وقتل خلالها أكثر من 100 فلسطيني وأصيب الآلاف بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي.

منذ نهاية مارس 2018، تدور على امتداد حدود قطاع غزة معركة “تشكّل حماس منطقها”، التي تسيطر من جهتها على مشروع مدني، تحولت بالنسبة لهذا التنظيم إلى مسار إفلات من الضائقة الاستراتيجية التي علق بها. فكرة “مسيرة العودة” التي بادرت بها تنظيمات مدنية في القطاع، والتي أرادت أن تعيد تركيز اهتمام المجتمع الدولي مجددًا على ضائقة سكان المنطقة من خلال المظاهرات الجماهيرية على امتداد الحدود “خُطفت” من قبل حماس، حماس أزاحت منظمي المبادرة وقادت مسار الأحداث إدارة وممارسة.

حماس علقت في المضيق لأربعة أسباب: فشل عملية المصالحة مع فتح، حيث بعد اعتراف حماس بفشلها في إدارة المسار المدني في قطاع غزة بشهر واحد وإبداء استعدادها لنقل الصلاحيات ذات الصلة إلى السلطة الفلسطينية والوضع الانساني الصعب في قطاع غزة وإحباط المواطنين المتزايد بسبب ذلك، والتآكل الخطير في نظام الممتلكات العسكرية الاستراتيجية بسبب وسائل الدفاع والتحييد التي شرعت بها إسرائيل، وفي الخلفية عدم الرغبة وعدم الاستعداد في الانطلاق نحو مواجهة عسكرية واسعة أخرى مع الجيش الإسرائيلي. إذًا، فالمعركة على امتداد الحدود تخدم عدة أهداف حمساوية استراتيجية؛ وعلى رأسها إزالة الإحباط المتزايد في أوساط سكان القطاع منها وتوجيهه نحو إسرائيل، إثبات استعدادها لمحاربة إسرائيل؛ على حساب صورة ومكانة السلطة الفلسطينية، وذلك من خلال تركيز اهتمام العالم مجددًا بقطاع غزة وتعزيز رواية الضحايا الفلسطينيين ونزع شرعية إسرائيل.

فشل عملية المصالحة بين فتح وحماس يؤكد الافتراض بشأن الاحتمال الأكثر ضعفًا إلى إعادة السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية في القطاع. في الواقع، هناك كيانان فلسطينيان منفصلان يعادي أحدهما الآخر، ويحاربان إسرائيل؛ حماس كرائدة للكفاح المسلح، وفي هذه المعركة بضم الكفاح الشعبي أيضًا، وفي المقابل السلطة الفلسطينية كرائدة للكفاح الشعبي والكفاح السياسي على الساحة الدولية، إلا أنه بين إسرائيل والكيان الفلسطيني في الضفة الغربية تأسست علاقات تنسيق وتعاون أمني واقتصادي، حيث قسم من سكان هذا الكيان يسمح لهم أيضًا بالعمل في إسرائيل، وكذلك في المناطق الصناعية بالمستوطنات الإسرائيلية في منطقة الضفة الغربية، مستوى المعيشة في هذه المنطقة أعلى إلى حد كبير منه لدى سكان قطاع غزة، وحرية الحركة لديهم أوسع بكثير هي الأخرى.

المعركة الحالية على امتداد حدود قطاع غزة وفي الظروف القائمة – وعلى رأسها الانقسام على الساحة الفلسطينية والأزمة الانسانية والبنيوية الخطيرة في المنطقة – ستواصل كونها تحديًا استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل أيضًا، حيث تنتهي المرحلة الحالية فيها. ولكن الموقف الإسرائيلي الحالي من حماس وقطاع غزة يحدد هذا الوضع، وبناءً عليه يوازن أيضًا ظروف خلفية التصعيد الأمني.

على أساس الافتراض بأن حماس ستبقى الجهة السيادية في قطاع غزة، وعلى اقتراض ان إسرائيل لا تنوي أن تعمل على تفكيكها واستبدالها بقيادة أخرى أو السيطرة على قطاع غزة؛ يجب دراسة إمكانية التسليم بوجود كيان معادٍ آخر على حدود إسرائيل، وتصميم استراتيجية لترتيب العلاقات معه، بما في ذلك من خلال تفاهمات أمنية، بل وحتى مستوى معين من التنسيق الأمني على الحدود، بحيث نخلق فرصة لفترة استراحة مستمرة للعنف والهدوء على امتداد الحدود وفي محيطها.

إسرائيل – وبمساعدة من مصر، وبتدخل من المجتمع الدولي – يمكنها تطوير آليات ترتيب وسلوك تجاه حماس، حتى من دون الاعتراف المتبادل ومن دون علاقات مباشرة. آليات الترتيب هذه من شأنها أن توفر استجابة فاعلة وسريعة أكثر من تلك الموجودة اليوم للضائقة الانسانية في منطقة القطاع، وأن تلجم حماس عن محاولات المساس بإسرائيل، بل وتحسين حكمها المدني في قطاع غزة؛ فليس هناك تناقض ضروري بين كون قطاع غزة كيانًا معاديًا لإسرائيل وبين القدرة على تطوير وتفعيل آليات ترتيب ولجم معه.

شرط ذلك هو التخلي عن المعادلة التي تقررت بين إسرائيل وحماس منذ ان سيطرت على قطاع غزة في يونيو 2007، والتي تقول بأن السلطة الفلسطينية هي العنوان الرسمي الوحيد الذي تتحدث إليه إسرائيل، يجب التسليم بحقيقة وجود كيانيْن فلسطينييْن متباينيْن، والسعي إلى تحديد واقع ترتيبي يكون أقل من اتفاق دائم من خلال الفصل النظري والعملي بين السياسة تجاه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين السياسة المنفصلة التي يجب تطويرها وتحديثها تجاه قطاع غزة. الاستراتيجية المقترحة هي بالتالي السعي إلى ترتيب مع حماس، بالضرورة من خلال تقويته، وإمكانية ان يكون قادرًا على إضعاف موقف السلطة الفلسطينية؛ ونتيجة لتقديم الاتفاق على قاعدة مبدأ الهدنة طويلة الأمد مع حماس.

في الأشهر الأخيرة بث المتحدثون باسم حماس رسائل بشأن استعدادهم للتوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تبث فيها رسائل بهذا المعنى؛ غير ان الفكرة لم تلقَ قبولًا بفعل الشروط التي وضعتها حماس لتطبيقها وعدم استعداد إسرائيل لدراسة الاحتمالات بهذا الاتجاه، والتي مغزاها بالضرورة الاعتراف بشرعية حماس ولو بشكل غير مباشر في قطاع غزة. هذه المرة أيضًا، العملية التي يمكن ان تقود إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس سرًا أو علانية ستكون معقدة، لكن في ظل الضائقة التي تعاني منها حماس والعجز الذي يعاني منه سكان القطاع (والذي هو بحد ذاته يشكل تهديدًا على حكم حماس، وخطر تشكل واقع فوضوي نتيجة قلقلته أو سقوطه) يمكن ان ننظر في الاستعداد المبدئي للهدنة (التي هي في الواقع تحظى بمعارضة في صفوف حماس وقيادتها) قاعدة لاحتمال أكبر لتنفيذ هذه الفكرة.

من أجل دفع هذه الفكرة، على إسرائيل ان تبدد تحفظات المجتمع الدولي، وسيما تحفظات الاتحاد الأوروبي فيما يخص أهميتها، سواء بالنسبة لحماس أو بالنسبة للسلطة الفلسطينية، لكن يجب القول بأن السلطة الفلسطينية في الأساس غير موجودة، ولا تحكم في قطاع غزة، وليس من المعقول اليوم حقا ان يطرأ تغير على هذا الوضع؛ لذلك فإن أي تمسك بنص تحويل التبرعات إلى قطاع غزة فقط عن طريق السلطة الفلسطينية وعودتها إلى الحكم في قطاع غزة يساعد في الحقيقة على إدامة الواقع الإشكالي في غزة، وفي ذات الوقت، ولكثير من الأسباب بسبب ان العملية السياسية ما تزال في طريق مسدود فإن ذلك لن يقوي السلطة الفلسطينية.

في المرحلة الأولى من عملية الاتفاق، يجب تفعيل نظام يُقاد من قبل ممثلي الأطراف وحماس، والذي سيشرف على استخدام أموال التبرعات ويمنع إمكانية استغلالها بشكل سيء، يجب دراسة إمكانية إيصال قسم جزئي من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح البضائع والخدمات عن طريق ذات النظام. فيما بعد، وفيما يخضع لالتزام حماس بشروط الاتفاق، تدرس إمكانية توسيع صلاحياتها فيما يخص إدارة أموال المساعدات، كذلك ستكون إسرائيل بحاجة إلى تسخير مصر كشريك مركزي في الخطوة مع حماس، إسهام مصر يجب ان يبرز في عمل معبر رفح بشكل دائم، ونسج حماس في هذه العملية وفي لجمها. في المقابل، لابدّ من تأهيل الظروف لنقل أموال المساعدات لإعمار البنى الحيوية وإنعاش الاقتصاد، من بين الكثير من الأمور من خلال إقامة مناطق صناعية على حدود قطاع غزة يكون من الممكن فيها دفع وتفعيل مشاريع صناعية مشتركة توفر فرص عمل، إسرائيل يمكنها أن تساعد في تهيئة الظروف لتطبيع حياة المواطنين في المنطقة إذا درست تعاطيًا لينًا وأكثر تخفيفًا بشأن استيراد البضائع من قطاع غزة وتصديرها إليه، وزيادة عدد تصاريح الدخول إلى إسرائيل لصالح التجار، وكذلك للعمال ولمن يحتاجون للعلاج الطبي.

باتت إسرائيل خبيرة في تصميم آليات ترتيب مع حماس (مبادئ المعيار الأمني التي بلورت بوساطة مصر بعد عملية “عامود السحاب”)، لذلك لا يدور الحديث عن سابقة. مع ذلك، تستطيع إسرائيل هذه المرة ان تصمم مجددًا سياستها فيما يخص قطاع غزة بقصد رفع ضعف حماس في الوقت الحالي واستعدادها للهدنة التي تبدو معالمها في أوساط جهات نافذة في قيادتها، وعلى رأسهم قائد حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، رغم أنه من غير المتوقع أن تفكك حماس جناحها العسكري، حتى في إطار اتفاق الهدنة؛ لكن هناك أساس للافتراض بأنه من الممكن التوصل إلى اتفاقات بشأن وقف التقوّي العسكري ومحاولات تطوير وسائل قتالية ضد إسرائيل على المستويات تحت الأرضية والبحرية والجوية.

في المقابل، ومن أجل تقليص تأثير السياسة المستحدثة تجاه حماس على موقف السلطة الفلسطينية، سيكون على إسرائيل ان تعرض سياسة للتصرف مع السلطة الفلسطينية نفسها، على هذه الساحة يجب ان تستند السياسة الإسرائيلية إلى ثلاث مبادئ اساسية:

(1) إبقاء القدرة على الاستجابة الأمنية في الضفة الغربية .

(2) السعي إلى تحسين الواقع الاقتصادي والبنيوي في الضفة، بما في ذلك خلق تواصل في وسائل النقل والتوافق على تدشين بنى تحتية فلسطينية في مناطق “سي” القريبة من مناطق “أي” أيضًا .

(3) التعهد بعدم توسيع الاستيطان خارج التجمعات.

إسرائيل قادرة على استيعاب كيان معادٍ إلى جانبها، شريطة ان يكون ملجومًا ومردوعًا وقادرًا على الأداء؛ يمكن الوصول إلى هذا الهدف فقط بعد الاعتراف بالحاجة إلى تطوير استراتيجية بديلة أمام قطاع غزة وأمام الضفة الغربية، وإيجاد أي إمكانية لاستغلال ضعف حماس في الوقت الحالي ورفع استعداد حماس للهدنة طويلة الأمد. الاستراتيجية المقترحة ترتكز أيضًا على الفهم بأن السلطة الفلسطينية لن تعود للحكم في قطاع غزة في المستقبل المنظور، وأن المجهود يجب ان يُبذل في تأسيس حكمها وسيطرتها في الضفة الغربية وتحسين الظروف المعيشية وحرية الحركة والاقتصاد هناك، من خلال الإبقاء على ظروف حل الدولتين في المستقبل عندما تنضج الظروف للقيام بذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى