#شوؤن دولية

معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي : انشاء مجموعة أمن اوروبية علامات فارقة ومعان استراتيجية

بقلم: يوتم روزنر وشيرا بار – يوسف، معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي ٧-٢٠١٨

مقدمة:

في كانون الاول 2017 بعد ستين سنة على توقيع اتفاق روما الذي شكل حجر الزاوية للمجتمع الاوروبي، وقع وزراء دفاع 25 دولة في الاتحاد الاوروبي على اتفاق بنيوي ثابت. هدف الاتفاق هو زيادة التعاون الامني بين الدول الاعضاء وزيادة الاستثمار في قدرة الدفاع التي تتناول العمليات العسكرية المشتركة للاتحاد الاوروبي. الفرق بين اتفاق التعاون البنيوي الثابت وبين أطر سابقة للتعاون في المواضيع الامنية هو أن هذا الاتفاق الذي يتوقع أن يشكل القاعدة لـ “اتحاد اوروبي للامن” اطار يسبق الدمج بين وحدات الجيش وتطوير مشاريع مشتركة للدول الاعضاء. الاتفاق وقع بعد عقود من بناء مؤسسات اوروبية، منها جهاز قضائي وبرلمان وعملة موحدة وسياسة خارجية. وفي نفس الوقت مع معارضة شديدة للدمج العسكري الذي يعتبر بالنسبة لدول الاتحاد مسا بسيادتها.

قرار انشاء الاتفاق اتخذ على ضوء عدة تحديات امنية دفعت زعماء اوروبا الى اعادة فحص فكرة الدمج العسكري: الفوضى السياسية في حوض البحر المتوسط وتحديات الهجرة التي وجدت في ظله، عدوانية روسيا التي تم التعبير عنها بضم شبه جزيرة القرم واثارة حملات دعائية موجهة لتقسيم واستقطاب المجتمع الاوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بعد أن أظهر الشكوك فيما يتعلق بالتزام الولايات المتحدة بأمن اوروبا. واضيف الى كل ذلك قرار بريطانيا، المعارضة الاساسية للعملية، مغادرة الاتحاد الاوروبي، وبهذا تم ازالة المانع الاخير للاتحاد امام الانتظام كجسم أمني. المقال يعرض البنية الاساسية للاتفاق والاهداف الاستراتيجية كحل للتحديات الامنية التي تواجه القارة. المقال يبحث ايضا التداعيات الاستراتيجية لاقامة الاطار المشترك على علاقة الاتحاد الاوروبي مع الناتو وروسيا. في الجزء الاخير يركز المقال على جدوى احتمالية التعاون بين اسرائيل ودول الاتفاق.

تاريخ سياسة الامن الاوروبية

إن الطموح الى تطوير مجموعة امن اوروبية جرى خلال عقود كثيرة، لكنه ووجه بمعارضة سياسية نحته جانبا عن اجندة الاتحاد الاوروبي. بعد الحرب العالمية الثانية دفع التهديد السوفييتي والخوف من تسلح المانيا الى اقتراح “مجموعة الدفاع الاوروبية” التي تشمل غرب المانيا وفرنسا وايطاليا وبلجيكا ولوكسمبرغ تحت قيادة عسكرية وسياسية اوروبية مشتركة. ميثاق هذه المجموعة وقع في أيار 1952، لكن المبادرة فشلت لأن البرلمان الفرنسي رفض المصادقة على الميثاق. في السبعينيات مع تحول المجتمع الاوروبي الى قوة اقتصادية، زادت التوقعات من الاتحاد الاوروبي لتجديد الجهود من اجل بناء “ارادة مشتركة” في مواضيع الخارجية والامن. وردا على ذلك طرحت في 1970 وثيقة “التعاون السياسي الاوروبي” (أي.بي.سي) لتطوير التنسيق في السياسة الخارجية بين الدول الاعضاء في الاتحاد، الذي لم يؤد الى انجازات كبيرة. بعد ذلك في اعقاب (قانون اوروبا الموحدة) أس.اي.ايه الذي وقع كجزء من عملية الاندماج وتوسع المجتمع الاوروبي في 1986، تم انشاء سكرتاريا دائمة مهمتها طرح جدول اعمال للسياسة الخارجية الاوروبية، ولكن بدون الاشتغال بمواضيع الامن.

فظائع الحرب الاهلية في يوغسلافيا في التسعينيات قادت زعماء اوروبا الى الاعتراف بالحاجة الى تأسيس تعاون اوروبي في موضوع الامن. ميثاق مستريخت الذي وقع في 1992 اوضح أن البعد الامني هو جزء لا يتجزأ من عملية الاندماج الاوروبية، لذلك نشأ اطار لـ “سياسة خارجية وامن مشتركة” (سي.اف.اس.بي). قمة هلسنكي في 1999 صادقت على الالتزام بسياسة امن مشتركة وادت الى اتفاق “السياسة الاوروبية للشؤون الخارجية والامن” (إي.اس.دي.بي). الاندماج الامني للاتحاد الاوروبي توسع في اعقاب احداث 11 ايلول مع انشاء “وكالة الدفاع الاوروبية” (إي.دي.ايه) المسؤولة عن تطوير قدرات ادارة الازمات، وتشجيع التعاون في موضوع التسلح وتحسين البحث في موضوع التكنولوجيا الامنية.

ميثاق لشبونة الذي وقع في 2007 اقترح آليات جديدة لتطبيق سياسة امن ودفاع للاتحاد الاوروبي وعلى رأسها اتفاق “سياسة الامن والدفاع للاتحاد الاوروبي” (سي.اس.دي.بي) الذي حل محل اتفاق “السياسة الاوروبية لشؤون الخارجية والامن”. اضافة الى ذلك، ميثاق لشبونة اقترح اطار سمي “التعاون المؤسس الثابت” (بي سكو) الذي هدف الى خلق تعاون امني بين دول الاتحاد الاوروبي باشراف وتمويل الاتحاد نفسه. رغم أن البرلمان الاوروبي دفع الدول الى تفعيل بنود الميثاق، إلا أن فرنسا كانت الوحيدة التي فعلت الميثاق في اعقاب العمليات الارهابية في باريس في تشرين الثاني 2015. مع ذلك، قررت فرنسا تفعيل المادة 7/42 التي تنص على مساعدة متبادلة ثنائية فقط وليس تفعيل المادة 222 التي تنص على تضامن عملياتي وأبقت هذه الخطوة بدون معنى عملي، بل فقط سياسي. بناء على ذلك، حتى 2015 بقيت البنية الاساسية العسكرية الاوروبية مجرد فكرة فقط.

تحديات الامن التي يواجهها المجتمع الاوروبي

من وجهة نظر الاتحاد الاوروبي يمكن وصف سنة 2016 بـ “سنة الفظائع”. تحديات الامن التي ظهرت في هذه السنة كشفت العيوب في عقيدة الدفاع للدول الاوروبية والحاجة الى انشاء اطار امني فوق قومي. من ناحية اوروبية داخلية يجب على اوروبا أن تواجه تحديات كثيرة: موجة لاجئين اغرقت القارة، ومحاولات فاشلة لايجاد صيغة متفق عليها لتوزيعهم أدت الى خلافات بين اعضاء الاتحاد، هجمات ارهابية حدثت في بروكسل ونيس وبرلين وكشفت عدم الاستعداد لدى جهات الامن الداخلي لمواجهة التهديد الاسلامي الاصولي، وفوق كل شيء، فان لاعبة هامة في نظام الدفاع الاوروبي (انسحاب بريطانيا) اوجد الخوف من انسحاب دول اخرى.

اضافة الى التحديات الداخلية فان المناخ الدولي اهتز ايضا. احداث “الربيع العربي” التي بدأت في 2011 أدت الى تحول دول الشرق الاوسط الى مركز لعدم الاستقرار ومصدر لهجرة جماعية وارض خصبة لنمو تنظيمات اصولية. روسيا برئاسة بوتين اتبعت سياسة خارجية تنقيحية، تسعى الى توسيع حدود النفوذ. هذه السياسة تتمثل بغزو عسكري لجورجيا (2008)، وضم شبه جزيرة القرم (2014)، وادارة معركة عسكرية في اوكرانيا. بعد ذلك تبين تدخل سري لروسيا في الحملات الانتخابية في الدول الاوروبية، هذا التدخل هدف الى تعميق الانقسام بين الجاليات وتعزيز القوة الانتخابية لحركات متطرفة تؤيد نظام بوتين وتعادي الاتحاد الاوروبي.

ربما أن التحدي الاكثر اهمية من ناحية الاتحاد الاوروبي هو انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2016. اثناء الحملة الانتخابية هاجم ترامب عدم وفاء عدد من اعضاء الناتو بالتوجيهات المتفق عليها للحلف من اجل تخصيص 2 في المئة من الناتج الاجمالي لكل دولة للاغراض الامنية، وشكك في التزام الولايات المتحدة في تطبيق المادة 5 من ميثاق الناتو (الذي يلزم كل الدول الاعضاء في الحلف بمساعدة الدولة التي تهاجم). ايضا بعد أن تولى منصبه واصل ترامب هذا الخط. هذه الاقوال اضافة الى تصريحاته الايجابية بشأن رئيس روسيا بوتين، اثارت شكوك من عدم الاستعداد من جانب امريكا لأن تهب لمساعدة دول اوروبية في حالة عدوانية روسية.

إن الدمج بين تحديات اوروبية داخلية وتغييرات في البيئة الدولية ادت بزعماء اوروبا الى الانتقال من عقيدة الدفاع التقليدية التي تقوم على جيوش قومية وعلى الناتو الى عقيدة أن هذه التحديات تحتاج الى تعاون مؤسسي لاغراض تعزيز قدرات دفاع الاتحاد الاوروبي بالاجمال. ونتيجة لذلك، في الاعوام 2016 2017 طرحت المانيا وفرنسا اقتراح مشترك لتشجيع تعاون دفاعي اوروبي، بدعم معظم دول الاتحاد ومؤسساته. الدولة الوحيدة التي عارضت الخطة هي بريطانيا التي خشيت من أن يقوض الجيش الاوروبي حلف الناتو. قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الاوروبي اوجد فرصة تاريخية لانشاء “اتحاد اوروبي عسكري”. على ضوء ذلك في 13 تشرين الثاني 2017 وقعت 23 دولة على بيان بشأن نيتها تفعيل خطة “بي سكو”، وفي 11 كانون الاول صودق على القرار من مجلس الاتحاد الاوروبي.

البنية الاساسية لخطة الدفاع الاوروبية المشتركة

التوق لاقامة اطار عسكري اندماجي يظهر في المادة 42 (6) من ميثاق لشبونة الذي يدعو دول الاتحاد الاوروبي الى زيادة الالتزام المتبادل في موضوع الامن واستثمار جهودها في اقامة قوة عمل مؤسسة وثابتة، لاحقا “بي سكو”.

في اتحاد امني يضم “بي سكو” فقط الدول التي ستكون مستعدة للالتزام بـ “مهمات دفاع متطلبة”، وزيادة بصورة متواصلة ميزانية الدفاع. رغم أن هدف المادة كان فرز الدول وزيادة نجاعة آلية اتخاذ القرارات، تقريبا كل دول الاتحاد الاوروبي وافقت على الشروط. الدول المنضمة وقعت على 20 تعهد منها زيادة ميزانية الامن والاستثمار في البحث والتطوير واعداد قوة بشرية وتسهيل الاجراءات من اجل تمكين التحرك العسكري. ايضا مؤسسات الاتحاد تشارك في الخطة: الممثلية العليا للاتحاد لشؤون الخارجية والامن ونائب رئيس الممثلية هم المسؤولون عن الاشراف على التقدير السنوي لـ “بي سكو”، اللجنة العسكرية للاتحاد الاوروبي ستبحث في دعم الجوانب العملياتية للخطة، وصندوق الدفاع الاوروبي سيوفر تمويل سنوي بمبلغ 6.4 مليار دولار.

الخطة جرت على مستويين: الاول هو مستوى المجلس الاوروبي الذي يضم مسؤولية عن السياسات العامة وعن عملية اتخاذ القرارات وضمن ذلك الاشراف على تطبيق تعهدات الدول. الثاني هو مستوى تنفيذ المشاريع، حيث تقوم الدول المشاركة بادارة المشاريع المتعلقة بها حسب خطوط توجيه عامة. المرحلة الاولى من الخطة ستتم حتى العام 2021 وفيها يتم تحقيق الاطار المالي متعدد السنوات والدول تبدأ في تطبيق التزاماتها. في المرحلة الثانية التي ستستمر حتى 2025 سيكون على الدول أن تحقق اهدافها وبعد ذلك سيتم القيام بتقدير الاهداف وتحديد المراحل القادمة. كذلك اتخذ قرار بأنه سيكون بالامكان في المستقبل دعوة دول ثالثة للمشاريع ولكن انضمامها يكون مشروط باعطاء قيمة اضافية هامة ولن يتم اعطاءها صلاحية اتخاذ القرارات.

الدول الاعضاء ستركز في المرحلة الاولى على تنفيذ 17 مشروع منها انشاء هيئة عامة ومركز لوجستي وانشاء وحدة طبية اوروبية وقوة رد على الازمات والكوارث. ازمة الهجرة التي تحل في اوروبا ادت الى أن احد المشاريع الرائدة في الخطة هو “مشروع الدفاع البحري”. الحديث يدور عن خطوة هامة لتعزيز السيطرة على الحدود الخارجية المشتركة. من اجل الرد على تهديد الارهاب  سيتم انشاء طواقم لاعطاء رد طبي في حالات الطواريء وقوة عسكرية للانتشار السريع في حالات الطواريء. عدد من المشاريع ستخصص ايضا للسايبر في رد على عمليات التأثير الروسي. في هذا الاطار ستدير اليونان وليطا طواقم رد وتحليل لعمليات الهجوم وسيتم تطوير وسائل دفاعية في الانترنت لتعزيز الوقوف في وجه الهجمات وتقليص تواترها. الطواقم ستتعاون وستتبادل قدراتها واستخباراتها مع مؤسسات الاتحاد والدول المشاركة.

تداعيات استراتيجية للتعاون العسكري

من النظرة الاولى تبدو خطة الـ “بي سكو” تغيير هام ازاء التطورات الاستراتيجية التي تواجهها الدول الاوروبية في السنوات الاخيرة. الاتحاد الاوروبي يمكنه استغلال الاطار بهدف تحسين التعاون بين اعضائه وزيادة قدراته التكنولوجية وتعزيز حدوده البحرية بشكل يمنع الهجرة غير المراقبة. في نفس الوقت، انشاء اطار دفاعي اوروبي عام يحمل في طياته صعوبات غير قليلة منها خلافات بين الدول الاعضاء، صعوبات في التنسيق مقابل الناتو والتوتر مع روسيا.

أولا، هناك امكانية لئلا تؤدي الخطة الى زيادة التعاون بين اعضاء الاتحاد، بل هي ستشعل الخلافات بين الاعضاء، مثلا بين المانيا وفرنسا، مهندستا الـ “بي سكو”، اللتان لهما اهداف مختلفة. المانيا ترى في بي سكو أداة للاندماج الاوروبي. وبناء على ذلك فهي معنية بالعدد الاكبر من الدول الاعضاء. فرنسا في المقابل معنية بمعايير انضمام عالية (2 في المئة من الناتج الاجمالي يجب استثماره في الامن و20 في المئة من النفقات الامنية توجه للشراء والتطوير التكنولوجي)، بصورة تزيد نجاعة ادارة الاطار. صحيح حتى الوقت الحالي أنه ليس مطلوب من أي منهما التنازل، حيث أنه تقريبا كل دول الاتحاد انضمت من خلال الموافقة على الشرط الاساسي الذي وضعته فرنسا. ولكن اذا كان عدد من الدول لا يستطيع الايفاء بالمستوى المطلوب، فيتوقع حدوث توتر بين الاعضاء. ثانيا، رغم استعداد الدول التي وقعت على بي سكو لأخذ دور في تشغيل مشاريع امنية طموحة، إلا أنه يمكنها اعاقة تطور الخطة في اعقاب بيروقراطية ومعارضة سياسية من الداخل وصعوبات في الميزانيات.

أمر لا يقل اهمية هو العلاقة مع الناتو. حتى لو تحقق المشروع العسكري الاوروبي فان الاعتماد على القوة العسكرية للولايات المتحدة يقتضي الحفاظ على التعاون مع الناتو. سكرتير عام الناتو اعطى موافقته على المبادرة الاوروبية وأكد على الحاجة الى التنسيق بين بي سكو والناتو. ومع ذلك حذر من الازدواجية والتداخل. حيث أن 22 دولة من الـ 25 دولة في الخطة اعضاء ايضا في حلف شمال الاطلسي. رغم مصادقة الناتو على الخطة إلا أن احتمال أن تقيم اوروبا لنفسها قوة عسكرية موازية يثير التساؤل حول كيفية ادارة التعاون بينهما، هل ستكون ازدواجية في المشاريع المستقبلية، وفي الاساس هل خطوة كهذه قابلة للحياة من ناحية اقتصادية. معظم الدول كما يبدو لا تستطيع تغطية الاستثمارات في جسم امني جديد. وهناك شك في أن الاستثمار الامني الموجه لمشاريع الـ بي سكو سيأتي على حساب الاستثمار في الناتو.

في كل ما يتعلق بتهديد الوعي الذي تطرحه روسيا، فان التوتر بين الاتحاد الاوروبي وروسيا يتوقع أن يزداد. في تشرين الاول 2017 اعلنت المفوضية الاوروبية أن دول الاتحاد بلورت وثيقة بحسبها تعتبر هجمات السايبر من قبل جهات معادية ذريعة لاندلاع الحرب. وفي ظروف مشددة يمكن تبرير استخدام السلاح التقليدي. على خلفية حقيقة أن معظم نشاطات روسيا الهجومية تتم من خلال السايبر، ربما أن تغيير العقيدة سيؤدي الى تقليص نشاطات روسيا. اضافة الى ذلك، جزء هام من المشاريع التي ستنفذ في اطار الـ بي سكو تتركز على دفاع السايبر. مع ذلك، فان قدرة الاتحاد العسكري الاوروبي على ردع روسيا عن مواصلة نشاطاتها العدائية مشكوك فيها في اعقاب حقيقة أن روسيا هي دولة نووية وفرنسا التي هي الدولة الوحيدة من بين الدول الاعضاء التي لديها قوة نووية لم تظهر بعد استعدادها لأن تضع تحت تصرف الـ بي سكو قدرتها النووية.

في نهاية المطاف يطرح سؤال كيف ستتعامل خطة الـ بي سكو مع دول ثالثة تكون معنية بالانضمام. إن تعقد وشمول التحديات الامنية لاوروبا من شأنها أن تحتاج الى دمج دول اخرى، لا سيما الدول التي لها قدرة عسكرية بارزة. رغم خروج بريطانيا من الاتحاد إلا أنها معنية بالبقاء كلاعب هام في الساحة الاوروبية ويمكنها الانضمام لـ بي سكو اذا زاد التوتر مع روسيا.

العلاقة بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي في عهد الـ بي سكو

الى حين اتضاح الشروط التي يمكن من خلالها لدول اخرى الانضمام الى مشاريع الـ بي سكو، سيكون على اسرائيل فحص هل ستضع نفسها كدولة ذات امكانية كامنة كهذه، أو أن تطور علاقات مشتركة مع الخطة. يوجد لاسرائيل علاقة في مجالات كثيرة تركز عليها خطة الـ بي سكو. مثلا، احدى خطط الـ بي سكو هي انشاء وحدة طبية تدعم النشاط العسكري وتكون مستعدة في حالات الازمات. تجربة اسرائيل في تقديم مساعدة طارئة في حالات الكوارث من شأنها أن تسهم جدا في هذه الوحدة. ايضا مشروع انتاج قوة رد للازمات في مجال السايبر يمكنه الحصول على دعم بارز من تبادل المعرفة التي راكمتها اسرائيل في مجال تأمين السايبر، ومن التعاون مع جهاز السايبر الاسرائيلي. هذه المجالات تقف على رأس سلم اولويات الـ بي سكو، وبناء على ذلك من شأن اسرائيل أن تظهر كمرشحة. الاندماج في الخطة من شأنه اعطاء اسرائيل فرصة لتعزيز مكانتها في اوروبا بصورة يمكن أن تجد تعبيرها سواء في العلاقات الامنية أو الامور السياسية.

ولكن يجب على اسرائيل أن تفحص بعناية المعاني السياسية والاستراتيجية للتعاون أو العضوية في الـ بي سكو. من ناحية استراتيجية، التركيز في الخطة على مواضيع المواجهة مع الهجرة وتهديد الارهاب في اوروبا والعدائية الروسية ليست متطابقة مع التحديات الامنية الاسرائيلية. وبناء على ذلك لا نرى أنها ستحصل على فائدة امنية كبيرة من الانضمام. اضافة الى ذلك، رغم أن الـ بي سكو تحظى حتى الآن بدعم الناتو، إلا أنه لا يجب استبعاد توترات مستقبلية يمكن أن تؤدي الى توتر شبكة العلاقات مع الناتو. في هذا الوضع فان تماهي واضح لاسرائيل مع الـ بي سكو يمكن أن يجر التوترات مع الولايات المتحدة. اضافة الى ذلك، تماهي اسرائيل مع الـ بي سكو يمكن أن يثقل على علاقتها مع روسيا، لهذا يمكن أن تكون تداعيات دبلوماسية هامة خاصة على ضوء مشاركة روسيا في النزاع المتواصل في سوريا.

في نفس الوقت، حسب معطيات من السنوات الاخيرة، تحولت اوروبا الى هدف هام للتصدير الامني الاسرائيلي. معظم التصدير الاسرائيلي اعطى الرد على الاحتياجات الامنية مثل الهجرة ومحاربة الارهاب ودفاع السايبر التي تقف على رأس سلم الاولويات لـ بي سكو. اسرائيل ستخرج رابحة اذا عرفت كيف تعمق علاقاتها التجاربة هذه بدون أن تعزز تماهيها مع الخطة بصورة تمس بالعلاقات مع حلفائها ومع دول اخرى.

الخلاصة

صحيح حتى الآن أن احتمال تشكيل “جيش اوروبا الموحدة” غامض ونجاعته ما زالت مشكوك فيها، لا سيما لأن التحدي الاساسي للاتحاد الاوروبي هو التوتر المتزايد مع روسيا التي لا توقف حتى هذه الاثناء تأثيرها على الانتخابات في الغرب. صعوبات اخرى متوقعة في عمليات الاندماج بين وحدات احتياطية مختلفة، في الوفاء بالتعهدات المالية والحفاظ على العلاقات.

الى جانب هذا من شأن خطة الـ بي سكو أن تكون وسيلة ليس فقط لزيادة التعاون العسكري، بل أن تشكل قاعدة لجيش جديد من قبل الاتحاد الاوروبي. اضافة الى الاهمية الدفاعية لبناء قوة عسكرية اوروبية عامة جديدة لامن دول الاتحاد، فان المغزى السياسي لهذه الخطوة هو زيادة حصانة المجتمع الاوروبي ازاء القوى العاملة على تفكيكه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى