معاريف: نتنياهو يتظاهر بالتصلب لكن يريد الصفقة
معاريف 26/8/2024، آنا برسكي: نتنياهو يتظاهر بالتصلب لكن يريد الصفقة
بعد عدة جولات من المفاوضات لم تعطي ثمارها ولم تؤدي الى صفقة، بعد أن ردت حماس ردا باتا منحى الجسر من الأمريكيين واساسا – في ضوء إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على البقاء في محور فيلادلفيا، حتى بينما كل قادة جهاز الامن، السابقين والحاليين، يصرخون بصوت عال بان مسألة فيلادلفيا قابلة للحل وانه لا يوجد ما ينبغي الإصرار عليه – يبدو واضحا تماما ان بنيامين نتنياهو لا يريد صفقة مخطوفين.
هذا على الأقل هو الرأي السائد. في وسائل الاعلام، في جهاز الامن (على الأقل اذا ما حاكمنا الأمور وفقا للمقابلات الصحفية والتسريبات) وفي أجزاء واسعة في الجمهور. ان التفكير اليوم بان نتنياهو معني بالوصول الى صفقة لتحرير المخطوفين ووقف القتال في غزة – هو وصمة على السمعة المهنية، على الأقل.
المحللون اقتنعوا وهم يقنعون الجمهور بان رئيس الوزراء يعرقل كل صفقة تصل الى يديه وذلك لانه غير معني بها. وكل ما يعنيه هو مواصلة الحرب الى ما لا نهاية. للدقة، حتى الانتخابات، ومن هناك يوجد سيناريوهان: إما ان يفوز نتنياهو مرة أخرى، او يخسر، وعندها افعلوا ما تريدون بالدولة وبالمخطوفين. سأخاطر واعرض ادعاء غير شعبي، على شفا الكفر. وهذا على امل أن يعزز الواقع موقف فقط – وليس العكس- في سياق الطريق.
ادعائي هو انه رغم كل ما يقال، يوجد أساس للافتراض بان نتنياهو بالفعل يريد صفقة مخطوفين. واصراره بالذات وعلى بند محور فيلادلفيا بالذات، البند الذي برأي جهاز الامن ليس حرجا وليس جوهريا لدرجة أن تقوم أو تسقط عليه الصفقة – بالذات من هذا السلوك يمكن ان نعرف بانه يحاول جلب صفقة.
لقد اقتبس نتنياهو اكثر من مرة وهو يتهجم على أعضاء طاقم المفاوضات: “انتم لا تعرفون كيف تجروا مفاوضات صعبة مثلي”.
اصر نتنياهو بداية على أن يدرج في المنحى البنود المتعلقة بمحور فيلادلفيا، محور نتساريم ومعبر رفح، وبعد ذلك – عدم التنازل عنها، حتى عندما تقول حماس بوضوح بان بسببها فقط لم تحصل الصفقة بعد. هذا بالضبط، على الأقل من ناحية نتنياهو يسمى”معرفة إدارة مفاوضات صعبة”.
النظرية بتوسع تقول ان من يميل لان يتنازل مسبقا في اطار المساومة – لن يصل ابدا الى توافق مع الطرف الاخر. وذلك لانه في المفاوضات حين لا يكون امامك أولياء عظام، بل مخربون وحشيون – فان تنازلك لا يقلص الفجوات، بل يطور شهية لدى الطرف الاخر للمطالبة بمزيد فمزيد من التنازلات.
حسب هذا المنطق، فان إصرار نتنياهو على تواجد الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا ليس قنبلة يلقيها هو كي يفجر الاتصالات، بل ورقة مساومة تعطيها إسرائيل للوسطاء.
توجد مناورة مفاوضات معروفة، يمكن الافتراض بان نتنياهو هو الاخر يستخدمها. الإصرار على شيء معين، بهدف التنازل عنه في النهاية مقابل أمور أخرى – الأمور التي يريد في واقع الامر تحقيقها.
في معظم التصريحات الأخيرة لنتنياهو في موضوع الصفقة والمفاوضات، يشدد على ان إسرائيل معنية بان ترفع الى الحد الأقصى عدد المخطوفين الاحياء الذين سيعودون الى الديار منذ المرحلة الأولى. وذلك، الى جانب مطلب إسرائيل آخر، الحصول على حق فيتو على الأقل على قسم من المخربين الثقيلين الذين تطالب حماس تحريرهم مقابل المخطوفين الإسرائيليين. اذا ما في نهاية الامر بدا (يا ليت) ان هذين المطلبين الإسرائيليين يتحققان – فسيتبين في نظرة الى الوراء بان إصرار نتنياهو على إبقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا كان مجديا.
نتنياهو معني برأيي بالصفقة. ليس فقط للاعتبار الواضح في أن هناك حاجة حيوية في إعادة مواطني الدولة الذين تركوا لمصيرهم واختطفهم العدو.
لنتنياهو يوجد سبب هام آخر لان يرغب في صفقة المخطوفين. وهو ينبع من حقيقة أن الصفقة ووقف القتال في قطاع غزة تلقيا منذ زمن بعيد معنى إضافيا. فبالنسبة لإسرائيل اصبحا مهمة استراتيجية إقليمية واسعة، مرحلة ضرورية في الطريق الى هدف كبير.
ان الهدف الاستراتيجي لنتنياهو هو الوصول الى مواجهة إقليمية لاجل إزالة التهديد الإيراني. غير أن هذا الهدف ليس قابلا للتنفيذ في وضع اليوم، حين لا يكون الامريكيون معنا وطالما تواصلت الحرب في غزة، والدول العربية السنة تجلس على الجدار وتنتظر لترى الى أي حد يمكن التعويل على كلمة ودعم واشنطن.
بكلمات أخرى: نتنياهو معني لان يصعد مرة أخرى الى مسار تسوية إقليمية. المسار الذي اضطرت إسرائيل لان تخرج عنه – او للدقة ان تضعه جانبا – في اعقاب هجمة حماس في 7 أكتوبر. اليوم طريق العودة الى التسوية الإقليمية تمر عبر محطة الصفقة ووقف القتال في غزة.
الخطوة الضرورية هذه معني نتنياهو بتنفيذها. اذا لم يكن لاجل الصفقة ذاتها، فبالتأكيد – من اجل الهدف الاستراتيجي الأكبر الذي يمكن عليه العودة والبحث مع الأمريكيين منذ تشرين الثاني، بعد الانتخابات للرئاسة.