معاريف – مقال – 9/11/2012 الموعد الثاني
بقلم: أرئيل كهانا
رغم البعد المعنوي لقبول فلسطين كدولة غير عضو الا أن اسرائيل ستسعى الى تفريغ هذا الانجاز من محتواه من خلال تجنيد ما تسميه بالدول ذات العقلية المشابهة – في غربي اوروبا لتنزع الشرعية الاخلاقية من الفلسطينيين جراء هذا القرار.
نسيم عليل هب من البحر. في غرفة الطعام كان السفير الخاص لحقوق الانسان فرانسوا زيمريه يتناول الطعام مع مجموعة من النشطاء. وعلى الشرفة كانت تنتظر البروفيسورة دينا فورات. للحس الجمالي الفرنسي سمعة شائعة، والفيلا الجميلة للسفير الفرنسي في اسرائيل لا تخجل هذه السمعة. قاعة واسعة، سقف عال وشرفة هائلة تطل على البحر المتوسط. جزيرة من الذوق الرفيع في قلب يافا المهملة.
رب البيت، السفير الفرنسي في اسرائيل كريستوف بيجو، كان عاد قبل بضع ساعات من ذلك من بلاده بعد أن أجمل الزيارة الناجحة لرئيس الوزراء نتنياهو الاسبوع الماض. وقال بيجو: “هذه الزيارة مثيرة جدا للانطباع. كانت هذه فرصة لتثبيت علاقة شخصية، صداقة وثقة متبادلة بين فرانسوا اولند ونتنياهو. كانت لهما ساعات طويلة معا، سواء في باريس ام في تولوز”. فهل توجد حاليا ثقة بين اولند ونتنياهو؟ سألت. “نعم. يوجد قدر جيد من الصداقة والثقة بين الزعيمين”. على خلفية تعبير “كذاب” الذي الصقه بنتنياهو الرئيس السابق ساركوزي، فان هذا الجواب من بيجو هام. صفحة جديدة فتحت في علاقات اسرائيل – فرنسا.
لاكثر من ثلاثة سنوات يخدم بيجو هنا كسفير يرافقنا عن كثب في لحظات القمة والدرك، يشارك شخصيا في المآسي والاحتفالات. في البداية كان بيجو مشاركا في محاولات انتزاع معلومات عن جلعاد شاليط، وزار مرات عديدة نوعام وافيفا شاليط في فترة الاسر وتوسط بينهما وبين قصر الاليزيه. وبعد ذلك كان هناك في لحظات نشوة التحرر وكان بين القلائل ممن التقوا شاليط يوم عودته الى الديار. وقبل نحو نصف سنة، مع فرنسا بأسرها، اصابته الصدمة في أعقاب القتل في تولوز.
صباح الخير اسرائيل
لا يمكن لنا أن نشكك في احساس التضامن لدى بيجو، ولكن مع الشفقة لا يذهب المرء الى البقالة ولا ينتصر في الصراعات السياسية. مثل هذا الصراع يوشك ان يقع على الساحة السياسية في اسرائيل في الاسابيع القريبة القادمة. فبيجو يرفض القول كيف ستصوت فرنسا اذا ما وعندما تأتي اللحظة. وهو يقول: “في الدبلوماسية يجب رؤية النص والسياق. حتى الان لم نرَ النص. اما بالنسبة للسياق فيتعين علينا أن نبحث في ذلك مع الادارة الامريكية ومع زملائنا في الاتحاد الاوروبي. بشكل عام كقاعدة نحن نعتقد أن الاسرائيليين والفلسطينيين يجب ان يعودوا الى المفاوضات. هذا هو السبيل”.
النص مدار الحديث هو الطلب الفلسطيني من الجمعية العمومية لرفع مكانة السلطة من بعثة مراقب الى “دولة غير عضو”. بعد سنة من انسداد طريق السلطة الفلسطينية نحو مجلس الامن في محاولة للقبول كدولة في الامم المتحدة، فانها تتوجه الان الى مسار بديل في الجمعية العمومية. والبشرى الطيبة هي أن هذا المسار لن يجعلها دولة بعضوية عادية، بل سيضعها في صف واحد مع الفاتيكان، الذي هو مكانة شبه دولة. من جهة اخرى ليس لاسرائيل سبيل لمنع الفلسطينيين اذا ما توجهوا الى الجمعية العمومية. ومن أجل أن يصبحوا “دولة غير عضو” يكفي تجنيد الاغلبية التلقائية المضمونة لهم في الجمعية العمومية للامم المتحدة. محمود عباس يعطس، ومعظم العالم سيرد بالهتاف.
في اسرائيل يتابعون عن كثب المبادرة الفلسطينية. حتى قبل بضعة ايام اختار القادة السياسيون والموظفون البقاء في الظل، مثابة التفكير بانه “لن نري الفلسطينيين بان الامر يثير أعصابنا، فلعلهم ينزلون عن الشجرة”. هذا الاسبوع عندما أظهرت كل المؤشرات بان الفلسطينيين مصممون على التوجه الى الجمعية العمومية بدأت الساحة السياسية تستيقظ. فقد جمع نتنياهو وزراءه التسعة للبحث. وزير المالية شتاينتس عاد واقترح وقف دفع اموال الضرائب الى ادارة عباس – فياض. وزير الخارجية ليبرمان امتشق تهديد انهيار السلطة الفلسطينية وأمر باجتماع طارىء لـ 27 سفيرا اسرائيليا في الاتحاد الاوروبي اليوم (الجمعة) في فيينا. ليبرمان وكبار رجالات وزارته سيوجهون المبعوثين الاسرائيليين عما يقولوه لنظرائهم في العواصم الغربية لتقريبهم قدر الامكان من الموقف الاسرائيلي.
ولما كانت الاغلبية في الجمعية العمومية للامم المتحدة مضمونة للفلسطينيين في كل الاحوال، فالسؤال ليس كميا بل نوعيا. مهم للفلسطينيين أن يحصلوا على شرعية سياسية واخلاقية من اوروبا ومن الغرب. اسرائيل تريد ممن تسميهم “الاغلبية الاخلاقية” على الاقل الا يرفعوا ايديهم في صالح الفلسطينيين. وبالتالي فان المعركة هي على ما يسمى البلدان ذات العقلية المشابهة Like Minded Countries – المانيا، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا وغيرها من الدول.
كينغ دافيد
صحيح حتى الان تبقي الدول الاوروبية الاوراق قريبة من الصدر، ولكن مع ميل لصالح اسرائيل. المانيا، مثل الفرنسيين، ترفض القول كيف ستتصرف وتتمسك بدعوة الطرفين للعودة الى المفاوضات. وادعى موظف الماني على مسمعي بأن “زاوية نظرنا هي أن حل الدولتين لن يتحقق الا عبر المفاوضات. الطرفان مدعوان لاتخاذ الخطوات اللازمة لاستئناف المحادثات. اما بالنسبة للتصويت في الامم المتحدة، فموقفنا لن يتقرر الا عندما يصبح الامر ملموسا”. ومع ذلك، وفي تلميح شديد الوضوح للفلسطينيين، يضيف الموظف الالماني ان “موقفنا سيتأثر ضمن امور اخرى في مسائل: ماذا ستكون نتائج مثل هذه الخطوة، هل بعدها سيصعب العودة الى طاولة المفاوضات، وهل رؤيا الدولتين ستقف امام خطر، وهل الامر سيزيد الخطر في تدهور الوضع”.
خلفية هذه الملاحظة الالمانية هي قول وزير الخارجية ليبرمان لكاترين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي انه اذا ذهب الفلسطينيون الى الامم المتحدة، فان اسرائيل هي التي ستقطع المسيرة السياسية بل وستعمل ضد السلطة نفسها. ومع أن موقفه لا يلزم الحكومة، الا ان الاوروبيين باتوا يعرفون بانه يجدر التعاطي مع ليبرمان بجدية.
نغمات ألطف على الاذن الاسرائيلية تعزفها لندن. خلف الكواليس يضغط الممثلون البريطانيون بشدة على رئيس السلطة الفلسطينية للتراجع عن الخطوة. على المنصة يطلق رئيس الوزراء البريطاني، دافيد كمرون، تصريحات مؤيدة لاسرائيل بثبات. في خطاب هام امام ممثلي الجاليات اليهودية أعرب كمرون عن مواقف تقترب من مواقف وزير الخارجية ليبرمان في كل ما يتعلق بالمكانة المهتزة لمحمود عباس، وإن كان بصيغ أكثر رقة.
“لا يمكننا في نفس الوقت أن نروج للديمقراطية وأن نوفر المعاذير للاستقرار كتفسير على ان الفلسطينيين لا يستأنفون ديمقراطيتهم. مرت سبع سنوات منذ أن اختار الفلسطينيون لانفسم رئيسا وست سنوات منذ اجريت انتخابات للبرلمان. القيادة الفلسطينية ملزمة بانعاش تفويضها والاظهار بانها تتلقى تخويل الشعب. كما أن على القيادة الفلسطينية أن تحل الوضع حيال غزة كي تتبلور قيادة موحدة بوسعها أن تقر اتفاق سلام يحل النزاع مع اسرائيل. هكذا بحيث أن المصالحة الفلسطينية والانتخابات الفلسطينية هما نقطتان اساسيتان في الطريق الى السلام. دون اجماع (من الشعب) لن تكون ابدا مفاوضات ذات مصداقية”.
وبالنسبة للخطوة في الامم المتحدة أعلن كمرون بلغة حادة جدا: “اسمحوا لي أن أقول شيئا للرئيس عباس بشكل واضح جدا: لا يوجد سبيل للحصول على دولة دون الحديث مع اسرائيل. اذا كانت القيادة الفلسطينية تخطط للتقدم عبر الامم المتحدة بدلا من التفاوض مع اسرائيل، فان بريطانيا لن تؤيد ذلك ابدا. بل واسمحو لي ايضا ان اقول: بريطانيا لن تؤيد ابدا أحدا ما يسمى استاد كرة قدم على اسم مخربين انتحاريين قتلوا عشرين اسرائيليا كانوا يجلسون في مطعم. لن نحتمل التحريض للارهاب”. وفي ختام حديثه اضاف كمرون طلبا من اسرائيل لوقف البناء في المستوطنات.
فوضى الكترومغناطيسية
روح هذه الاقوال تؤدي الى التقدير بان على الاقل جزء من الدول الهدف الغربية لن تؤيد الفلسطينيين، لرضى اسرائيل. وبشكل عام، من المهم القول ان قرارات الجمعية العمومية هي تصريحية، وفي الاسرة الدبلوماسية لا يولون لها جدية. هكذا مثلا، حتى لو نجحت الخطوة الفلسطينية، سيواصل الوفد الفلسطيني الى الامم المتحدة الجلوس في قاعة الجمعية على ذات طاولة المراقبين التي يجلسون عليها اليوم، ولن يتلقى مكانا بين الدول. ومع ذلك، مع أن القرار اذا ما اتخذ هو بقدر كبير علاقات عامة مما هو فعل سياسي، فان اسرائيل كفيلة بان تلحق بها بعض المشاكل.
في الاسابيع الاخيرة جرت غير قليل من المداولات في وزارة الخارجية وفي قيادة الامن القومي للعثور على مواضع اخفاق محتملة. وأظهرت الفحوصات ذات الاستنتاج لمداولات السنة الماضية وبموجبها التحدي المركزي سيكون محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. الفلسطينيون، الذين يعزون لاسرائيل ارتكاب جرائم حرب، كانوا ممنوعين حتى الان من رفع دعاو الى المحكمة، لانهم لا يعتبرون دولة. اذا ما قُبل طلبهم الحالي في الجمعية العمومية، فستفتح امامهم امكانية مهاجمة اسرائيل. ومع ان القدس، مثل واشنطن، ليست عضوا في المحكمة، فان لقضاتها تفويضا لتقديم مواطنين الى المحاكمة من كل العالم ليس أمامهم. مجرد بدء معركة قضائية من هذا القبيل، ناهيك عن نتائجها المحتملة من شأنه ان يضع غير قليل من الاسرائيليين امام مشكلة.
نتيجة اخرى كفيلة بان تكون تشجيع الفلسطينيين للانضمام الى منظمات دولية مثل اليونسكو او الـ ICC. مثلا، السلطة الفلسطينية قد تخرق اتفاق توزيع موجات البث بينها وبين اسرائيل وتتوجه مباشرة الى منظمة الاتصالات الدولية. في مثل هذ الحالة قد تنشأ فوضى الكترومغناطيسية تشوش مبنى تخصيص موجات البث القائم اليوم في أرجاء البلاد.
لمنع سيناريوهات متطرفة من هذا النوع، ومن أجل الا يفعل الفلسطينيون كل ما يروق لهم، ستفكر اسرائيل باستخدام روافع حيال زعماء السلطة الفلسطينية. الامريكيون هم العنوان. حسب قانون اتخذه الكونغرس في حينه، فان كل وكالة دولية تقبل في صفوفها السلطة الفلسطينية ستفقد بشكل تلقائي ميزانيات الدعم التي تنقلها اليها الولايات المتحدة. هذا الدعم هو بشكل عام أساس ميزانية المنظمة. باختصار، نعم للفلسطينيين معناها انهيار المنظمة نفسها. هذا هو التفسير الاساس في أنه حتى اليوم لم يتوجه الفلسطينيون الى المنظمات رغم أن في وسعهم أن يفعلوا ذلك.
عندها أمريكا ستفعل ما ينبغي لها أن تفعله، ولكن السؤال المطروح هو ماذا ستفعل اسرائيل. بالضبط من أجل الجواب على ذلك جمع هذا الاسبوع نتنياهو محفل التسعة. يوجد لاسرائيل امكانية اتخاذ طيف واسع من العقوبات على السلطة الفلسطينية، ابتداء من سحب بطاقات الـ في.اي.بي من مسؤوليها وانتهاء بوقف دفعات الضرائب مما سيؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية. السنوات الاخيرة تفيد بان نتنياهو امتنع عن المواجهة مع السلطة، فما بالك الان عندما يكون هو نفسه عشية الانتخابات وبراك اوباما عاد ليضع قدميه على المكتب الفاخر في الغرفة البيضوية.