معاريف – مقال – 8/3/2012 الوعود مقابل الافعال
بقلم: عاموس عيران
مستشار سياسي ومدير عام ديوان رئيس الوزراء في ولاية اسحق رابين الاولى
وعد الجمهوريين بنقل السفارة الامريكية الى القدس سخيف. الرئيس فورد ايضا، الذي أقسم بالحجيج الى العاصمة، رأى من هناك امورا لا ترى من هنا.
المتنافسون الجمهوريون على رئاسة الولايات المتحدة يتنافسون فيما بينهم بتصريحاتهم المؤيدة لاسرائيل في ظل الغمز البارز للصوت اليهودي وبالاساس للمال السياسي اليهودي. هذا باستثناء رون بول، الذي يعبر عن مواقف انعزالية ويقف ضد كل مساعدة خارجية بما في ذلك لاسرائيل. وهو بالتأكيد لن يفوز بترشيح حزبه، ولكنه لا يزال يحظى بدعم لا بأس به.
وعد نيوت غرينغرتش، المتنافس على الرئاسة في الولايات المتحدة، بنقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس ذكرني بوعد مشابه لسياسي جمهوري آخر، جيرالد فورد. غينغرتس شغل منصب رئيس مجلس النواب في الماضي، بينما كان فورد زعيم الكتلة الجمهورية في مجلس النواب قبل ذلك. وكما هو معروف، تولى فورد الرئاسة الامريكية بعد استقالة نيكسون في منتصف السبعينيات. احد مجالات مسؤوليتي الاساس في السفارة الاسرائيلية في واشنطن في أعوام 1965 – 1972 كان العلاقة مع الكونغرس. وكان الهدف تجنيد التأييد السياسي لمواقف اسرائيل، ضمان المساعدة العسكرية والاقتصادية وتعزيز التحالف بين اسرائيل والولايات المتحدة. وفي هذا الاطار درجت على أن التقي بشكل دائم مع شخصيات بارزة في الكونغرس ومساعديهم، بمن في ذلك جيرالد فورد.
فورد مثل في مجلس النواب منطقة غراند ربيد في ميشيغين وعني معظم ايامه في الكونغرس في المواضيع الداخلية، ولكن بحكم منصبه كرئيس للكتلة اطلع على مواضيع دولية ودرج على أن يطلع بشكل متواصل على المواضيع الاسرائيلية والنزاع في الشرق الاوسط. في احد الايام استدعاني على عجل الى مكتبه وأبلغني بانه يوشك على أن يلقي خطابا هاما في مؤتمر في فيلادلفيا سيشارك فيه مئات الحاخامين. وطلب مني أن أعد له مسودة في السياق الاسرائيلي والنزاع الشرق اوسطي. واضح أنه كانت له طموحات سياسية تتجاوز منصبه في الكونغرس.
وطلب الا أكرر أمورا عادية مثل الحاجة الى المفاوضات المباشرة، التي كانت في حينه، مثلما هي اليوم، موضوعا مركزيا. فقد كان هذا امرا مسلما به، قال، ولكنه طلب شيئا جديدا يصل الى الصحافة المركزية في الولايات المتحدة وليس فقط الى صحف فيلادلفيا. أعددت مسودة كانت مكرسة بكاملها تقريبا لمركزية القدس في سياق الاجيال لشعب اسرائيل ودولة اسرائيل، وفي النهاية دعوة الى نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس. عرضت عليه المسودة، وفي الغداة على رجال فريقه ايضا. فورد بحث وفحص كل جوانب المسودة وسألني عشرات الاسئلة. وفي النهاية صادق على الخطاب والقى الكلمة في خطاب في فيلادلفيا وقد نشرت في وسائل الاعلام، وان لم يكن في الصفحات الاولى، وكذا في بضع محطات تلفزيونية.
اما في اسرائيل بالمقابل فقد حظيت اقواله بعناوين رئيسة في كل الصحف. وأفادت التحليلات الحماسية بوجود صديق كبير لاسرائيل في الولايات المتحدة. بعد بضع سنوات عين فورد نائبا للرئيس الامريكي، ومع استقالة الرئيس نيكسون على خلفية قضية ووترغيت عين فورد رئيسا. بعد تعيينه دعا اليه رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين الى زيارة في واشنطن. وبناء على طلب رئيس الوزراء رابين، التقيت بمساعدي الرئيس الكبار في البيت الابيض في واشنطن لاعداد جدول أعمال اللقاء. وضمن امور اخرى بفضل معرفتي المسبقة لموقف فورد في الموضوع اقترحت ان تدرج في جدول الاعمال مسألة نقل السفارة. فرد مساعدو الرئيس بغضب اقتراحي وادعوا بان هذا موضوع حساس ويفضل عدم الانشغال به على الاطلاق. في اثناء اللقاء انضم الينا، على نحو مفاجيء الرئيس فورد نفسه وأعلن بانه يتوقع محادثات مثمرة مع رابين. ورغم موقف مساعديه طرحت على الرئيس موضوع نقل السفارة الى القدس وفقا لموقفه السابق. فقال الرئيس انه لا يتذكر انه تناول في أي وقت مضى موضوع القدس وموضوع نقل السفارة بشكل خاص.
قلت انه مع كل الاحترام الواجب، فقد قال ذلك هو ولاقى قوله صدى في وسائل الاعلام. وعندما لاحظ خيبة أملي قال ربما، بتفكير ثان، قال شيئا في الموضوع في الماضي ولكن الان لم يعد الموضوع ذا صلة. واشار الى أن الوضع مشحون وحساس وطلب الا يطرح الموضوع على الاطلاق.
بعد سنوات من ذلك، في اثناء ادارة الرئيس كلينتون، اتخذ الكونغرس بمجلسيه قرارا صريحا يدعو الادارة الى نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس، ولكن كلينتون وكل الرؤساء الذين جاءوا بعده وقعوا بين الحين والاخر على مرسوم لتعليق القانون لاعتبارات الامن القومي. الوعود في جهة والافعال في جهة اخرى.