معاريف – مقال – 14/11/2012 عودة العراق
بقلم: يوئيل جوجنسكي
ضعف المراكز العربية التقليدية في أعقاب “الربيع العربي”، التحسن النسبي في الوضع الامني الداخلي والزيادة الكبيرة في انتاج النفط في العراق، كل هذا يساهم في قدرة القيادة في بغداد على العودة الى دور أكثر اهمية في ادارة جدول الاعمال الاقليمي.
منذ انسحاب القوات الامريكية من العراق عززت بغداد علاقاتها مع العالم العربي وحاولت ان تزيل الصورة التي التصقت بها وتفيد بانها تعمل بتعليمات من ايران. وضمن امور اخرى بدأت في سلسلة خطوات ترمي الى محاولة لاعادة التوازن في علاقات العراق الخارجية واحياء أحلاف قديمة وتحريك مشاريع اقتصادية. وبالتوازي فان جيران العراق العرب، الذين امتنعوا في السنوات الاخيرة عن توثيق العلاقات معهم بسبب ارتباطاته بايران، يفهمون الان اكثر مما كانوا في الماضي بانه بالذات من خلال تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية معه سيكون بوسعهم ان يؤثروا على طابعه وعلى مدى النفوذ الايراني في نطاقه.
في السنوات الاخيرة تعاطى جيران العراق معه كغرس غريب، فرع ارهابي لايران من الافضل الابتعاد عنه. وقد فرضت عزلة العراق عليه بقدر كبير من جانب جيرانه العرب، ولكنه كان ايضا سلبيا في السنوات الاخيرة في علاقاته الخارجية بسبب ضعفه البنيوي وانقسامه الداخلي، الامر الذي وجد تعبيره في غياب الاجماع في اوساط القوى السياسية المركزية. اما الان فيبدو، اكثر مما في الماضي، بانه يسعى الى أن يتبوأ دورا مركزيا اكثر في ادارة جدول الاعمال العربي المشترك والعربي – الايراني.
لقد تركت المنطقة العربية العراق تحت رحمة ايران، ولكن جيران العراق لم يعودوا اليوم مثابة مشاهدين سلبيين. يبدو أنه بعد انسحاب القوات الامريكية يوجد استعداد عربي ما لتعميق العلاقات مع العراق وهكذا زيادة الرقابة على ما يجري فيه، أولا وقبل كل شيء من أجل محاولة صد النفوذ الايراني. اما العراق من جهته، فيسعى الى توثيق التعاون مع الدول العربية، ضمن امور اخرى على سبيل شطب بعض الديون في الماضي، استئناف الاستثمار فيه، منع التدخل السلبي (العربي) في شؤونه الداخلية بل وكرافعة ضغط معينة على طهران.
وتحتدم التوترات الطائفة في العراق، والعنف لا يزال مهددا. ومع ذلك، ورغم هذه المشاكل، فان انتاج النفط في العراق في ميل تصاعدي. وكلما امتلأ صندوق العراق، فانه سيكون أقل خضوعا لتأثير الجهات الخارجية. وعلى مدى الزمن كفيل العراق وايران ان يتحركا نحو توازن متجدد، يساهم في قدرة توازن قوة ايران في المنطقة.
ومع ذلك، فان الكثير منوط ايضا بطبيعة النظام العراقي وبهوية من يقف على رأسه، والذي يبدو الا يتحرك نحو جمع الصلاحيات، ومن شأنه بالذات ان يعزز سيطرة ايران على ما يجري في العراق. كما أن الامر منوط بالتطورات في سوريا وبمستقبل نظام الاسد. فقرب النظام العلوي، حتى وان كان مصطنعا، من الشيعة واحتمال ان تسيطر مع سقوطه الاغلبية السنية على الحكم – كفيل بان يبعد سوريا عن العراق. في هذا الوضع من شأن ايران ان تسعى الى تعزيز سيطرتها في العراق، مثابة بديل عن نظام الاسد.
بعد عقدين من غياب العراق، يسعى الى ان يؤدي مرة اخرى دورا مركزيا في المنطقة العربية. فضعف المراكز العربية التقليدية في أعقاب “الربيع العربي”، التحسن النسبي في الوضع الامني الداخلي والزيادة الكبيرة في انتاج النفط في العراق، كل هذا يساهم في قدرة القيادة في بغداد على العودة الى دور أكثر اهمية في ادارة جدول الاعمال الاقليمي. ولكن المنطقة العربية – السنية في معظمها لا تزال تجد صعوبة في ترك الهويات الاساسية التي تعرفها، وعلى رأسها الهوية الطائفية، ومصلحتها العليا: كبح التطلعات الاقليمية لايران. هذه مسائل تؤثر على مكانة العراق الاقليمية، ولكن أيضا على استقراره ووحدته الاقليمية.