معاريف: مقابل حبل نجاة لمصر
معاريف 19-3-2024، د. موشيه العاد*: مقابل حبل نجاة لمصر
مصر، زعيمة العالم العربي سابقا تعيش في أزمة اقتصادية عسيرة ومتواصلة. محافل اقتصادية في العالم حسبت الكلفة المالية لاستعادة قدرة مصر لرعاية سكانها بكرامة في العقد القادم تقدر بأن 70 – 80 مليار دولار ستتيح لـ 110 مليون مصري منح وجبة لكل مواطن. منذ زمن بعيد والرئيس المصري السيسي ينتظر هذه التبرعات لكن لا يوجد من يتبرع بها. غياب السياحة في بلاده والتدخل الزائد في ليبيا هما فقط جزء من الأسباب التي تقتطع المزيد فالمزيد من التمويل من ميزانيتها الضحلة.
صحيح حتى الآن، في مصر يعبرون عن القلق لما يجري في قطاع غزة، مثل كل الدول العربية. مرة بين الحين والآخر يسأل صحافيون عرب رؤساء الدول: فضلا عن الإعراب عن القلق، هل انتم تعملون على التغيير؟”، والأجوبة عديدة ومتنوعة أساسا من جانب دول غير قادرة على العمل.
المملكة الأردنية مثلا، لم تتدخل أبدا في المنطقة التي خارج حدودها وهكذا أيضا في حالة غزة. السعودية وان كانت تشعر بمسؤولية كزعيم العالم السُني لكنها تكتفي بالتبرعات المالية، مثل دول النفط والغاز الغنية أيضا: اتحاد الإمارات، البحرين وعُمان. وبالنسبة لقطر، من ناحية إسرائيل هي تعتبر الصديق العدو. فهي تتوسط بين إسرائيل و”حماس” التي لا تزال تتحكم بما يجري في القطاع وفي الوقت نفسه تدعمها ككيان إرهابي وتمنح ملجأ لمسؤولي المنظمة، وعليه فهي مستبعدة من الحكم في غزة. السلطة الفلسطينية؟ نعم، لكن ليس الآن. سيتعين على هذه أن تعمل بكد كي تنظم صفوفها، تدرب كتائبها الأمنية، تهدئ التوتر والعداء بين الفصائل المختلفة، وتغرس أنماطا من الشفافية والنجاعة بين مؤسساتها وأساسا – أن تكف عن التحريض ضد إسرائيل.
بقينا مع مصر. من غير المستبعد أن يكون حافز بمئات ملايين الدولارات التي تعد بالنسبة للدول العربية الغنية، الدول الغربية والمؤسسات الدولية “فراطة” كفيلا بأن يدفع مصر لأن تتبنى تحدي غزة وان كان فترة محدودة حتى ثلاث سنوات. في هذا الزمن، تأخذ مصر على أيديها السيطرة في غزة وتؤتمن على مراحل الإعمار الأولية، حتى تسلمه إلى ايدي “السلطة الفلسطينية المحسنة”. في إطار مقابلاتي الأخيرة، مؤخرا، في شبكات التلفزيون العربية، هذه الخطة ليس لا تلقى الرفض بل وتترك مادة للتفكير يجب النظر فيها بعناية.
من بداية المعركة، تلعب مصر لعبة مزدوجة في محاولة لأن تبث تجاه الخارج “وحدة صف” – اصطلاح في العالم العربي أقوى من كل المصالح. من جهة هي تحذر من عملية إسرائيلية في رفح وتطلق صرخات النجدة خوفا من تدفق جماهيري للغزيين إلى شمال سيناء – ومن جهة أخرى تعمل بتعاون كامل مع إسرائيل وتحافظ بشدة على التنسيق الأمني معها. صحيح أن السيسي يستعرض العضلات لكنه يتذكر جيدا المساعدة التي قدمتها له إسرائيل في حربه ضد “داعش” في شبه جزيرة سيناء.
من خلال الجنرال محمود السيسي، ابن الرئيس، وزعيم البدو في سيناء إبراهيم العرجاني نجحت مصر في تثبيت استقرار سيناء بل والتنمية والازدهار الاقتصادي. النموذج الذي تخلصت فيه مصر من الإرهاب الإجرامي لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء يمكنه أن يسمح لها بأن توقف القطاع على ارجله أيضا.
صحيح ما كان مراقب الدولة عندنا ليشرعن الطرق والوسائل التي اتخذت هناك لكن هذه بالضبط هي المشكلة: كل الحكومات الأجنبية، ابتداء من حكومة إسرائيل في المناطق وحتى العراق وأفغانستان للأميركيين، توجهت إلى السكان بالعبرية المحلية أو بالانجليزية بينما المصريون تحدثوا مع البدو بلغة شرق أوسطية معروفة. يجب الاعتراف بأن دولة ديمقراطية لا يمكنها أن تحكم شعبا أجنبيا.
الآن، حين تكون مصر تواقة لأنبوب أكسجين اقتصادي، توجد لحظة مناسبة لمنح المصريين ما يحتاجونه جدا ومن ناحيتهم هو ربح للجميع: منحة غير مسبوقة بسخائها وكذلك ضمانة ألا ينتقل أي غزي إلى سيناء. إسرائيل والأسرة الدولية يجب أن تخرجا إلى حملة تربط بين تجنيد الأموال وتخويل المصريين لتحقيق هذا الهدف.
*حاكم جنين وبيت لحم سابقاً.