معاريف: مشكوك ان تكون للجيش الاسرائيلي قدرة لحرب في لبنان أيضا
معاريف 7/6/2024، جاكي خوجي: مشكوك ان تكون للجيش الاسرائيلي قدرة لحرب في لبنان أيضا
في الأسبوعين الأخيرين شدد الذراع العسكري لحزب الله هجماته على طول حدودنا الشمالية. طائراتهم المهاجمة اكثر دقة، النار اكثر كثافة، وكان لهم حظ أيضا. الصواريخ التي اطلقوها أحرقت حقولا على مقربة من الحدود. من لا يرى اللهيب الهائل الذي أكل هذا الأسبوع بيوت البلدات في جبال نفتالي ويهدد بافنائها.
اذا كان هذا يواسي أحدا ما، فان الوضع في الجانب الاخر من الجدار اصعب بكثير. نحو 200 الف من السكان اللبنانيين فروا من بيوتهم، وصوت احتجاجهم على حزب الله عال جدا، وان كان لا يصل الينا. حجم الدمار الذي الحقه بهم الجيش الإسرائيلي اعظم بكثير. في لبنان لا توجد ضريبة أملاك، وليس ثمة من يدفع تعويضا. ليس في هذا ما يحفز حسن نصرالله لانهاء الحرب. فمنذ بدايتها وهو يعلن بان حربه تستهدف مساعدة حماس، وهو لن يضع سلاحه الا بعد أن تنتهي الحرب في غزة. هو لا يحتاج الى حرب واسعة ولا يريدها. وعليه فان رجاله يحرصون على إبقاء القتال على مقربة من الحدود ولا يخرجون عن ذلك الا في احايين بعيدة، في الغالب ردا على هجوم إسرائيلي عميق او هجوم جبى منهم ثمنا باهظا. تصعيد الأسبوعين الأخيرين استثنائي. نصرالله يعرف بان هذه الايام حرجة في المفاوضات في قطاع غزة ويشدد الضغط على إسرائيل كي يقنعها بالرغبة في الاتفاق. واعلن بان وقف القتال في غزة سيؤدي به أيضا الى وقف النار.
هذا الأسبوع تداخلت الواحدة بالاخرى الازمة في لبنان مع وفاة دافيد ليفي. في شباط 2000 حين كنا لا نزال غارقين هناك، فعل لنا حزب الله ما يفعله لنا الان. سفك دمنا واخرج جهاز الامن عن صوابه. ليفي، الذي كان في حينه وزير الخارجية، وقف على منصة الكنيست واطلق رسالة الى بيروت. “اذا احترقت كريات شمونا، فان ارض لبنان ستحترق”، قال وأضاف الكلمات التي بسببها نتذكر الخطابية: “الدم مقابل الدم، الروح مقابل الروح، الطفل مقابل الطفل”.
اذن ها هو دافيد ليفي يتوفاه الموت، كريات شمونا اشتعلت وارض لبنان لا تشتعل. حزب الله هو حزب الله ذاته، والتهديدات هي التهديدات ذاتها. أول أمس زار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كريات شمونا وفي ختام زيارته قال ان إسرائيل جاهزة لعملية قوية جدا في الشمال. قبل يوم من ذلك في مقابلة مع صوت الجيش قال الوزير ايتمار بن غفير معربا عن امنية إذ قال: “كنت جد جد اريد أن تحول كل معالجة للشمال اليّ. لو اعطوني المسؤولية عن الاسراب، عن الطائرات، عن الصواريخ، عن كل ما يحصل في الشمال، صدقني – حزب الله كان سيتعلم كيف ترد دولة إسرائيل”. بعده بساعة تحدث رئيس الموساد السابق يوسي كوهن في الإذاعة وقال ان إسرائيل تعرف اين نصرالله، وان شئنا يمكننا أن ننزله، هكذا بكلماته. وزير الثقافة ميكي زوهر دعا في جلسة الحكومة أول امس للخروج الى هجوم قوي مبادر اليه، يعطل قدرات حزب الله ويزيل تهديد النووي الإيراني أيضا. بمعنى، اذا كنت فهمت على نحو صائب، فان زوهر دعا إسرائيل الى مهاجمة ايران.
بالفعل كلمات قوية، لكن من الواجب الاعتراف بالحقيقة. ليس للجيش الإسرائيلي قدرة كافية للهجوم على ايران، وبالتأكيد ليس اليوم بعد ثمانية اشهر حرب في القطاع. مشكوك ان تكون له قدرة لحرب في لبنان أيضا. بمعنى، ان تفتح حربا ممكن بالتأكيد. اما ان تنتصر فيها- فمؤكد أقل. او لنقل هذا بالشكل التالي: من لا ينجح في هزيمة حماس على مدى ثمانية اشهر، كيف سينتصر على حزب الله وكيف سيهاجم ايران. كيف يمكن لإسرائيل في وضعها الحالي ان تخرج الى حرب ضد عدو أمر من حماس، حتى قبل ان تنهي مهامها في غزة؟ مع جيش متآكل، عدد محدود من الجنود، دافعية متدنية للمجتمع الإسرائيلي، والركود المحتدم. ولم نتحدث بعد عن العلاقات الباردة بين القدس والبيت الأبيض، وعن بضعة دوافع أخرى الصمت فيها جميل.
هذه التهديدات التي تتكرر منذ 25 سنة فأكثر، هي كلمات فارغة. نحن نتكلم كثيرا ونفعل اقل. وعندما نتكلم فقط، فان الصورة الناشئة في الطرف الاخر هي الضعف. نصرالله يعرف اننا لسنا في ذروتنا. “كما أن علي خامينئي يعرف، يحيى السنوار قرأ مظاهر الضعف هذه جيدا. ولهذا فقد استغلنا لاغراضه في ذاك السبت.
الدرس لم يستوعب
لو كان بوسع الجيش الإسرائيلي ان يحرق لبنان كله او يحتل بيروت او يدمرها لكان فعل هذا منذ بداية الحرب. واذا كان لم يفعل هذا، فيحتمل أنه لا يستطيع او انه لا يوجد مبرر لذلك. واذا لم يكن يستطيع، او لا يريد – فمن الأفضل أن يسقط. فكم يمكن الصراخ “ذئب ذئب”. فالعدو يشخص جيدا الترددات والخلافات، ويفهم بانه بعد كل هذه السنين، لو كنا نستطيع لكنا نفذنا التهديدات. ولما كنا لم ننفذها، فيبدو اننا لا نستطيع.
هذه التصريحات مقلقة. فهي تبين بان زعماءنا لم يتعلموا دروس 7 أكتوبر. في ذاك السبت انكشف أن إسرائيل ليست قوية بالقدر الذي روى لنا عنه قادتها. فقد انهارت في غضون ساعات امام فرقة مقاتلين غير مدربين في الجنوب وامسك بها غير جاهزة في الشمال أيضا. حظ عظيم كان لنا ان حزب الله لم يبعث برجاله الى أراضي إسرائيل لانه كان سيحتل الجليل. نسينا انه دون الدعم الأمريكي، وبخاصة القطار الجوي للسلاح والذخيرة، كنا سنكون في خطر وجودي.
ان الوعد للجمهور بانه يمكن تدمير لبنان والخروج من هذا بسلام ليس الوهم الوحيد الذي يخرج على لسان زعمائنا هذه الأيام. توجد تصريحات اكثر بؤسا منه. مثلا، الوعد بتحرير المخطوفين من خلال الضغط العسكري. ها هي ثمانية اشهر منذ نشوب الحرب. والجيش الإسرائيلي رغم الجهد العظيم قتل مخطوفين بالخطأ اكثر مما حرر. وبشائر قاسية أخرى امامنا في هذا الموضوع، وكذا أسى وكرب.
منذ نهاية تشرين الثاني 2023 لم ينجح الضغط العسكري في اجبار السنوار على الانثناء او التنازل. قبل ذلك ايضا، حرر المخطوفون بصفقة ليس بسبب الضغط العسكري بل لان هذا ما أراده السنوار. احتجاز أطفال، نساء ورضع لم يجديه نفعا، وفي المقابل تحريرهم المغطى إعلاميا يوما بعد يوم ساعده في الساحة الدولية في بناء الصورة الأفضل. أتاح له التفرغ للمرحلة التالية، التي سيجعل فيها قطاع غزة الضحية وإسرائيل المعتدي.
وهم آخر تنشره القيادة هو الاحتمال للنصر المطلق. نصر مشكوك ان نحظى برؤيته، اذ اننا هزمنا منذ ذاك السبت. نصر مطلق – مشكوك أكثر باضعاف. كل ما نفعله الان هو تقليل شدة الهزيمة. مقاصة اضرار. ليس فقط في القتلى هزمنا. بل في عمق الإهانة والعار. السنوار، بالمقابل لنا، سجل سلسلة إنجازات. حتى لو مات قريبا – فانه لا يزال خرج مع حفنة انتصارات. من قبله اعد لنا هزيمة عسكرية كهذه؟ من ورطنا في توتر مع أمريكا وشق هكذا المجتمع الإسرائيلي؟ من اخلى سكانا في قاطعي حدود معا؟ أي زعيم عربي قبله خرب مسيرة سلام كانت تنسج مع دولة عربية؟ من رفع المسألة الفلسطينية الى مركز الطاولة بين ليلة وضحاها؟ ومن كشف ان قدراتنا العسكرية محدودة واننا غير مبنيين لحرب بهذا الطول دون تعلق بالامريكيين؟ وهذا دون أن نتحدث عن الضحايا وعن المخطوفين الذين يدنا قصيرة عن اعادتهم. هذا لا يعني ان ليس بوسعنا ترميم وضعنا وكسب تفوق على حماس. لكن هذا ليس نصرا مطلقا.