معاريف: قنبلة ايرانية

معاريف – آنا برسكي – 21/12/2025 قنبلة ايرانية
حتى وقت أخير مضى كان يخيل أن لقاء نتنياهو – ترامب في مار آلاغو سيتركز على المرحلة الثانية في غزة والانتقال الى الواقع الجديد الذي يرغب ترامب في أن يقيمه – إقامة قوة استقرار متعددة الجنسيات، حكومة تكنوقراط فلسطينية، بداية اعمار القطاع والجدال العميق على شروطه. في قلب هذا الحوار توجد فجوة بين المرغوب فيه في خطة ترامب – العالم الجديد والرائع من النظام، الحكومة والاعمار وبين الموجود في الأرض الغزية: حماس ضعيفة لكن حية، تركل ولا تعتزم التناثر، وفوضى سلطوية وانعدام توافق على من حقا يحوز القوة.
غير أنه كلما اقترب موعد اللقاء يتبين أن موضوعا آخر يدحر غزة الى الوراء، على الأقل من ناحية نتنياهو، ويحتل من جديد مركز الساحة: ايران واساسا تسلحها المتجدد والتصميم الإسرائيلي على عدم السماح لها باستكمال هذه الخطوة.
صورة الوضع المتبلورة في إسرائيل بعد هجمات الصيف الماضي بعيدة عن صورة الحسم. ايران تلقت ضربات، لكنها لم تفقد قدرة الانتعاش بل العكس. وحسب التقديرات انتقلت طهران بسرعة من مرحلة الصدمة الى مرحلة التعلم. وجهدها المركزي حاليا ليس الركض العلني نحو الانطلاق الى النووي، بل اعمال منهاجي للطبقة الوسطى – صناعة الصواريخ الباليستية، خطوط الإنتاج والقدرة الى إعادة منظومات الدفاع الجوي التي تضررت الى الخدمة.
في إسرائيل يشخصون تهديدا فوريا اكثر من النووي نفسه. ليس لان النووي شطب عن جدول الاعمال بل لان الصواريخ هي المفتاح الذي يسمح لإيران بالدفاع عن كل ما تبقى – والهجوم أيضا. بدون غلاف صواريخ ودفاع جوي – تكون منشآت النووي هدفا للإصابة. مع الغلاف تصبح مشكلة استراتيجية اكثر تعقيدا بكثير ولهذا فان القلق في القدس يتركز على ترميم منشآت الإنتاج وعلى وتيرة التسلح. تقديرات بقدرة انتاج الاف الصواريخ في الشهر، بغياب رقابة فاعلة، ليست معطى فني – هي بالتأكيد تغيير ميزان.
ايران لا ترمم فقط كي تعود لما كانت عليه بل كي تعود أخرى. الهجمات في الصيف، حتى وان اصابت البنى التحتية، علم طهران أي اعناق زجاجات يجدر توسيعها، أي عناصر يجدر انزالها الى تحت الأرض وأين الدمج بين قدرة الصواريخ وبين طبقة الدفاع لاجل تصعيد جولة هجمات أخرى.
هذا تغيير للعقيدة، اكثر مما هو اصلاح للاضرار. بالتوازي، حتى لو لم يكن النووي على رأس القائمة الفورية، فانه يواصل التحرك، أحيانا عبر ترميم بنى تحتية، أحيانا عبر إخفاء، واحيانا ببساطة عبر استغلال الغموض وفجوات الرقابة. بكلمات أخرى، ترميم القدرة الصاروخية وترميم النووي ليسا محورين منفصلين، بل منظومة واحدة وهي تقلق جدا إسرائيل. الصاروخ يبني غرفا. الغلاف يسمح بالنووي والنووي، حتى لو تأجل، يبقى الهدف الاسمى.
على هذه الخلفية فان ما نشرة في الـ “ان.بي.سي” يشكل اطلالة على الحوار الحقيقي الذي يعتمل تحت السطح. مكتب نتنياهو غير معني بالتفصيل مسبقا، لكن أيضا لا يبرد مجرد الانشغال بايران والنية لطرح المسألة في مركز القمة القريبة في مار آلاغو. أربعة بدائر سيطرحها نتنياهو على ترامب – هجوم إسرائيل مستقل عبر مساعدة أمريكية محدودة وحتى حملة مشتركة او عملية أمريكية كاملة – هي ليست مناورة نظرية. فهي تعكس جدالا على فهم الوقت – هل الانتظار ومحاولة كبح ايران بوسائل سياسية، ام العمل قبل أن يصل الترميمم الى نقطة اللاعودة.
مركز الثقل في اللقاء لن يكون ما تريد إسرائيل عمله بل ما الذي الولايات المتحدة مستعدة لان تحتمله. هنا يتأكد الموقف الأمريكي كما ينعكس في التحليلات الأخيرة. ترامب يريد خلق نظام إقليمي جديد دون أن يعلق مرة أخرى في حرب لا نهاية واضحة لها. من ناحيته ايران هي خطر لكنها أيضا حفرة مالية، سياسية وعسكرية. وهو كفيل لان يفضل صيغة دبلوماسية متصلبة، عقوبات وتهديد عسكري في الخلفية على جولة أخرى تلزمه بان يشرح للجمهور الأمريكي لماذا يعود الى سماء الشرق الأوسط مع قاذفات وذخائر.
وعليه، السؤال الحقيقي ليس اذا كان ترامب مع الهجوم بل في أي ظروف سيرى فيه اضطرارا. هل سيعرف الترميم الإيراني كتهديد مباشر على مصالح أمريكية – قواعد، قوات، مسارات ملاحقة وحلفاء، ام مجرد مشكلة إسرائيلية يفضل الابتعد عنها.
بالمقابل، يصل الموقف الإسرائيلي من مكان وجودي. من ناحية القدس الخيار العسكري ليس شعارا بل تأمين حياة. اذا كانت التقديرات بشأن تسريع انتاج الصواريخ وإعادة الدفاع الجوي صحيحة فان إسرائيل تخشى من ان تغلق نافذة الفرص. اليوم ايران لا تزال في منتصف الترميم لكن غدا ستكون محمية اكثر، متوزعه اكثر، وقدرة الهجوم ستكون اغلى واخطر. وعليه حتى لو عرض نتنياهو لترامب سلسلة بدائل، فان الرسالة واحدة: إسرائيل لن تسمح لإيران بالوصول مرة أخرى الى وضع يكون بوسعها فيه ان تنصب مظلة صواريخ ودفاع تغلق السماء من فوق المواقع الحساسة.
هنا تبرز الفجوة الاستراتيجية بين القدس وواشنطن. ترامب يريد الامتناع عن الحرب بينما إسرائيل تخشى من أن منع الحرب الان سيخلق حربا اكبر بعد ذلك. ترامب الذي عاد الى البيت الأبيض مع الوعد بتصيم نظام إقليمي جديد وتقليص الاحتكاك الأمريكي المباشر، معني بالاستقرار. في غزة، في الشمال وفي الساحة الإيرانية. من ناحيته وقف نار إقليمي وحفظ الردع افضل من جولة تصعيد أخرى. لكن الردع، كما يفهمونه في القدس يصمد فقط اذا ما كان من خلفه تهديد مصداق.
نتنياهو سيصل الى مار آلاغو مع رسالة واضحة بما يكفي: بدون خط احمر حقيقي، ايران ستواصل البناء، الترميم والاستعداد الفاعل للهجوم القادم. ترامب سيكون مطالبا بان يقرر اذا كان سيقلص مجال العمل الإسرائيلي باسم الاستقرار، ام يترك التهديد العسكري على الطاولة، حتى وان كان بثمن المخاطرة بالتصعيد.



