معاريف: قبل الكارثة

معاريف – الون بن دافيد – 29/8/2025 قبل الكارثة
على مدى السنين تبلورت في جهاز الامن بديهة، مفادها انه لا يمكن اجبار رئيس اركان على الخروج الى حملة او الى حرب لا يؤمن بها. سمعت هذا تقريبا من كل رؤساء الأركان في العقود الأخيرة، وكان حتى قادة سلاح جو طبقوها على أنفسهم. هذه البديهة ستقف امام اختبار مشوق في الأسابيع القريبة القادمة.
رئيس الأركان الذي ينزع عن نفسه منذ الأسبوع الماضي طبقة أخرى من العقبات والعوائق، يبدي على رؤوس الاشهاد عدم ايمانه في الحملة لاحتلال غزة التي كلفته بها الحكومة. وهو يستخدم مجال التفكر الذي لديه في المستوى التكتيكي والعملياتي، ويدفع قدما بالاستعدادات لاحتلال غزة ببطء ظاهر.
في هذه اللحظة تستعد قوة ضيقة نسبيا من الجيش الإسرائيلي في المواقع تمهيدا لتطويق المدينة. في الأسبوع القادم سيبدأ تجنيد الاحتياط. وفقط في منتصف أيلول سيكمل الجيش تطويق غزة، كخطوة مسبقة قبيل احتلال المدينة. هذا على امل أن يستغل المستوى السياسي هذه المساحة الزمنية لاتخاذ قرار يوقف السخافة، قبل الكارثة.
ان حرص الجيش على حركة بسرعة بطيئة تثير عليه حفيظة ممثلي اليمين المتطرف في الكابنت، لكن فضلا عن التهجمات على رئيس الأركان في جلسات الكابنت، التي أصبحت منذ الان طقوسا عادية، ليس له قدرة على التأثير مباشرة على وتيرة العملية. الكابنت قرر مبدئيا الحملة، لكنه خول رئيس الوزراء ووزير الدفاع بتنفيذها كما يريان مناسبا.
نتنياهو واع هو أيضا لجر الارجل في الجيش الإسرائيلي، لكنه يبدو منشغلا اكثر بالشبهات في أن قيادة الجيش “تقدم احاطات صحفية ضده” من انشغاله في محاولة ان يفرض على الجيش جدول زمني اضيق لاستكمال العملية التي يتحدث عنها ببهجة كورقة النصر لديه. السؤال هو كم يتوق نتنياهو حقا للدخول الى “الفخ الاستراتيجي في غزة” على حد قول رئيس الأركان زمير، او يحاول فقط ان يتخذ صورة من يتحمس لارسال جنودنا الى داخل الأبراج الكثيرة التي لا تزال تقف في غزة الكبرى.
“الكمائن الإنسانية”
حماس، بالمقابل، تستغل الزمن جيدا لتعزيز قواتها في مدينة غزة ولتبني اجراء قتالي لاسابيع طويلة استعدادا للمرحلة التالية من المعركة. حتى الان جمعت بضعة الاف من المقاتلين في المدينة التي هي قلب حكمها في القطاع. هؤلاء ليسوا المقاتلين المدربين والمنتعشين الذين التقاهم الجيش الإسرائيلي في غزة في نهاية 2023. كثيرون منهم شبان وعديمو التجربة لكنهم تعلموا القليل اللازم كي يخوضوا قتال عصابات في المنطقة المدينية المكتظة.
في الأسابيع الأخيرة ينشغلون بتفخيخ مبان ومحاور يتوقعون ان تدخل اليها قوات الجيش الإسرائيلي، يحاولون إعادة تأهيل وربط الانفاق التي لا تزال موجودة كي يديروا منها القتال، وهنا وهناك توجد محاولات محدودة لانتاج محلي لصواريخ آر.بي.جي. انتاج صواريخ جديدة توجه الى الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم ينجحوا في تجديده. في الجيش الإسرائيلي يفترضون بان حماس تعد لهم أيضا “كمائن إنسانية”، تؤدي الى مس كبير بالمدنيين وتزيد الضغط الدولي على إسرائيل وبالتوازي – تكون حماس كفيلة بان تمس بالمخطوفين المتبقين كي تمارس الضغط على الرأي العام في إسرائيل أيضا.
حماس لا تزال مستعدة، في كل لحظة، للسير الى صفقة جزئية مع إسرائيل، تؤدي الى تحرير عشرة مخطوفين وتزيل او على الأقل تؤجل بشهرين التهديد باحتلال مدينة غزة. لكن أحدا لا يعرف اذا كان ممكنا على الاطلاق الوصول الى صفقة شاملة تؤدي الى تحرير كل المخطوفين مقابل انهاء الحرب، سواء الان ام بعد احتلال المدينة. مشكوك أيضا ان يكونوا في حماس قرروا ان يوافقوا في أي مرة على التخلي عن كل “أوراق المساومة” التي توجد في أيديهم. لعل هذا ما يقف خلف التغيير في موقف نتنياهو، الذي يصر منذ الان فقط على صفقة شاملة، مع علمه ان لا امل في أن تتحقق.
المرغوب والممكن
جملة المداولات والقرارات التي اتخذها الكابنت عن غزة امتنعت كلها عن الانشغال بالسطر الأخير. ما هو وضع النهاية المرغوب فيها في الحرب. هذا ما يسمح لإسرائيل مرة كل بضعة اشهر لان تكتشف صخرة وجودنا الجديدة في غزة، تلك التي فقط اذا ما احتليناها، سنكون مرة أخرى على مسافة خطوة عن النصر المطلق. بغياب قرار عن وضع النهاية المرغوب فيه – لن تكون أيضا نهاية الحرب من ناحية إسرائيل الا اذا فرضها علينا الامريكيون. في هذه اللحظة يمكن أن نرسم أربعة أوضاع نهاية محتملة في غزة، وهذه أيضا هي الأوضاع التي عرضت على الكابنت:
- احتجاز طويل لحماس وسكان غزة في جيبين – ثلاثة جيوب أساسية، فيما يبقي الجيش الإسرائيلي سيطرة في باقي أجزاء القطاع ويجتاح جيوب حماس بين الحين والأخر.
- ادخال طرف ثالث الى القطاع ليأخذ المسؤولية: يوجد طرف واحد فقط يمكن تصوره، ومحظور طرح اسمه على طرف لسان الحكومة. ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بانه وان كانت للسلطة الفلسطينية شرعية دولية وعربية للدخول الى القطاع لكن مشكوك أن تكون لها القوة لابعاد حماس عن السيطرة في غزة.
- استمرار العملية العسكرية المخطط لها في مدينة غزة، وربما بعد ذلك أيضا في الجيبين الاخرين، مخيمات الوسط والمواصي – على أمل ان تستسلم حماس في موعد ما. احتمال أن يتحقق مثل هذا السيناريو متدن، وخطوة كهذه ستنتهي في وضع النهاية الرابع وغير المرغوب فيه:
- احتلال كامل لكل القطاع وفرض حكم عسكري من الجيش الإسرائيلي على غزة وعلى مليونين من سكانها.
الحكومة ورئيسها يتفادون بشكل ثابت هذا النقاش، ما يتيح حرب ابدية وملاحقة لا نهاية لها وراء “نصر مطلق”، الذي كأنه الأفق، كلما اقتربت منه يواصل الابتعاد.
ولكن بينما عيوننا جميعا تتطلع الى المعركة القريبة التي من المتوقع أن تبدأ الشهر القادم في القطاع، في جهاز الامن يهددون يهودا والسامرة بالذات كساحة كفيلة بان تشتعل في الشهر القادم، ردا على مبادرةى اسرائلية. مبادرة كهذه يمكن أن تأتي كرد على الاعتراف المتوقع لدولة فلسطينية من قبل معظم دول العالم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستنعقد في 23 أيلول. اعلان كهذا، أعلنت اكثر من 140 دولة حتى الان التأييد له، كفيل بان يؤدي بالحكومة لان تقرر الرد بضم يهودا والسامرة و/ او حل السلطة الفلسطينية. كل واحدة من هاتين الخطوتين، وبالتأكيد كلتاهما معا ستؤدي الى صدام عنيف يجعل يهودا والسامرة الساحة الأساس للجيش الإسرائيلي وتتطلب وقف الخطوة في غزة وحرف أساس القوة العسكرية في يهودا والسامرة.