معاريف: فرص إقامة دولة فلسطينية تشبه فرص إقامة مستوطنات على المريخ

معاريف 30/9/2025، زلمان شوفال: فرص إقامة دولة فلسطينية تشبه فرص إقامة مستوطنات على المريخ
دولة فلسطينية لن تقوم في المستقبل المنظور، رغم “الاعتراف بها” من جانب عشرات الدول ورغم المشهد المحرج في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الذي بدا فيه الرئيس الفرنسي ماكرون يجلس على طاولة الرئاسة ويسجل المحضر، بعد أن نجح في أن يشق لنفسه طريقا في شوارع نيويورك. مريح لماكرون على ما يبدو ان يكون لفترة ما بعيدا عن “قصر بوربون”، حيث توجد حكومته في الأقلية وتتكبد فشلا إثر آخر. لا يزال يأمل في أن تتيح له أصوات المسلمين في بلاده ولحزبه النجاة لكن يتبين أن معظم الفرنسيين، مثل معظم الجمهور في دول أخرى، لا تؤيد الخطوة.
مهين ومثير للحفيظة على نحو خاص ان معظم الدول التي اعترفت “بفلسطين” لم تتكبد عناء طرح شروط مسبقة للخطوة أحادية الجانب التي اتخذوها، حتى ولا الشرط الأساس الذي قرره في حينه الرئيس بايدن: “تعهد الفلسطينيين بزعمائهم بالاعتراف رسميا وتصريحيا ليس فقط بوجود دولة إسرائيل بل وأيضا بحق الشعب اليهودي غير القابل للجدال بدولة خاصة به في هذا المكان”.
الرئيس ترامب، في خطابه شبه الارتجالي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة شدد بالشكل الاوضح بان الاعتراف بدولة فلسطينية هو إعطاء جائزة لحماس، وهكذا استبق اقوال رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو في الغداة. في القاعة ذاتها ومن فوق المنصة ذاتها. لكن ترامب لم يفصل اذا كان سيتخذ أي اعمال، دبلوماسية أو غيرها، ضد الحكومات التي عملت بخلاف رأيه. من الصعب أحيانا تفسير اقوال الرئيس ترامب. فليس لديه مشكلة أن يقول أمرا ونقيضه بين شروق الشمس وغروبها. في اليوم ذاته الذي خرج فيه بحزم ضد إقامة دولة فلسطينية اعلن مرتين انه لن يسمح لإسرائيل بضم أراض في “الضفة الغربية” – دون أن يشرح كيف يمكن الجسر بين هذين المتضادين، إذ انه إن لم تكن دولة ولا ضم كامل أو جزئي لإسرائيل، فماذا نعم بالضبط؟ وما يقوله ترامب لا يكون دوما كلمته الأخيرة.
كما أن الرئيس أعرب عن ايمانه/أمله ان تنتهي الحرب في غزة قريبا ويتحرر المخطوفون. اذا ما تحقق بالفعل هذا التقدير المتفائل، فان السبب سيكون أساسا المناورة العسكرية الحالية للجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، اذا لم ترى حماس في المظاهرات وفي “الاحتجاجات” في البلاد سببا لمواصلة رفضها.
على أي حال، فان الاسناد الأساسية التي لاجلها لن تقوم دولة فلسطينية الان ليست فقط المعارضة الامريكية والإسرائيلية، بل حقيقة أنه لا توجد الشروط الأساسية لاقامة دولة كهذه: لا أرض ذات حدود محددة ومتفق عليها، لا تاريخ وثقافة مشتركة، لا حكم وطريقة حكم مقبولة على اغلبية السكان. فضلا عن هذا، بخلاف “الدولة التي على الطريق” للحركة الصهيونية، التي لم تكن بحاجة الى قرار من الأمم المتحدة لاجل البناء الفعلي لدولة إسرائيل العتيدة – سياسيا، عسكريا، اقتصاديا، إداريا وما شابه، فان العرب في فلسطين الانتدابية، وذلك أيضا بسبب غياب هدف وطني مشترك وغياب قدرة تنظيمية، لم يحركوا ساكنا لخلق واقع مشابه من جانبهم – لا قبل قرار التقسيم للأمم المتحدة (الذي رفضوه) ولا بعده. فقد القوا كل آمالهم على الإرهاب والعدوان العربي العام لاجل منع إقامة الدولة اليهودية وبقائها. هكذا في حينه وهكذا حتى يومنا هذا.
حتى لو كان سيقام غدا كيان يحمل الاسم الوهمي “دولة”، واضح أن هذا لن يكون الا عنصر ذا مزايا العالم الثالث من حيث الاضطراب والعنف والأرض الخصبة لاعمال التآمر على دول أخرى. من مثل الدول العربية تعرف ذلك ولهذا فانها تركز أساسا على دفع ضريبة كلامية وخطى استعراضية مختلفة.
ان فرص إقامة دولة فلسطينية في الوقت الحالي او قريبا تشبه فرص إقامة مستوطنات على المريخ. ومع ذلك لا ينبغي الاستخفاف بالتداعيات الدعائية والسياسية لهذه الخطوات واستغلال محافل معادية لإسرائيل لها. الامر يستوجب عملا سياسيا وجماهيريا فاعلا ومثابرا في كل المجالات والاتجاهات بما في ذلك في موضوع مواقفنا وافكارنا في المسألة الفلسطينية.