ترجمات عبرية

معاريف: صفقة لا مفر

معاريف 27/8/2024، زلمان شوفال: صفقة لا مفر


مثلما توجد حروب لا مفر توجد أحيانا أيضا صفقات لا مفر، حتى لو أسميت بأسماء أخرى تتحلى بصيغ دبلوماسية ذكية وتكون النقيض التام لها. هكذا هو أيضا المنتج الذي يبحث فيه في الدوحة، ويتواصل في القاهرة وعالق في هذه الاثناء. وزير الخارجية بلينكن اكد بان إسرائيل قبلت المنحى الأصلي للصفقة بكامله، لكن حماس تتمترس في مواقفها الرافضة وتواصل المطالبة بانسحاب إسرائيلي كامل ووقف نار تام منذ المرحلة الأولى للصفقة المقترحة وتصرح على بنود يمس تغييرها بجوهر المفاوضات على المرحلة الثانية. هكذا كان في القاهرة أيضا. مطالب حماس لها هدف واحد: شق الطريق لعودتها الى الحكم في القطاع في نهاية الحرب وربما أيضا اشعال حرب إقليمية. 

لكل واحد من المشاركين في المفاوضات توجد مصالح بعضها تتضارب مع مصالح الأطراف الأخرى. لقد تصرفت إسرائيل بمرونة كل تدفع بالصفقة قدما، واساسا لتحرير المخطوفين رغم أنه كان واضحا لها بان اتفاقا جيدا حقا لا يوجد على الاطلاق على جدول الاعمال، وهي تعمل سواء لاسباب داخلية ام لمنع الخلافات مع الولايات المتحدة؛ حماس المحطمة، التي تتحدث بصوتين، تركت الباب شبه مفتوح كي تنقذ ما يمكن إنقاذه؛ قطر معنية بتعظيم دورها المركزي في نظر الجهات الأخرى في الشرق الأوسط ورفع قيمتها كشريك لامريكا؛ بينما إدارة بايدن – هاريس بحاجة للصفقة كي ترضي المصوتين المسلمين واليهود، المهمة شبه المستحيلة، والرئيس بايدن نفسه كي يضمن إرثه التاريخ. لا نعرف اذا ما وماذا وعدت واشنطن من خلال قطر لحماس، لكن اذا كانت أمور ما فينبغي الافتراض بانها تتعلق بوضع غزة بعد الحرب. من ناحية إسرائيل ليس في الصفقة كما هي مقترحة جواب كامل وسريع في موضوع المخطوفين والأسرى الذين عدد صغير فقط منهم سيتحرر في المرحلة الأولى ولا يوجد أي انجاز مقنع حول هدفها لضمان الا تكون حماس قد وصلت الى نهاية طريقها كجهة سياسية وعسكرية في القطاع، إضافة الى مسائل أخلاقية ومفعمة بالمخاطر مثل تحرير إرهابيين الساذج وحده يؤمن بانهم لن يعودوا للانشغال بالقتل والإرهاب بعد تحررهم. 

في إسرائيل تنطلق أصوات في موضوع الصفقة لا تعكس بالضرورة الحقائق وتنبع اكثر من مواقف سياسية او من دوافع مفهومة لكن ليست دوما منطقية لعائلات المخطوفين. من جهة يوجد من يعرضون الصفقة دون ان يشيروا الى تفاصيلها كهدف واحد ووحيد للمعركة في غزة ومن الجهة الأخرى يشككون فيها استنادا الى تجربة الماضي. “محافل امنية” تقتبسهم وسائل الاعلام يهدئون بانه “لن يحصل شيء” اذا خرجنا من محور فيلادلفيا ومحور نتساريم لفترة 60 يوما دون ان يشرحوا كيف سيحصل ان هذه الـ 60 يوما لن تبدي ميلا اصيلا للمرونة بضغط دولي. كما اسلفنا، بالنسبة لاتفاقات أوسلو والانسحاب من جنوب لبنان أيضا وعدنا بانه اذا خرق الطرف الاخر شروطها “فان إسرائيل ستعرف ما تفعله”، وعد بقي على الجليد.

كل المواضيع آنفة الذكر ستبقى امام الكابنت الذي قرر إعطاء فرصة أخرى للصفقة في ظل الحفاظ على المصالح الأمنية الحيوية لإسرائيل. مع ذلك سيتعين عليه أيضا ان يرى الصورة العامة وجوانبها الاقتصادية، الداخلية واساسا الدولية، والنظر اذا كانت تسوية منطقة في مثل هذا الموضوع او ذاك ستكون افضل من خيارات أخرى. 

لقد خلق 7 أكتوبر واقعا إقليميا ودوليا آثاره المحتملة لها اتصال مباشر بامن وربما بمستقبل إسرائيل. وبالتالي فان لكل قرار نتخذه او نرفضه قد يكون تأثير على احداث وتطورات بعيدة او قريبة ليست تحت سيطرتنا، لكنها ستؤثر علينا إيجابا او سلبا. تهديدات ايران وحزب الله بالقيام بعملية “ثأر” توجد حاليا بالانتظار. وذلك أيضا تخوفا من قوة الذراع الإسرائيلية التي تلقاها حزب الله حاليا وكذا بسبب مشاكل ايران الداخلية ولكن أساسا خوفا من التدخل العسكري الأمريكي المهدد.

حلفاء طهران أيضا، الصين وروسيا غير متحمستين على ما يبدو من الاشتعال وتجتهدان للجمه حاليا، لكن كل هذا يمكنه أن يتغير في لحظة سواء بسبب اعتبارات حزب الله الذي يرى المظاهرات في إسرائيل ومن شأنه ان يغرى بشن هجوم ام لاسباب ترتبط باعتبارات إيرانية مختلفة وحتى بسبب الانتخابات في الولايات المتحدة.

ايران نفسها من شأنها ان تستغل الجمود في المفاوضات للصفقة كي تنفذ “ثأرها”. صحيح انها تبينت مؤخرا كجبار متعثر ورئيسها الجديد فزشكيان حذر بان حربا مع إسرائيل “ستشل” الدولة وان التهديد الأمريكي حقيقي وأيضا نهاية إسماعيل هنية في المضافة الرسمية في طهران بعثت أسئلة قاسية حول نجاعة ومصداقية جهاز الامن الداخلي الذي يتعلق به بقاء الحكم، لكن كما اسلفنا في الشرق الأوسط يمكن للامور ان تتغير بسرعة والنظام من شأنه ان يعود الى الهدف الذي لم يهجره ابدا – إبادة إسرائيل. وذلك بينما توجد ايران على مسافة خطوة من تحقيق سلاح نووي – اعتبار آخر يجب أن يكون امام ناظر القيادة الإسرائيلية، إذ انه يحتمل ان تقترب الساعة التي تكون فيها تصفية النظام الحالي في ايران محتمة، وبدون الولايات المتحدة سيكون هذا شبه متعذر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى