ترجمات عبرية

معاريف: صفقة ضعفاء

معاريف 21/6/2024، جاكي خوجي: صفقة ضعفاء

يجدر بكل إسرائيلي أن يشاهد الشريط الذي نشره الذراع العسكري لحزب الله يوم الجمعة. اعد الشريط في استديوهات حزب الله في بيروت، وهو يقوم على أساس تصويرات نفذتها طائرة للمنظمة في سماء الشمال قبل أسبوع من ذلك. نوصي بمشاهدته ليس فقط لانه مشوق. فمن خلالها يمكن ان نتعرف كثيرا جدا على حزب الله، على العلاقات بين القدس وبيروت، واذا ما نشب تصعيد حاد في الأيام القادمة – ان نفهم لماذا جاء. 

يتكون الشريط من مقاطع فيديو توثق من مسافة طيران عصفور لمناطق واسعة في حيفا ومحيطها. طول الشريط تسع دقائق وهو ينقسم الى ثلاثة اقسام. القسم الأول مكرس لمنشأة رفائيل، سلطة تطوير الوسائل القتالية، في كريات بيالك. هذا مجال لمساحة 7 الاف دونم، وطائرة حزب الله تطير فوقه دون ازعاج. مرة كل بضع ثوان تتجمد الصورة ويجري تقريب لموقع معين. وهكذا يمكن رؤية بطاريات القبة الحديدية، بطاريات مقلاع داود، منشآت رادار واهداف امنية أخرى.

كل إسرائيلي معتاد على أن يرى هكذا شوارع مدينته من مسافة طيران عصفور. لكن مشكوك أن يتوقع احد ما ان تكون مثل هذه الصور ثمرة انتاج العدو. القسم الثاني من الشريط يركز الى الكريوت. المجمع التجاري “بيغ” في مفترق ساحات الخليج، فرع “اوشر عاد” في كريات بيالك وجادة بن تسفي في كريات يام. كل هذه نقاط علامة في الشريط. التلميح واضح. اذا ما نشبت حرب، حتى المباني العامة ستكون هدفا ممكنا لحزب الله. 

في القسم الثالث، الأكثر اثارة للاهتمام، تنتقل الكاميرا المتجولة لحزب الله الى حيفا، وتتوقف عند مينائها البحري. تصور قاعدة سلاح الجو ومرسى سفن “ساعر” المتطورين، بجودة عالية جدا وعن كثب. نقاط علامة معروفة مثل “متنزه غورئيل في حي بات غليم، القطار الهوائي وشاطيء البحر تبدو كلها بوضوح، مثل تصوير حوامة لتلاميذ دائرة التخطيط المديني. 

شرح الجيش الإسرائيلي بان حزب الله حاول مؤخرا ان يدخل الى سماء إسرائيل أربع طائرات. اثنتان منها اسقطتا. الثالثة اختفت عن الرادار والرابعة نجحت في مهمتها. فُهم انها غير مسلحة وهكذا تقرر عدم اعتراضها كي لا يتم تفعيل الصافرات. “توجد لنا ساعات من المادة المصورة”، تباهى نصرالله بخطابه أول أمس، “حيفا، محيطها، ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا”. ووعد بفصول أخرى في المسلسل. 

تدوير السكين

اشرطة من هذا النوع ليست انتاجا مصادفا. فهذه عملية متداخلة القدرات العسكرية، جمع المعلومات الاستخبارية الدقيقة والقدرة العليا على التقديم والصياغة. كل هذا لاجل خدمة الهدف الأعلى لحزب الله هذه الأيام: اقناع الجيش الإسرائيلي لتخفيض مستوى القتال الى الحد الأدنى. 

إسرائيل ليست معتادة على ذلك، لكن الجيش الإسرائيلي سجل إنجازات معتبرة في القتال في لبنان. في كل يوم ينجح ذراع الاستخبارات في كشف مزيد من شخصيات حزب الله، المس بها عند السفر او التواجد في مبنى عادي وقتلها. كلهم على بؤرة الاستهداف وهم يشعرون وكأنهم هدفا في ميدان التدريب على النار. بهذه الطريقة فقد حزب الله قرابة 400 من رجاله في كل المستويات. بعضهم كبار جدا. الحرج في صفوفهم كبير، حتى وان لم يعترفوا بذلك. 

إسرائيل لا تدخل فقط السكين الى جسم حزب الله بل وتدورها أيضا. مرتين. بعد دقائق من ملاقاة الهدف حتفه، ينشر بعيدا من هناك في قنوات سعودية من كان وما هي وظيفته. لقناة “العربية” او لشركتها الفرعية “الحدث” يوجد مراسلون في إسرائيل، وهم يتلقون المعلومات مباشرة من محافل إسرائيلية فورا الهجوم. ولما كان اختيرت لذلك وسيلة اعلام عربية فان المعلومات تصل على الفور الى لبنان، دون حاجة الى ترشيحات. ولماذا السعودية؟ هذه هي الدورة الثانية للسكين. فما هو خير اكثر من إعطاء مجال النشر لمكروهي المعسكري المؤيد لإيران. 

إضافة الى الاغتيالات، دمر الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، بكل معنى الكلمة. في بعض من القرى، تبدو احياء كاملة مثلما في قطاع غزة في هذه الأيام. هوجمت أيضا منشآت لحزب الله ومقرات لهم. الضغط الأساس على نصرالله يمارسه النازحون. 100 الف على الأقل، معظمهم شيعة من قرى الجنوب، فروا من بيوتهم. في لبنان لا توجد ضريبة أملاك ولا تعويض للمخلين. السكان يطالبون الأجوبة من نصرالله. ومع ان احتجاجهم لا يصل الى قنوات الاخبار لكنه على ضميره ويشغل باله جدا. هذه ليست حربهم وليست مشكلتهم. نصرالله، كما يذكر، خرج الى القتال على الاطلاق من اجل الفلسطينيين.

كل هذا لا يقلل من الخسائر بالارواح ومن الضرر الماضي الجسيم الذي لحق بالجانب الإسرائيلي. فاشغال الاف الجنود لساحة قتال ثانوية، مس بالمنشآت والعتاد العسكري في القواعد، اخلاء عشرات الاف السكان من بيتهم والضرر بالزراعة والسياحة. الطرفان دفعا ثمنا باهظا، ولا يزال في لبنان الثمن باهظ اكثر باضعاف. عسكريا، ماليا ومدنيا.

لو كان هذا متعلقا به فقط، لكان نصرالله تراجع منذ زمن بعيد وانهى المعركة. معقول الافتراض بانه لم يفكر بانها ستطول لهذا الزمن الطويل، وعول على انكسار إسرائيلي قبل ذلك بكثير، مثلما اعتاد. كما انه لم يخمن بان يصل الجيش الإسرائيلي الى هذا المستوى الناجع من المس برجاله. يحتمل أن يكون فوجيء في 7 أكتوبر من حماس، بل واحتقرهم على جرائم القتل والجنس التي ارتكبها رجالهم في بلدات الغلاف. هذا ليس أسلوبه او أسلوب رجاله. 

لكنه قيد نفسه. من اللحظة الأولى وعد زعيم حزب الله جمهوره والفلسطينيين أيضا بانه يقاتل من اجل غزة. كي يستنزف الجيش الا سرائيلي ويخفف حجم قواته، كي يضرب الاقتصاد الإسرائيلي ويحرج حكومة إسرائيل. لقد نجح بالفعل في مهامه لكن الثمن باهظ. حجم القتال والدمار اكثر مما قدر.

في حزب الله اتخذوا قرارات بعدم رفع مستوى اللهيب. من اللحظة الاولى فرضوا على انفسهم القتال  على مقربة من الحدود. واعتقدوا أن هكذا سينجحون في مساندة الفصائل في غزة والا يتورطوا في حرب واسعة. لكنهم فوجئوا: الجيش الإسرائيلي جاء جائعا وشرع في حملة صيد. الحرج في بيروت عظيم.

في الأسابيع الأخيرة اطلق نصرالله ورجاله رسائل لإسرائيل بانهم لم يعد بوسعهم لجم انفسهم. ومستوى الفيض جاء عند مقتل سامي طالب عبدالله في عشية عيد الأسابيع. هو الضابط الأعلى لحزب الله التي نالته يد إسرائيل. وعندها اتخذوا في المنظمة قرارا بتشمير الاكمام. دخل الامريكيون على الفور الى الازمة وبدأوا يمارسون الضغط الشديد، تخوفا من أن يحقق حزب الله تهديداته. ومنذئذ تجري اتصالات في عدة قنوات وفي عدة مستويات. احدى قنوات الوساطة تتم من خلال مبعوث بايدن، عاموس هوكشتاين. الإسرائيلي السابق، مستشار الطاقة في مهنته، هبط هذا الأسبوع في القدس والتقى بالقيادة الإسرائيلية. بعد ذلك واصل طريقه الى بيروت ثم عاد الى القدس. 

نصرالله ورجاله يعرفون جيدا وضع إسرائيل. يعرفون انها هي أيضا في ضائقة. إسرائيل بالفعل في ضائقة. القوات المقاتلة مستزفة، وجيش الاحتياط بدافعية جزئية. بايدن يهدد بتقليص توريد الذخيرة، وفي الاقتصاد الإسرائيلي تبدو مؤشرات الركود. حزب الله أيضا مستنزف ولا يريد أن يخوض حربا في هذه اللحظة. نصرالله، بطريقته الهجومية والمفعمة بالغرور، يقترح على إسرائيل صفقة ضعفاء: تعالوا ننزل عن هذا بشكل جميل. الشريط المصنوع جيدا يستهدف اطلاق رسالة ردع لحالة أن ترفض إسرائيل تخفيض شدة القتال. يوجد لنا بنك اهداف في عمق إسرائيل، مدنية وعسكرية، كما يلمحون في حزب الله. وفي خطابه أول امس حذر نصرالله وفي واقع الامر قال صراحة ما عبر عنه الشريط ضمنا. فقد قال: “الكيان لا يمكنه ان يدافع عن نفسه وحده. نحن سننتظره في الجو، في البحر وفي البر. القرار موضوع الان في ايدي حكومة إسرائيل. فقد عولت على التفوق العملياتي على اعدائها، وهي مطالبة بان تقلصه. حزب الله لا يقترح وقف نار، بل نزول سلس في شدة القتال. إسرائيل لا تسارع الى التوافق. فهي ليست معتادة على مثل هذه العروض من هذا العدو المعين، وهي تريد أن يدفع الثمن على وقاحته. الجواب الإسرائيلي لن يعطى علنا. وحسب مستوى اللهيب سنعرف ما هو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى