معاريف: سلاح التجويع يرتد على إسرائيل
معاريف 6-4-2024، بقلم: جاكي خوجي: سلاح التجويع يرتد على إسرائيل
وجد الرئيس الأميركي جو بايدن صعوبة في كبح جماح غضبه. ففي فجر يوم الأربعاء انضم هو أيضا الى قائمة الزعماء الذين شدوا على اسنانهم في ضوء الكارثة في دير البلح. طائرة من الجيش الإسرائيلي أطلقت النار بالخطأ نحو قافلة إغاثة دولية فقتلت سبعة عاملين. “اشعر بالغضب”، قال بايدن، وليس صعباً أن نفهم الى أي اتجاه تسير أقواله. فقد قال ان إسرائيل لم تفعل ما يكفي لحماية العاملين.
المأساة في هذه القصة أكبر مما يمكن وصفها. عاملو منظمة المطبخ المركزي العالمي ساعدوا إسرائيليين دمرت بيوتهم بعد 7 أكتوبر. قدموا لهم الغذاء المجاني وغيره من الاحتياجات، وحظوا بعطف الكثير من سكان الغلاف. يوم الاثنين في منتصف الليل سافرت القافلة نحو ميناء غزة، حيث كان يفترض أن تصل في الغداة سفينة إغاثة محملة بالاغذية والأدوية. في طريقهم امسك بهم ملاك الموت.
قضيتم على المهنة، قال لنا اصدقاؤنا بعد قتل عاملي المطبخ. لقد تطور الحدث الى حجوم عملية مضادة دولية وسرع المطالبة من إسرائيل بوقف الحرب. كشف احدى المشاكل المركزية لجهاز الامن في إدارة المعركة – الجانب الإنساني. لقد تعلمت إسرائيل في هذه الأيام بان بطن الغزيين ليس مشكلتهم وحدهم. مثلما هي حجوم الخراب في القطاع لن تكون فقط مشكلة سكانه. وكما هو الحصار الذي فرضناه عليهم حتى 7 أكتوبر لم يضر بهم فقط بل أصبح سيفاً مرتداً. في القطاع هذه الأيام، مشاكله هي أيضاً مشاكلنا. من سيهرب منها سيكتشف انها تلاحقه.
على الشجرة الإنسانية تسعى الأسرة الدولية لأن تعلق إسرائيل هذه الأيام. اصدقاؤنا يتساءلون كيف مرت نصف سنة والجيش الإسرائيلي، بصفته القوة المسيطرة في قطاع غزة، لم يجد بعد الطريق المناسب للسماح بإدخال منتظم للغذاء لسكان القطاع. اليوم يدخل الى هناك بين 60 الى 180 شاحنة غذاء في اليوم. الطلب هو لـ 500 شاحنة، مثلما كان يدخل قبل الحرب. إسرائيل لا تريد أن تسوي المشكلة وتورد الاحتياجات الغذائية للسكان. فهي ترى في هذا وسيلة ضغط لتجويع حماس. وهي ترفض كل تسوية مع السنوار تكشف اتصالا به، حتى لو وقعت بشكل غير مباشر.
لقد مل كل اللاعبين في المنطقة هذه الحرب، وهم يخشون من أنها لا تسير الى أي مكان. لكن ليس لديهم أي فكرة عن موعد انتهائها وما هو هدف إسرائيل النهائي. في الشهرين الأخيرين بدأت تنشأ في القطاع جيوب جوع. ليس لأغراض الدعاية بل جوع حقيقي. حكومات في الغرب وفي الدول العربية بدأت تتصدى للمسألة، اين كنتم عندما جوع الإسرائيليون مواطني غزة. الصبر اخذ بالنفاد.
الرصيف والمال
بين السطور تقبع هنا مسألة اقتصادية كبرى. ليس صدفة ان غضب الأميركيون، وقبلهم الاماراتيون، على قتل السبعة. غزة المفلسة، بقدر ما يبدو هذا مفاجئاً، هي فرصة تجارية هائلة للمستثمرين من كل العالم. فقط اذا ما سمحت إسرائيل باعمارها. هذان الطرفان يتعاونان في بناء المرفأ الإنساني في غزة. الأميركيون سيقيمون في الأسابيع القادمة رصيفاً مؤقتاً وسيفعّلون خط سفن من لارنكا في قبرص. اما اتحاد الامارات فستمول الارساليات نفسها. سفينة أميركية تشق طريقها الى هنا هذه الأيام كي تعالج الجانب اللوجستي. هذا الأسبوع، مع نبأ الكارثة في دير البلح أعلنت أبو ظبي عن تجميد المشروع. التجميد مؤقت، وهو يستهدف رفع علم بمعنى توجه التهمة نحو إسرائيل، وهكذا ممارسة ضغط إضافي عليها لإنهاء الحرب.
تأتي إقامة الرصيف البحري الإنساني للسماح للاماراتيين والأميركيين بدق وتد تجاري في قطاع غزة. فهم يراهنون على ان غزة ستعمر في السنوات القادمة، ومنذ الآن يضعون قدماً في باب الخروج المركزي لها – الميناء المستقبلي. المصريون أيضا يعولون على امتيازات مستقبلية وكذا الفرنسيون. الكل سيرغب في ان يأتي بالشركات الحكومية كي تستثمر في القطاع. 90 مليار دولار، قال الرئيس المصري السيسي، مطلوبة لاجل اعمار القطاع. وسمعت أقواله كسبب للقلق، لكنها عمليا أخفت الطاقة الكامنة.
من ناحية إسرائيل جاءت هذه الكارثة في الوقت الأكثر حساسية. بعد بضعة أيام من التدمير الهائل الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء (في العالم قلقون من الصور وبقدر اقل من الحقيقة الصادمة بان المؤسسة الطبية كانت قاعدة عسكرية لحماس)، وبعد بضعة أسابيع من قتل جنود الجيش بالخطأ، مدنيين معدمين انقضوا على قافلة قمح في ظلمة الليل في غزة. وقبل الحملة في رفح التي يسعى الجيش الإسرائيلي لان يخوضها في مدينة مزروعة بالخيام، التي اغلبية سكانها نازحون. من سيصدقنا الآن باننا سنعمل في رفح بشكل جراحي.
“لا يمكن حشر 50 في المئة من سكان قطاع غزة في 10 في المئة من المساحة، والتوجه الى هناك ومهاجمتهم”، قال اول أمس رئيس حكومة قطر محمد بن جاسم آل ثاني. “هذا غير ممكن دون ارتكاب إبادة جماعية واسعة، الى جانب الإبادة الجماعية التي سبق أن ارتكبت قبل ذلك في غزة، هذه هي اللغة.
نصف سنة منذ نشوب الحرب، ووضع إسرائيل، على اقل تقدير، ليس لامعاً. في هذا الأسبوع فقدنا المزيد من الائتمان السياسي. حكومات في المنطقة تتحدث عن إبادة جماعية في القطاع وفي الشوارع يدعون الى احضارنا الى لاهاي. الجيش الإسرائيلي، الذي فقد حتى الآن 600 مقاتل، يبدو مستنزفاً ومنحرجاً لا مثيل له بعد الإصابة الفتاكة لقافلة المنظمة الإنسانية. “إسرائيل لا تقاتل، إسرائيل تقتل”، قال هذا الأسبوع دبلوماسي أوروبي لاصدقائه في أحاديث مغلقة. وإذا لم يكن هذا بكاف، فقد تسلل توتر حاد الى علاقات إسرائيل وقطر بالذات في ذروة المفاوضات لتحرير المخطوفين. حزب الليكود أجاز في الكنيست “قانون الجزيرة” بتأييد وعلم رئيس الوزراء نتنياهو. رئيس وزراء قطر رداً على ذلك، هاجم نتنياهو بلغة غير مسبوقة، دون ذكر اسمه. “لا يمكننا ان نترك مصير المنطقة في ايدي بضعة سياسيين مغامرين، يحاولون تعرض مصيرها للخطر باسم مصالحهم فقط”. قال محمد بن جاسم. “لهؤلاء السياسيين توجد آلية الاتهام الذاتي. بدلاً من التعاون بشكل بناء، اقتراح الحلول وعدم وضع العراقيل، يلعبون بالاتهامات”.
بعد كل هذا، لا غرو ان انهارت هذا الأسبوع مفاوضات وقف النار للمرة الثالثة. “المحادثات عالقة حيثما كانت في قمة باريس في شباط”، قال رئيس وزراء قطر، وكشف للحظة السر: على مدى شهرين دار الطرفان الواحد حول ذي نفسه. لم يكن أي تقدم حقاً.