ترجمات عبرية

معاريف: تكتيك، ليس استراتيجية

معاريف 20/9/2024، جاكي خوجي: تكتيك، ليس استراتيجية

مشكوك أن تكون إسرائيل وجهت لحزب الله في أي  مرة في الـ 40 سنة صراع معه ضربة كهذه التي وجهتها هذا الأسبوع، وذلك حسب المنشورات.  فالتفكير بان أناس حزب الله ممن كانوا عنوانا للعملية كانوا يسيرون على مدى اشهر مع أجهزة استدعاء على أجسادهم، دون أن يعرفوا بانه توجد فيها قنابل صغيرة تفعل من بعيد بكبسة زر من تل أبيب. ذهبوا ليناموا بينما قنبلة الى جانبهم، احتسوا قهوة الصباح وهي موضوعة على طاولتهم، مارسوا الحب مع زوجاتهم بينما هي ملتصقة باجسادهم.

حتى الاسم الدقيق للعملية كان من الصعب ادراكه. فمن هجوم البيجر يوم الثلاثاء اصبح في الغداة “هجوم الوكي توكي”. وفي ذات المساء انضمت اليهم بطاريات ليثيوم تفجرت وأجهزة أيفون. لبنان تملكه الفزع. كل جهاز كهربائي استورد من الخارج اشتبه به بانه قنبلة خفية. اذهب لتعرف اذا كان ذاك الذي يقف الى جانبك، مع جهاز في جيبه، ليس رجل حزب الله سيشغل بعد قليل الجهاز في جيبه. يمكن فقط ان نتخيل الفزع الذي ادخل فيه السكان في لبنان.

من ناحية استخبارية تعد هذه عملية لامعة منسوبة لجهاز الامن الإسرائيلي. ليس صدفة ان عربد نصرالله أمس في تعابيره الى رد فعل أليم. فقد كان ينبغي لنا أن نرى النكات التي تراكضت على حسابه وعلى حساب رجاله. “يا حسن، لا ترد على إسرائيل”، توجه اليه احد نجوم الشبكة. اذا كنت رجلا، فرد على الهاتف”. آخرون صمموا صور أجهزة هاتف قديمة التي استخدمناها في السبعينيات والثمانينيات وهي معلقة بثقل  على الحزام. 

ان قدرة الاختراق لمنظمته، التحكم من بعيد بالحياة الحميمية اليومية لرجاله، الحرج الذي لحق به امام الجمهور اللبناني. كما كان هناك أيضا موضوع شخصي. المئات منهم تعرضوا للانفجار في الوجه وافسدت وجوههم. حزب الله، الذي يدعي صبح مساء بان افعاله تحمي اللبنانيين ويتباهى بانه يردع إسرائيل جلب الموساد والجيش الإسرائيلي الى كل بيت. 

وضع جديد في المعركة

لكل منظمة مقاتلة يوجد شرف، ليس فقط للعرب منهم. لكن في حزب الله مفعمون بالعزة على نحو خاص. فهم ممتلئون باحساس الشرف، مما يعود  في بعضه الى أجيال من الدونية الطبقية للطائفة الشيعية في لبنان. في السنوات الأخيرة شعروا بانهم يشترون عالمهم. إسرائيل أيضا. ها هم يقاتلون ويطردون ويفعلون كما يريدون على طول الحدود. استخفوا بنا. استخفوا بكارهيهم في الغرب وبالطبع حكومة لبنان. وعندها نشبت الحرب وفي مغامرتهم الكبيرة قرر نصرالله ورجاله بالحاق لبنان بحماس. الجيش القى بثقله على التفوق الاستخباري وبدأ يصيبهم الواحد تلو الاخر. وهذا الأسبوع سد افواههم، بكل معنى الكلمة. 

الان نصرالله في شرك: من جهة تأذى بشرفه. من جهة أخرى كل رد من جانبه سيجر ردا اكثر حدة باضعاف من عدوه المرير. كان مسلٍ ان يقرأ المرء هذا الأسبوع مقال إبراهيم الأمين، الصحافي الأكثر قربا من حزب الله وعمليا الناطق غير الرسمي بمواقفه. الأمين، كاتب كفؤ وذكي، اشتكى من ان إسرائيل لا تسارع للتصرف وفقا للمعادلات. فقد اقترح حزب الله خوض قال في منطقة الحدود فقط، أي تدمير بلدات الشمال، اما إسرائيل، المتمردة، فقد رفضت ووسعت دائرة النار. والان، كما يلمح، من شأن حزب الله ان يستخدم السلاح الذي حاول الابتعاد عنه. غزو بري من مقاتلي منطقة الجليل، او استخدام الصواريخ الدقيقة لضرب اهداف عسكرية او مدنية في عمق إسرائيل. 

“المقاومة لن تستسلم للمشاعر”، كتب الأمين، في محاولته لان يقول ان الرد سينظر فيه برباطة جأش. “لكن العدو يعرف جيدا بانه دفع المقاومة لان تهجر اطار قواعد الحرب القائمة منذ سنة واننا نقف امام وضع جديد”. 

نصرالله يوجد اليوم في الدرك الأسفل الاعمق منذ سنين طويلة. معظم الجمهور ليس معه. فقدَ بعضا من العقول الأهم لديه، ومئات من رجاله أيضا. مشكوك أن يكون الهدف الوطني الذي لاجله القى بقواته الى المعركة – انقاذ حماس – قد تحقق. حماس تسير من سيء الى أسوأ. ونصرالله يعرف ان كثيرين آخرين، في الشارع العربي، في لبنان أيضا، وفي ايران بالطبع – يتوقعون منه أن يمحو العار. بخلاف السنوار، الذي يقاتل وحده في غزة، نصرالله ليس وحيدا. الإيرانيون معه. والحوثيون أيضا. جيوش من المؤيدين في العراق وفي أماكن أخرى أيضا. اذا ما علق في حرب وجود، سيأتي كل هؤلاء لنجدته. كما أن له أصدقاء من درجة ثانية كفيلون بان يساعدوا في المشورة، في السلاح وفي الضغط الدبلوماسي. روسيا مثلا، قطر والجزائر.

هذا يجلبنا الى انباء سيئة: “هجوم البيجر” وان كان سيذكر لسنوات طويلة الى الامام، لكن ليس هو ما سيعيد سكان الشمال الى بيوتهم. هذه عملية لامعة أساسها تكتيك، لكنها ليست استراتيجية. حسن لو كانت خطوة بدء لحرب، تذهل العدو وتضعفه قبل أن يتلقى ضربات رهيبة على رأسه. لكنها لم تكن هكذا. مسؤول كبير في حزب الله، هاشم صفي الدين، هدد أول أمس في أن الهجوم سيوقظهم لان يهاجموا بلدات اكثر وبذلك يوسع نطاق الاخلاء في أراضي إسرائيل.

يخطيء من يعتقد أن إسرائيل يمكنها بسهولة ان تصفي حزب الله في هذه الأيام. فحزب الله ليس حماس، واراضي لبنان واسعة ولا تشبه غزة. مقاتلوهم اكثر خبرة من مقاتلي السنوار، والسلاح الذي لديهم اكثر تطورا. صحيح أنهم سيتكبدون ضربات قاضية، لكنهم لن يقاتلوا وحدهم. فهذه حرب وجود ورفاقهم سيتجندون من اجلهم. ارساليات المساعدة تلك كفيلة بان تضاعف عدد المسلحين الذين سيقفون في وجه الجيش الإسرائيلي في لبنان. ويدور الحديث عن إضافة عشرات الاف المقاتلين. والمجتمع الإسرائيلي، هل بوسعه أن يصمت امام كلفة حرب كهذه؟ جيش احتياط منهك، والجيش النظامي يقاتل منذ سنة في غزة. حرب تكلف مالا كثيرا جدا. مشكوك ان يكون الاقتصاد الإسرائيلي مبنيا لها. هذه ستكون حربا طويلة وقاسية، اذا ما بدأت، لم نشهد لها مثيل. 

حزب الله كسب عن حق الاثمان الباهظة التي يدفعها وتلك التي سيدفعها. بسبب الخراب الذي زرعه في بلدات في الشمال، وبسبب الضائقة التي ادخل اليها لبنان كله. كثيرون في المنطقة يتمنون رؤيته يسقط، ليس فقط في إسرائيل. لكن يجدر بنا ان نعرف الى اين نسير. يمكن ان ندير حيال حزب الله بضعة أيام قتال، ربما اكثر. كما يمكن ادخال قوات برية الى لبنان وايلامهم بالطبع. لكن لاجل ان نصفيهم يستغرق الامر سنوات والثمن سيكون عاليا جدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى