ترجمات عبرية

معاريف: تغيير الاتجاه حان وقت السلام مع سوريا

معاريف – الون بن دافيد – 4/7/2025 تغيير الاتجاه حان وقت السلام مع سوريا

“لن تكون حرب بدون مصر ولن يكون سلام بدون سوريا”، هكذا شخص السياسي الأمريكي الأعلى هنري كيسنجر الشرق الأوسط في السبعينيات من القرن الماضي.  منذ ذلك الحين حظي كيسنجر بان يرى في حياته الطويلة هذا الثنائي المتضارب يتفكك: سلسلة من اتفاقات السلام وقعت بدون سوريا وغير قليل من الحروب دارت فيما أن مصر تشاهدها من بعيد. 

الان، حين تبدد الدخان من فوردو يمكن أن نرى الألوان التكتونية للمنطقة تتحرك، ونشأت في اسرائيل فرصة نادرة لاعادة تصميم مكانها هنا. دخلنا الى حرب 7 أكتوبر فيما كان الشرق الأوسط ينقسم بين محورين: المحور الشيعي بقيادة ايران والمحور السُني المعتدل بقيادة السعودية. سقوط بشار الأسد في سوريا شكل إقامة محور ثالث جديد: محور الاخوان المسلمين بقيادة قطر وتركيا ومشاركة سوريا الجديدة وحماس. 

المحور الشيعي ضرب بشدة: حماس والجهاد الإسلامي في غزة لم يعدا يعملان كجيش، حزب الله تلقى ضربة قاسية لقوته العسكرية وتآكلت مكانته في لبنان، سوريا انتقلت الى اياد سورية والان انكشفت ايران أيضا في ضعفها. الدليل: الفروع التي تبقت لها أبد انعدام رغبة واضحة للانضمام الى الحرب ضد إسرائيل. في اثناء الـ 12 يوما من الحرب اطلق الحوثيون من اليمن صاروخين نحن إسرائيل، الميلشيات في العراق رفعت العتب باطلاق بعض المُسيرات (رغم أنها قادرة على أن تطلق اكثر)، وحزب الله صمت تماما.

توجد لإسرائيل فرصة نادرة لنقل المنطقة الى نقطة توازن جديدة. الرئيس ترامب، باحاسيسه الحادة يشخص منذ الان الفرصة لصفقة كبرى ويرى في نهايتها جائزة النوبل اللامعة في قصر بلدية أوسلو. يخيل أن رئيس الوزراء نتنياهو هو الاخر يفهم انه لا يمكنه الان ان يقف في طريق ترامب نحو الكأس المقدس، وسيكون مطالبا بان يتعالى على الاعتبارات التافهة المتعلقة بصيانة ملائكة التخريب في ائتلافه.

ان ضم السعودية الى اتفاقات إبراهيم والتطبيع مع الدولة العربية الأهم يمكن أن تعيد تموضع إسرائيل كدولة رائدة في المنطقة. هذا سيفتح لنا آفاقا اقتصادية واسعة وعالما من الإمكانيات مع الفلسطينيين في الضفة وخلق واقع جديد في غزة. هذا على الاطلاق في متناول اليد ويمكن أن يتجسد في غضون أسابيع.

السعوديون، الذين تربوا على مدى السنين على كراهية إسرائيل، اجتثوا في يوم واحد التحريض من مناهجهم التعليمية. ولا يوجد خبراء مثلهم لتحقيق مسيرة نزع التطرف المطلوبة جدا في غزة. مقدراتهم الهائلة يمكن أن تدعم هجرة سكان غزة وفي نفس الوقت إعادة تأهيل أولئك الذين يختارون البقاء. 

مستقبل افضل

لكن الاحتمال لاتفاق مع سوريا دراماتيكي حتى اكثر من ناحية ضمان مستقبل إسرائيل في المنطقة. صحيح، زعيم سوريا هو ذو ماض مشكوك فيه، ورجاله بقوا جهاديين في الحاضر أيضا، لكن يخيل أن الشرع يقرأ على نحو صحيح تطلع الطوائف والقبائل التي تتشكل منها سوريا المدمرة لضمان مستقبل افضل لابنائهم. مستقبل الشرع هو الاخر مشكوك فيه: في كل لحظة معطاة يمكن لواحد من رجاله ان يغتاله. هو واع لذلك ولا يزال يختار مواصلة مسيرة تحوله من إرهابي الى سياسي جسور.

الشك فيه مفهوم. ولهذا فمطلوب جسارة اسرائيلية أيضا. عشية الزيارة التاريخية للرئيس المصري أنور السادات الى القدس، العدو الأعظم الذي سفك دماء الاف الإسرائيليين، شكوا في قيادة الجيش في ان تكون هذه مناورة تضليل. حتى أولئك الذين آمنوا بصدق دوافع السادات تساءلوا ماذا سيحصل اذا ما اغتيل. وبالفعل دوافعه تبينت صادقة، وحتى اغتياله لم يوقف السلام الذي يبقى قائما ومستقرا منذ 46 سنة. توجد سياقات هي اقوى من الزعماء الذين يقودونها.

سوريا، على تعقيداتها الطائفية، التي على مدى اكثر من نصف قرن كانت دولة عربية علمانية، تتطلع للعودة الى مكانها الطبيعي، في حضن الدول السنية المعتدلة. الشيعة غرباء عليها والايرانيون مكروهون فيها بعد أن سفكوا دماء مئات الاف السوريين. وقد تحرر منذ الان من التدخل الإيراني وهي ناضجة للتحرر أيضا من العناق الروسي. هي تشكل فرصة لإسرائيل لتثبيت مكانها في المنطقة ولتحقيق رؤيا كيسنجر. 

بعد اكثر من عقد من الحرب، سوريا تواقة لاعمار عاجل وعليه فانه يمكن تعزيز كل اتفاق سلام او حالة لا حرب معها، بمشاريع تحفز الاستقرار: مشاريع بنية تحتية برية في مجالات المواصلات، الطاق والاتصالات، تعيد إقليم الشام (الهلال الخصيب) لان يكون جسرا بريا يربط آسيا والشرق الأوسط في أوروبا. 

مال خليجي يمكنه ان يبدأ اعمار خرائب سوريا، مال أوروبي يمكنه أن يقيم فيها مؤسسات تعليم وبحث تخدم عموم المنطقة، وهذا المشروع الهائل يمكنه أن يحول سوريا الكبرى (سوريا، لبنان، الأردن وإسرائيل) من ارض محروقة الى محرك ازدهار إقليمي كجزء من النظام العالمي الجديد الذي يتشكل امام ناظرينا. 

أعرف انه بعد سنتين من سفك الدماء، يبدو هذا كرؤيا ساذجة. سوريا لا تزال توجد تحت نظام قمعي، المنطقة كلها في وضع هش، لكن الشعوب في المنطقة، ومن بينهم نحن، منهكون من سنوات سفك الدماء وتواقون للامن. 

مصر كنموذج

عندما دعا رئيس الوزراء الرحل مناحم بيغن الرئيس المصري لان يخطب في الكنيست 1977كان هناك شكاكون كثيرون لم يصدقوا بانه يمكن الجسر على العداء الذي بيننا وبين الدولة العربية الأكبر. لقد شخص بيغن الفرصة التاريخية واتخذ القرار الثاني في أهميته في تاريخ إسرائيل الحديثة (بعد اعلان الدولة): اتفاق السلام الذي وقع مع مصر غير وجه الدولة: طير اقتصادها عاليا وثبت مكانتها في المنطقة.

بيغن كان يعرف ان التاريخ يعود للزعماء الذين يتجرأون على الحلم، على شق الطريق والعمل أيضا. في لحظة الحقيقة توجه ضد ايديولوجيته وضد “القاعدة” – واتخذ الخطوة التاريخية الصائبة. نتنياهو هو الاخر، ابن المؤرخ، المعجب بالزعماء الذين يشقون الطريق، لكنه حتى اليوم لم يبادر الى أي رؤيا ولم يتجرأ على السباحة ضد التيار، بل حرص دوما على ان يسبح مع التيار الأقوى الذي عصف به في تلك اللحظة.

الان، بعد أن جلب له الطيارون الكبلانيون ايران على اجنحة الفضة، فهذه لحظته لان يثبت بانه بالفعل رجل دولة وليس فقط رجل سياسة حزب تافهة: ان يدعو الشرع لزيارة القدس وان يسجل في التاريخ كزعيم مخترق للطريق، كزعيم يعرف كيف يحول الكارثة الى رؤيا من الامل. 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى