معاريف: تصفية هنية شوشت خطة ايران وحماس، باسناد الصين للسيطرة على السلطة الفلسطينية
معاريف 2/8/2024، آنا ريفا برسكي: تصفية هنية شوشت خطة ايران وحماس، باسناد الصين للسيطرة على السلطة الفلسطينية
حتى لحظة كتابة هذا المقال ليس معروفا من صفى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، الرجل المهندم الذي مهمته في السنوات الأخيرة تلخصت أساسا في تمثيل خارجي وانيق للمنظمة. يحتمل جدا الا نعرف هذا حتى بعد أن ينشر المقال التالي، ولعل مسألة المسؤولية عن تصفية هنية ستبقى ابدا مثابة لغز دون حل – وخير أن هكذا. إسرائيل عقبت على الانصراف المبارك لاحد كبار رجالات حماس بصمت استعراضي وبتجاهل تام – وطهران أيضا لم تكن بحاجة الى الأدلة. الزعيم الأعلى لإيران علي خامينئي وجه على الفور اصبع الاتهام الى “العدو الصهيوني” وتوعد بثأر شديد. وهكذا أيضا مسؤولو حماس الخارج وعموم منظمات الإرهاب الأخرى.
معقول الافتراض بان في إسرائيل لم يتوقعوا سيناريو آخر من تحقيق عميق يسبق الإعلان عن المذنب لاجل عرض ادلة مؤكدة تشير الى بصمات إسرائيلية. على أي حال، من خلف هذه العملية اللامعة والدقيقة توجد ثلاث مسائل مبدئية ذات صلة من ناحية إسرائيل بالحدث وتداعياته: موعد التصفية، مكانها وتأثيراتها على صفقة المخطوفين واستمرار الحرب في قطاع غزة.
المكان هو مسألة واضحة وسهلة اكثر على الشرح ضمن كل ما تبقى غيرها. فهنية، بصفته الشخصية التمثيلية في منظمته، تمتع بحرية حركة شبه مطلقة. فقد اكثر من زيارة الدول الداعمة لحماس وعقد لقاءات مغطاة إعلاميا. في قائمة المقاصد الدائمة لرحلاته – روسيا، تركيا، ايران، مصر، فيما قرر هنية مستقرا له في الدوحة عاصمة قطر.
وعلى فرض ان إسرائيل هي التي كانت معنية بتصفية هنية فقد كان الخيار بين تصفيته في احدى الدول التي توجد لإسرائيل معها علاقات دبلوماسية وبين تنفيذ العملية على ارض ايران حتى بثمن ثأر إيراني. وبالتالي فقد تم اختيار المكان بالتأكيد في ظل اعتبار سياسي الى جانب الاعتبار العسكري والتنفيذي. اختيار ايران كساحة للاغتيال هو رهان غير سهل لكنه منطقي.
من حيث الموعد، فانه اكثر من معقول الافتراض بان اغتيال هنية لم يكن حدثا غير مخطط، قرار عفوي لحظي لمن خطط ونفذ العملية.
دون ذكر الرجل، نذكر ان إسرائيل أعلنت فور الكارثة في 7 أكتوبر بانها كلفت جهاز الامن بمهمة تصفية كل القيادة السياسية والعسكرية لحماس. وقد ظهر هنية في القائمة السوداء الى جانب صالح العاروري، محمد ضيف ومروان عيسى الذين انضم اليهم في الساعة الثانية قبل فجر يوم الأربعاء الماضي.
الحصانة انتهت
ولما كان هنية بخلاف رفاقه في القائمة السوداء مسؤولا عن إدارة المفاوضات لصفقة المخطوفين ينبغي التقدير بان هذا الدور منحه نوعا من الحصانة. على مدى كل عشرة اشهر الحرب كان بالتأكيد على بؤرة الاستهداف لكن ليس الأول في الطابور. وطالما لم يكن واضحا باي شكل ستؤثر تصفية رئيس المكتب السياسي لحماس على استمرار الاتصالات وعلى خطوات أخرى في المجال بقي هنية على قيد الحياة.
وحسب بضعة مصادر مطلعة، في إسرائيل توصلوا مؤخرا الى الاستنتاج بان تأثير هنية على خطوات اتخاذ القرارات في مجال المفاوضات آخذ في التضاول. منذ البداية لم يكن هنية من الشخصيات المقربة من يحيى السنوار فما بالك من ذوي قوة التأثير على رئيس الذراع العسكري للمنظمة في غزة. الازمة بين السنوار وهنية وقعت قبل احداث 7 أكتوبر بكثير، في الانتخابات لقيادة حماس في العام 2021. صحيح أن السنوار فاز لكن فوزه حققه بصعوبة في معركة غير سهلة حيال رجال هنية. ولم يتردد الفائز في تصفية الحساب مع “معسكر هنية”.
منذئذ ارتفعت قوة السنوار، فيما ان قوة وتأثير واحد من كبار مسؤولي حماس الخارج، رئيس المكتب السياسي الذي يسكن في قطر، تقلصا بما يتناسب مع ذلك. والسنوار حتى لم يجد من الصواب ان يشرك هنية في خطة هجمته الاجرامية على كيبوتسات الجنوب. بعد السبت الأسود كان هنية وسيطا في الاتصال مع السنوار يتفاوض وينقل الرسائل، الا ان تأثيره الحقيقي على المفاوضات طفيف منذ خطوة صفقة المخطوفين الأولى في تشرين الثاني 2023.
في الأشهر الأخيرة، وفي ظل جهد متواصل لتحقيق صفقة مخطوفين أخرى، تبينت الفجوة بين حماس الخارج وحماس غزة، بين هنية والسنوار كواسعة وجوهرية. فبينما أيد هنية المنحى الذي يقترح وقف نار محدد لستة أسابيع كمرحلة أولى من الصفقة، لم يكن السنوار مستعدا لان يسمع. الرسائل التي تلقاها هنية من النفق في مكان ما في قطاع غزة كانت لا لبس فيها: فقط وقف الحرب وانسحاب تام للجيش من القطاع. محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل ممارسة الضغط على السنوار من خلال ممارسة الضغط على رفاقه الذين يسكنون في الدوحة – لم تعطي ثمارها. في مرحلة معينة وافقت قطر على تهديد حماس بطرد القيادة السياسية كوسيلة “لا مفر منها”، لكن تبين ان هذا التهديد لا يؤثر على السنوار على الاطلاق. من ناحيته فليطردوا الى حيث يطردون- فان مطالبه بانهاء الحرب مقابل جزء من المخطوفين يبقى على حاله”.
الأهداف الأساسية للسنوار كانت منذ زمن بعيد مختلفة عن اهداف هنية. فالاول معني ببقائه الشخصي وببقاء حكم حماس في قطاع غزة – بقيادته، قيادة السنوار بالطبع. وعليه، فبصفة من يحتجز المخطوفين الإسرائيليين عمليا، جسديا قضى السنوار بانه هو وفقط هو من يحدد السياسة في المفاوضات، بينما يتلخص دور هنية أساسا في تنفيذ المهمة.
صورة الوضع هذه كانت بالتأكيد امام ناظر من اتخذوا القرارات بالنسبة لموعد تصفية رئيس المكتب السياسي لحماس. فجدوى هنية في المفاوضات للصفقة وصلت الى مستوى طفيف حتى العدم، موقفه الأقل صقرية، مقارنة بمواقف السنوار، لم تساهم على نحو خاص في تليين موقف الأخير. وحسب بضعة مصادر تحدثنا معها فان التقدير هو أن تصفية هنية لم تؤثر على نحو خاص على السنوار بل وربما العكس.
أبو مازن يتنفس الصعداء
ليس محتما أن يكون فقط انعدام جدوى هنية للمفاوضات في الصفقة هو الاعتبار لموعد تنفيذ اغتياله. خطة أخرى، بعيدة المدى وذات تداعيات اكثر دراماتيكية بكثير على المنطقة كلها، فيما لو تحققت، معروفة لإسرائيل وللولايات المتحدة منذ فترة – وحتى يوم الأربعاء من هذا الأسبوع اعتبر هنية جزءاً منها. ويدور الحديث عن جهد معروف وطويل الأمد من جانب الصين لتصبح عاملا سياسيا واقتصاديا كبيرا وسائدا ينافس الولايات المتحدة. احد الأهداف التي وقعها الصين نفسها، في الطريق للهيمنة العالمية المنشودة، هي إيجاد حل للشرق الأوسط، فيما أن استقراره يخدمها. وذلك ضمن أمور أخرى لان الاستقرار في الشرق الأوسط، كما يرونه في الصين – سيساعد ايران، الشريك الكبر لبيجين، للخروج من العزلة السياسية والاقتصادية وجمع القوة والمال.
كجزء من تحقيق الهدف الكبير هذا، توسطت الصين في السنة الماضية بين ايران والسعودية بل واعلنت عن اتفاق المصالحة التاريخية. مؤخرا، كخطوة أخرى في صالح تحسين مكانة ايران، بدأت الصين تهتم بالتدخل في المسألة الفلسطينية، بالطبع، في صالح شريكتها الطيبة طهران. ومثل محادثات المصالحة التي أجرتها بين ايران والسعودية، اجرى بيجين مؤخرا جولة اتصالات بين 14 فصيل فلسطيني، فيما ان الهدف المركزي هو المصالح بين فتح وحماس. بل وسارعت الصين الى الإعلان عن تحقيق هذه المصالحة التاريخية (مع انهم في رام الله اوضحوا بان هذه أساسا علاقات عامة للصين وان الفجوة بين ما يراد ومن ما هو ممكن لم تتقلص بالضبط).
بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فان هذه المصالحة وإقامة جسم فلسطيني سلطوي موحد – هو آخر ما ينبغي أن يحصل. فالتداعيات ستكون سريعة وواضحة جدا بالنسبة لابو مازن ورجاله: السيطرة التامة لحماس على السلطة. في ايران وفي حماس كانوا يحلمون بتحقيق الخطة الصينية – للسبب ذاته بالضبط. حسب التقديرات في إسرائيل، فان خطة السيطرة على السلطة الفلسطينية كانت جزءا من الخطة الإيرانية لصفقة تتحقق بين إسرائيل وحماس.
هنية لم يكن هناك وحده: من كان يقف من خلف موقفه اللين، ظاهرا (مقارنة بالموقف الصقري للسنوار) للوصول الى تفاهمات مع إسرائيل والتوقيع على صفقة بطيئة وطويلة الأمد، هم الاسياد الإيرانيون. حسب التقديرات، كانت الخطة لاستغلال الصفقة التي تتحدث عن وقف نار طويل يمنح حماس (وايران) زمنا وهدوءاً – ليس فقط لاجل ضمان حكم حماس في غزة، بل وأيضا لاجل الدفع قدما بمشروع سيطرة حماس على السلطة الفلسطينية. ليس أي شخص آخر غير هنية، الشخصية المحبوبة في أوساط الفلسطينيين في الضفة يعتبر مرشحا جيدا ومتفقا عليه ليكون على رأس السلطة الفلسطينية دون أن يصطدم بمعارضة شديدة من هذا الفصيل او ذاك.
تصفية هنية بالتأكيد شوشت الخطة الإيرانية لليوم التالي في غزة وفي رام الله. معقول الافتراض بان طهران لم تتخلى عن هذه الخطة، باستثناء أن هذه ستستغرق الان زمنا الى أن يتوفر مرشح آخر، معروف ومتفق عليه مثل هنية، لاجل محاولة دفعه قدما كبديل سلطوي في السلطة الفلسطينية.