ترجمات عبرية

معاريف– بقلم  يوسي بلوم هليفي – عودة المفهوم المغلوط

معاريف– بقلم  يوسي بلوم هليفي- كاتب، مؤرخ ومحلل منظومات يعنى ببحوث استراتيجية –  3/9/2021

” سلسلة طويلة من الخبراء يحذرون من الحلقات الضعيفة في سلسلة الامن القومي ومن الجمود المتواصل في الفكر والاخفاقات البنيوية التي تقود اسرائيل الى خطر وجودي”.

ما يجري في بلادنا في الاشهر الاخيرة يذكرنا بالنورس بما ورد في كتاب لوبا الياف “بلاد الغزال”، الذي نشر قبل نحو سنة من حرب يوم الغفران.ينظر النورس من علي طيرانه الى سفينة الاستمتاع، يصفر ويحذر مسافريها بينما على جسر القيادة  يقف قباطنتها سكرى بخمر مجدهم وواثقين بانفسهم وبمكانتهم، ويقودون سفينتهم في البحر العاصف مباشرة نحو التحطم على الصخور. منذ زمن طويل وخبراء كثيرون وطيبون يصرخون هنا بنداء الايقاظ للنورس، وليس ثمة من يستمع لصرختهم. ابتداء من عمانويل فالد الراحل، عبر امانتسيا حن، اوري ميلشتاين، اسحق بريك، غرشون هكوهن، آري شافيت، ايلي ديكل وغيرهم. 

الامن القومي، بروح مذهب يهوشع هركابي – من عظماء المفكرين في هذا المجال – هو جملة كاملة من المواضيع التي لا تتلخص في جوانب الحرب والاستراتيجية العسكرية. فقوة ومتانة الدولة متعلقتان بالميزان الذي بين المقدرات المستثمرة في القوة العسكرية وبين باقي المقدرات في العموم الوطني، والتي تضمن قوة صمود مواطني الدولة في وقت الازمة، بما فيها الدفاع عن الجبهة الداخلية؛ ضمان الحركة في داخل حدود الدولة وخارجها، بما في ذلك قدرة نقل القوات في خطوط داخلية وخارجية؛ ضمان التوريد الجاري للغذاء، الطاقة والمياه؛ الحركة الحرة في البر، في الجو وفي البحر من الدولة ومن خارجها. حماية صحة الشعب، المعنويات الوطنية والامن الشخصي للمواطنين في اوقات الطواريء؛ وبشكل خاص في اسرائيل – احباط الارهاب النابع من تهديدات داخلية، في الوقت الذي تستعد فيه القوة العسكرية وتتجند للحرب ضد التهديد الخارجي. 

دولة اسرائيل، في العقود الثلاثة التي انقضت منذ اتفاقات اوسلو، غيرت وجهها. انجازاتها الاقتصادية، العلمية والقومية، التي تثير الحسد والعجب في اوساط امم العالم، تقف امام ازمة اجتماعية واقتصادية عميقة تعرض للخطر وجودها وتدخل الى هذه المعادلة عرب اسرائيل كعدو داخلي. 

حملة حارس الاسوار، واحدة من حملات كثيرة تندرج على لسان مفكرينا الاستراتيجيين في اطار “المعركة بين الحروب” كشفت عن الاخفاقات البنيوية لجهاز الامن القومي لدينا، والذي يؤدي الجمود المتواصل وانعدام القدرة على التحرر منه باسرائيل الى خط وجودي كما يوصف في فصل “سياسة الامن القومي” لهركابي في كتابه “حرب واستراتيجية”. 

جمود “مفهوم الاحتواء”

منذ حرب الخليج الاولى، ليس لقوتنا العسكرية قدرة على ردع العدو من اطلاق الصواريخ نحو الجبهة الداخلية المدنية، واصبح التهديد ملموسا بسبب جمود “مفهوم الاحتواء” لدى الجيش الاسرائيلي، الاخ غير القانوني لمفاهيم “ليس هناك من ننتصر عليه” و “لا حل للارهاب الذي يسيطر على السكان المدنيين”. 

هزيمة العراق في 2003 واتفاقات السلام التي وقعت مع الاردن، مصر ومؤخرا مع دول الخليج، ادت الى مفهوم خطير يقضي بان تهديدات الحرب الشاملة ضد الجيوش النظاميةانتهت من العالم. وكنتيجة لذلك، في  اثناء السنوات الثلاثين الاخيرة، فكك الجيش الاسرائيلي قسما كبيرا من الجيش البري لقوات الاحتياط – القوة الاساس في قدرة الدولة على الدفاع عن وجودها بكل مقياس.

اذا نظرنا الى وضع قوات الذراع البري سنكتشف انه حيال القوة العسكرية الهائلة للجيش المصري في سيناء – والذي بني في ظل الخرق الواضح لاتفاقات السلام – تقف فرقة لوائية واحدة فقط ستضطر عند الطواريء الى التصدي لبنية تحتية مصرية لوجستية واسعة النطاق من الوقود والوسائل القتالية التي تسمح بان تلقي على النقب، في اقل من 12 ساعة موجة هجوم  اولى تضم جيشا من ثلاث فرق مدرعة، وهذا لا يشمل الالوية المستقلة التي تنضم اليها في القتال. يقصر اليراع عن وصف ما يمكن ان يحصل في العودة الى “تأهب روتم” 1960 بعد اجتياح الجيش الاسرائيلي استحكامات توفيق السورية، عندما فشلت الاستخبارات من العثور على دخول فرقة مدرعة مصرية وقفت في جبل لبني على خط الحدود في الجنوب يرافقها الوية مشاة اخرى. ونشر الجيش الاسرائيلي الذي تفاجأ القوات بصعوبة وبعث على عجل بمعظم القوة النظامية الى الجنوب وبالتوازي جند الاحتياط باوامر طواريء.  

القصور الاكبر للجيش الاسرائيلي، بمسؤولية وزير الدفاع الحالي ورئيس الاركان، كما يتبين من شهادة اللواء احتياط اسحق بريك هو ان الفرق البرية القليلة في الاحتياط التي تبقت بعد حل الاطر وارسال الاف المدرعات الى الخردة لم تتدرب لسنوات طويلة وكفاءاتها العملياتية توجد عميقا تحت الخط الاحمر. 

أمر صادم وقع في حملة حارس الاسوار عندما رفض وزيرالدفاع،اغلب الظن بالهام من المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، رفض الاستجابة بداية لطلب وزير الامن الداخلي والمفتش العام تعزيز الشرطة، التي وقفت بلا وسيلة امام الاف العرب الاسرائيليين الذين هاجموا جيرانهم اليهود في المدن المختلطة، في ظل تشويش حركة القوات العملياتية للجيش الاسرائيلي والشرطة في كل المحاور في البلاد ولا سيما على طرق الجنوب. وفقط بعد ذلك جند مقاتلو حرس الحدود الذين نقلوا الى المدن المختلطة.  

قصور معيب آخر انكشف عندما رفض سائقو الشاحنات التي تنقل الدبابات والعتاد، والذين تستأجرهم وزارة الدفاع من شركات مدنية، الخروج الى عملهم “كي لا يمسوا باخوانهم في غزة”. اضافة الى ذلك صدر أمر قيادي فزع لجنود الاحتياط الذين جندوا بابقاء سلاحهم في القاعدة في اثناء الاجازة بل والخروج اليها بلباس مدني، بزعم الجنود “كي لا يستفزوا ويوقظوا الاضطرابات مع السكان العرب” – والغيت تدريبات التوجيه لوحدات النخبة في الجنوب لسبب مشابه. 

لماذا لم يكن حتى ولا قائد قاعدة واحد من الجيش الاسرائيلي في اعمال الشغب الاخيرة، عمل بمبادرته ضد المشاغبين العرب، مثلما عمل اللواء يانوش بن غال في اضطرابات عرب الجليل في العام 1976 عندما بعث بالقوة التي تحت قيادته للقضاء على التمرد العنيف في الشمال واعاد النظام الى سابق عهده؟ والاخطر من ذلك، فان العودة الى “تأهب روتم” قبل 61 سنة لم تقض ابدا مضاجعسياسيينا وقادتنا، المنشغلين بشروط أجر الجنود الدائمين على حساب المقدرات اللازمة للقوة العسكرية الهابطة للجيش كعامة والذراع البري بخاصة.

ان الانسحاب الامريكي المعيب من افغانستان، وقريبا من العراق، بث – استمرارا لخضوعها السياسي في الاتفاق النووي الايراني – ريح اسناد شديدة القوة في تطلعات ايران للهيمنة الاقليمية، ومن شأن هذا ليس فقط ان يجرف السعودية ودول الخليج التي بدأت تغازلها بعد حرب ترامب، بل وايضا تغري مصر بمواصلة التآكل في اتفاق تجريد سيناء وخلق تهديد وجودي على دولة اسرائيل. خير  يفعل الكابينت الامني اذا ما بحث في وضع يفرض فيه تحالف الاسلام، باسناد القوة العسكرية المصرية في سيناء على دولة اسرائيل شروط استسلام الامر الذي هو تهديد خطير على وجود دولة اسرائيل قبل النووي الايراني بكثير. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى