معاريف – بقلم طال ليف رام – فترة اختبار
معاريف – بقلم طال ليف رام – 6/12/2019
بعد اسبوع من الهدوء النسبي في الجنوب، تتطلع العيون في نهاية هذا الاسبوع مرة اخرى الى الجدار الفاصل في قطاع غزة. بعد ثلاثة اسابيع قررت فيها حماس وقف اعمال الشغب العنيفة كي لا تنجر الى فخ يعده لها الجهاد الاسلامي، الذي يهدد باستئناف النار في كل حدث يكون فيه قتلى فلسطينيون بنار الجيش الاسرائيلي. السؤال الكبير هو اذا لم تلغي حماس المظاهرات في اللحظة الاخيرة واذا ما ارتدت مسيرات العودة، كما ألمح كبار رجالات المنظمة الاسبوع الماضي، يكون اكثر لجما وانضباطا؛ بحيث يتقلص مسبقا الاحتكاك واللقاء بين الاف الفلسطينيين ومقاتلي الجيش الاسرائيلي على الجدار. الاجوبة على ذلك سنتلقاها على ما يبدو منذ اليوم.
تتقدم اسرائيل وحماس في الخفاء نحو اتفاق تهدئة، ولكن تاريخ المواجهات بينهما، التوترات الداخلية في غزة والواقع السياسي المعقد في اسرائيل يشكل تذكيرا على أنه الى أن تكون تسوية في القطاع، فان الامكانية الكامنة لجولات تصعيد اخرى تبقى عالية جدا. عدد صغير من الاحداث الشاذة في القطاع (ولكن غير الاستثنائية في الواقع الغزي)، مثل مظاهرات مع قتلى، نار صواريخ او حتى اشتباك مع خلية مخربين على الجدار، كفيلة بان تغير الصورة في غضون وقت قصير من الاقصى الى الاقصى. ولكن في الميدان تجري منذ الان امور ترتبط بالتنمية الاقتصادية للقطاع لم نرها في الماضي، كاقامة مستشفى في منطقة معبر ايرز، مشاريع لمنظمات دولية، ضخ المال القطري وغيره – اعمال تتم منذ الان وفي اسرائيل يتوقعون ان تؤدي الى تحسن اقتصادي في القطاع، حتى وان كان محدودا وضيقا. اضافة الى ذلك، فان مواضيع كانت في الماضي مثابة أمرا محظورا من ناحية اسرائيل، وبالتأكيد حتى انهاء المفاوضات لاعادة الاسرى والمفقودين، توجد الان على طاولة المباحثات – من خط كهرباء اضافي الى القطاع، عبر منطقة صناعية مشتركة في معبر كارني وحتى مشاريع اقتصادية واعدة اخرى.
الجزيرة الاصطناعية امام شواطيء غزة، التي رفعت مرة اخرى الى العناوين مؤخرا، لا توجد هي بالذات على جدول الاعمال. ربما ترد في المستقبل البعيد. فعندنا، مثلما في غزة، يبحثون في امور بسيطة يمكن تطبيقها بشكل فوري. وليس الامور الخيالية. منذ الان يوجد لنحو 5 الاف من سكان القطاع تصاريح تجارية مع اسرائيل. ظاهرا كلهم تجار، ولكن حتى عندنا يعرفون بان جزءا من سكان غزة ممن يعبرون عبر اراضي اسرائيل الى الضفة، يعملون هناك كعمال وليس كتجار.
من المهم أن نفهم ان ليس لجهازا لامن حقا مشكلة في هذا. فالجيش ومنسق الاعمال يؤيدان امكانية ان يعمل 6 حتى 8 الاف من غزة في اسرائيل كل يوم. في المخابرات الاسرائيلية يعارضون ذلك، وفي الماضي عارض الكابنت موقف الجيش. وفي اوساط وزراء الكابنت اضا طرأ تحول في صالح موقف الجيش، ولكن انطلاقا من الفهم بان مثل هذا القرار في الوضع السياسي الراهن هو مثابة مادة متفجرة. وعليه، فاذا كنا امام معركة انتخابية اخرى، معقول الافتراض بان الاقتراح سيرفع الى الرف لاشهر عديدة الى أن تقوم حكومة مستقرة. في كل الاحوال، فان الحوار على تسوية مع القطاع يجري بالضبط في المستوى الذي لا يثير ضجيجا سياسيا وانتقادا، وليس صدفة انه ابقيت في حالة غموض شبه مطلق في الجانب الاسرائيلي. ومع ذلك، من الصعب توقع قرارات دراماتيكية في الوضع القائم بحيث ان المحاولات في هذه اللحظة تتركز على الحفاظ على الاستقرار.
في الجانب الاسرائيلي يجيدون في وصف الميول التي تغيرت منذ تصفية مسؤول الجهاد الاسلامي بهاء ابو العطا: الضربة التي تلقتها المنظمة، قرار حماس عدم الدخول في جولة تصعيد وثلاثة اسابيع بدون اعمال اخلال عنيفة على الجدار، حتى عندما وقعت احداث شاذة. وبناء على ذلك، فان الرد الاسرائيلي هو الاخر كان منضبطا جدا. في محاولة لاعطاء حماس مزيد من الفرص للسيطرة على الميدان، لم تكن العلاقات بينها وبين اسرائيل اقرب مما هي عليه اليوم. حتى لو كانت تجري بشكل غير مباشر.
صحيح أن الظروف الكاملة لتسوية بعيدة المدى مع حماس لم تنضج بعد، ولكن الجيش الاسرائيلي يلاحظ نافذة فرص مناسبة لذلك. ومع ذلك، في قيادة المنطقة الجنوبية يفهمون جيدا بان الحديث يدور عن عالم متملص من المفاهيم وان بانتظارنا ازمات اخرى مع القطاع الى أن يحصل هذا.
“القناة المجمدة”
في اسرائيل يفضلون الحديث عن غزة، عن العدو وعن التغيرات التي وقعت هناك بفضل الردع وعدم جدوى الصراع مع الجيش الاسرائيلي. يتحدثون عن الاشارات من حماس للتسوية وعن السياسة البراغماتية التي يتخذها زعيم المنظمة، يحيى السنوار. اما عن السياسة الاسرائيلية فيطيب لهم ان يتحدثوا عندنا بقدر اقل. الحقيقة هي انهم مثلما يشعر الناس في قطاع غزة برياح التغيير ففي السياسة الاسرائيلية في السنة الاخيرة طرأت تغييرات حقيقية.
اذا كانت اسرائيل في الماضي اشترطت التقدم في الخطوات الاقتصادية الهامة في غزة كخط كهرباء اضافي وحل مسألة الاسرى والمفقودين، فان هذه الاشتراطات تقلصت على طول الطريق. ولا تزال الفجوات بين الطرفين هائلة وغير قابلة للجسر في هذه المرحلة.
ان وسائل الضغط التي تبقت لاسرائيل هي نشطاء حماس الذين اعتقلوا في اثناء حملة الجرف الصامد في 2014، مخربون من محرري صفقة شاليط ممن اعتقلوا مرة اخرى بعد مقتل الفتيان الثلاثة في غوش عصيون وجثامين مخربي حماس. على هذا الملعب اسرائيل مستعدة لان تلعب، ولكن حماس تريد أكثر بكثير. لقرار وزير الدفاع نفتالي بينيت (الذي يتطلب اقرارا من الكابنت) الا يحرر جثامين مخربين من منظمات ارهاب اخرى في غزة وفي الضفة، لا يوجد تأثير حتى ولا طفيف في هذه المسألة. وهكذا يعتقدون في الجيش والمخابرات على حد سواء. وفي هذه اللحظة يتقدم المسار الى التسوية في قناة مختلفة تماما عن قناة الاسرى والمفقودين. قناة واحدة نشطة جدا والاخرى مجمدة.
جولة التصعيد الاخيرة، التي انتهت باحساس بنجاح اكبر للجيش الاسرائيلي، والتوقف الذي قد يكون مؤقتا باعمال الاخلال العنيفة للنظام على الجدار، توفر الان للقيادة السياسية مجال مناورة اكبر في اتخاذ القرارات ليس تحت الضغط وممارسة الارهاب من القطاع. للقيادة السياسية توجد مرونة اكبر للتسهيلات تجاه القطاع، ولكن مثلما في مجالات اخرى، العقدة السياسية تؤثر على قدرة اتخاذ القرارات. عشية الانتخابات المحتملة في اسرائيل، من المعقول الا تتخذ قرارات ثقيلة الوزن بشأن التسوية في غزة.
ان الخطاب الجماهيري عن التهديدات من ايران، حلف الدفاع مع الولايات المتحدة وضم غور الاردن هي مواضيع ذات جاذبية اكبر وجدوى اكبرى من ناحية سياسية مقارنة بالوحل الغزي. ولكن الارادات والاحابيل الاعلامية ايضا قد تلتقي في النهاية مع الواقع على الارض. بكلمات اخرى، ينبغي الافتراض ان يكون لما يجري في قطاع غزة في الفترة القريبة القادمة تأثير اكبر على جدول الاعمال الجماهيري في اسرائيل من سلسلة المواضيع الامنية والسياسية التي طرحها السياسيون المختلفون مؤخرا.