ترجمات عبرية

معاريف– بقلم زلمان شوفال – مزورو التاريخ

معاريف– بقلم  زلمان شوفال – 29/9/2020

من روسيا حتى الفلسطينيين، محافل متطرفة او شعبوية، من اليمين أم من اليسار، لا تتردد في اعادة كتابة التاريخ وفقا لمصالحها السياسية الراهنة. هذه المحاولات تؤثر على كيفية رؤية الدول والشعوب لماضيها ولمستقبلها ايضا “.

منذ القرن العشرين بات مقبولا النظر الى الاحداث التاريخية من منظور التطورات الاجتماعية، الاقتصادية وغيرها أيضا. ينتج عن ذلك انه من الصعب ان نرى في البحث في الاحداث التاريخية علما ظاهرا يقوم على اساس معطيات علمية واضحة. هذا ليس جدالا عبثيا، إذ انه يؤثر على كيفية رؤية الشعوب والدول لماضيهم، وربما لمستقبلهم ايضا. حركات في مركز الخريطة السياسية، سواء من اليمين أم من اليسار، تجري بين الحين والاخر اعادة تقويم لمفاهيمها في المواضيع المختلفة، ولكن ليس لدرجة الغاء كل المسلمات القائمة، ولكن محافل متطرفة أو شعبوية، سواء من اليمين أم من اليسار، لا تمتنع عن اعادة كتابة التاريخ وفقا لمصالحها السياسية الراهنة.

لقد رأينا مؤخرا مقالا للسفير الروسي في اسرائيل يقول ان روسيا هي التي ادت في أواخر الحرب العالمية الثانية الى استسلام اليابان، اي ليس الولايات المتحدة بل انتصارات الجيش الاحمر في منشوريا. كل شخص ضالع في تاريخ الحرب العالمية الثانية يعرف بان النصر النهائي حققه فوق سماء اليابان الامريكيون، وينبغي الافتراض بان هذا واضح للروس ايضا، ولكن بسبب المواجهة بين موسكو وواشنطن تجدهم يغيرون التاريخ.

محاولة حتى أكثر فظاظة من هذه لاعادة كتابة التاريخ تجري هذه الايام في الولايات المتحدة. “مشروع 1619” الذي بادرت اليه صحيفة “نيويورك تايمز”، ونسقته الحائزة على جائزة بوليستر الافرو- أمريكية نيكولهانا – جونز. ويدعي هذا المشروع بان كل التاريخ الامريكي كما يدرس في المدارس زائف، وانه ينبغي بدء التاريخ من العام 1619 السنة التي جيء فيها الى ولاية فيرجينيا اوائل العبيد السود، وان كل ما حصل بعد ذلك، بما فيه حرب الاستقلال الامريكية، دستورها، افكارها المختلفة وما شابه – هي افعال مخادعة. برأيهم، نشبت الثورة الامريكية ليس لان الامريكيين ارادوا التحرر من عبء الاستعمار البريطاني، بل لانهم خافوا من أن يمنع الحكم البريطاني العبودية مثلما حصل في بريطانيا نفسها، فيفقد الامريكيون جراء ذلك عمالهم الرخيصين. كما أن الدستور الامريكي جاء، برأي اصحاب المشروع، لحرمان السود من حقوقهم عمليا. العديد من المؤرخين الامريكيين، بمن فيهم باحثون افرو-أمريكيون مشهورون، وان كانوا لم يترددوا في الاشارة الى التشويهات الخطيرة في هذا البحث الذي يزعم العلمية، ولكن في اجواء Black Lives Matter وانعدام التسامح في اليسار تجاه الاراء الاخرى، من الصعب التوقع متى وكيف يكون بوسع الامريكيين العاديين ان يفتخروا مرة اخرى في ماضيهم دون أن يتهموا بالعنصرية او بأسوأ من ذلك.

مثال آخر على اعادة كتابة التاريخ يجري في اسبانيا اليوم. فالائتلاف الحاكم الذي يتشكل من الحزب الاشتراكي واليسار المتطرف، قرر تشريع قانون  باثر رجعي حول الحرب الاهلية التي نشبت في   1936 بين الثوار الفاشيين برئاسة الجنرال فرانكو والحكومة الديمقراطية المنتخبة. وكما يذكر، تدهورت الحرب  الاهلية في غضون وقت قصير الى مواجهة دولية، حيث ساعدت المانيا وايطاليا الثوار، فيما ساعد الاتحاد السوفياتي الحكومة. لقد انقضت الحرب الاهلية منذ زمن بعيد وكذا ذكرياتها، ولكن القانون المقترح يدعو الى التقديم الى المحاكمة لكل جهة تتماثل تاريخيا مع الثوار، لتغيير تعليم التاريخ في المدارس، يعلن عن هدم المقابر التي يدفن فيها المقاتلون من الجانب الفرانكوي  ويوشك على الغاء قرارات العفو التي اتفق عليها حين تحول اسبانيا الى ديمقراطية.  من نواحٍ عديدة، كان فرانكو بالفعل في الجانب المظلم من التاريخ، رجاله قتلوا عشرات الاف المعارضين، ولكن هكذا فعل ايضا الفوضويون والشيوعيون الذين على مدى الزمن دحروا رجال الحكومة الديمقراطية عن مواقعهم. ولكن يوجد ايضا جانب آخر: اسبانيا فرانكو لم تسلم لاجئين يهود للنازيين، كما فعلت سويسرا مثلا. لم تبعث اليهود من مواطني اسبانيا الى اوشفيتس، مثلما فعلت فرنسا لليهود الفرنسيين. وهام بقدر لا يقل: رفضت مناشدات هتلر الانضمام للحرب ضد الحلفاء وسد مضائق جبل طارق. لو فعلت هذا لاقصتهم عن البحر المتوسط وربما عن الشرق الاوسط بأسره.

ولكن على رأس مزوري التاريخ تقف على ما يبدو الحركة الوطنية الفلسطينية؛ فللمؤرخين الفلسطينيين الحق الكامل في الاختلاف مع تصريح بلفور او مع سياسة بريطانيا او الولايات المتحدة في مواضيع بلاد اسرائيل والشرق الاوسط بعمومه، ولكن مثلما كتب البروفيسور شلومو افنري، فان “الفهم الفلسطيني الاساس هو أن اسرائيل هي كيان استعماري امبريالي وان اليهود ليسوا قومية على الاطلاق، بل طائفة دينية لا ينطبق عليها حق تقرير المصير، أي الدولة”. ولتأكيد مواقفهم المزعومة يطرحون حججا سخيفة ومتطرفة مثل رفض التاريخ اليهودي في البلاد في كل العهود وما شابه. المأساة هي انه كلما تمسك الفلسطينيون بهذا التاريخ الزائف، فلا احتمال لتسوية النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى