ترجمات عبرية

 معاريف – بقلم  زلمان شوفال –  ليست بلاد محبتهم …!

معاريف – بقلم  زلمان شوفال – 31/8/2021

” مشعلي الحرائق في الغابات في جبال القدس وعلى سبيل الفرق معهم مطلقي البالونات الحارقة من غزة ممن يحرقون الحقول، يبدون غربتهم تجاه هذه البلاد. من يحبون حقا هذه الارض ويشعرون انها جزء منهم – لا يعملون على افسادها “.

استنفدتُ الحرائق في جبال القدس قبل أن تشخص رسميا وان لم يكن لي على الاقل الكثير من الشكوك لمن والى اين تؤدي الاثار.  بالمقابل، فان هوية مطلقي  البالونات الحارقة من غزة معروفة تماما مما يثير ضمن امور اخرى السؤال: كم من الوقت سيستغرق حتى يتعاطوا معهم ومع المشاغبين الاخرين كـ “متظاهرين” وليس كارهابيين بكل معنى الكلمة، مثلما يقرر القانون الدولي ايضا؟ غير أن اللهيب الذي رأيناه في الاسابيع الاخيرة، وقبل ذلك ايضا، في جبال يهودا يشير الى شيء ما اكثر عمقا وجذرية بكثير: فاغتراب مشعلي النيران في الغابات والحقول تجاه البلاد الذي يدعون كذبا الملكية عليها؛ هم يثبتون انها ليست بلاد محبتهم ويبدون غربتهم الكامنة تجاههم. فمن يحبون بلادهم حقا ويشعرون بانها جزءا منهم لا يعملون على افسادها. ان من يفعلون هذا ليسوا اسياد البلاد، بل في اقصى الاحوال سكان فرعيون أو حتى اسوأ من  ذلك، غزاة. 

في واقع الامر لا ينبغي لهذا ان يفاجيء احدا. فمنذ احتلال البلاد من قبائل البدو سليلة الصحراء العربية في القرن الميلادي السابع، وعلى مدى كل فترة الحكم العثماني الذي استمر حتى 1918، تحولت البلاد بالتدريج من ارض خصبة الى بلاد جرداء ومليئة بالمستنقعات. وحتى لو لم تتعاطى لفظيا مع الوصف التوراتي “بلاد السمن والعسل” ففي العهد ما قبل الاسلام، كانت بلاد كنعان بالفعل معروفة بخصوبتها وكانت فيها زراعة يهودية متفرعة وجدت تعبيرها ايضا مثلما شرحت بور التشولر في مقالها في “هآرتس”، في المدرجات التي بناها اليهود في سفوح الجبال. صحيح ان ليست كل ظواهر التسحر هي من فعل يد الانسان، ولكن للاهمال المتواصل والاستخفاف بالطبيعة توجد مساهمة هامة لانتشاره الهدام وهكذا كان في بلاد اسرائيل في العهد الاسلامي. 

لم يأتِ التغيير الا مع عودة الشعب اليهودي الى بلاده في منتصف القرن التاسع عشر. عندما كتب الكاتب اليهودي البريطاني اسرائيل زينغويل “بلاد بلا شعب لشعب بلا بلاد”، اي بلاد بلا الشعب اليهودي، لا هو ولا زعماء الصهيونية الاخرين تجاهلوا حقيقة أنه كان يعيش في البلاد نحو 400 الف عربي، الكثيرون منهم، بالمناسبة، مهاجرون او سليلو مهاجرين من مصر، من شمال افريقيا، من البوسنة ومناطق مختلفة في روسيا، ممن تركوا وطنهم بسبب الاوبئة التي نشبت هناك او بسبب احداث سياسية مختلفة. بيد أنه للعرب الذين عاشوا في البلاد لم يكن اي تميز قومي، مقابل ابناء الشعب اليهودي الذين رغم الفي سنة منفى في اماكن مختلفة، من شمال اوروبا وحتى شرقها، من المغرب وحتى اليمن، لم يفقدوا ابدا التطلع الى بلادهم او هويتهم كشعب. 

لقد بدأت مسيرة خلاص البلاد في القرن التاسع عشر مع شراء موشيه مونتفيوري للاراضي، تواصل مع الهجرات الصهيونية ابتداء من نهاية ذاك القرن، ومع اعمال الاستيطان للبارون روتشيلد وبقدر اقل للبارون هيرش. لقد غيرت البلاد وجهها، وتواصل هذا بقوة اكبر مع موجات الهجرة المختلفة ومشروع الاستيطان الواسع. تجفيف المستنقعات اعاد مئات الاف الدونمات من الارض الى الحياة؛ زراعة ذاتية اوقفت انتشار الصحراء، ومشروع تشجير الصندوق القومي لم يؤدِ  فقط الى تغيير المشهد بل وايضا الى تغيير البيئة. “احتلال القفر” لم يكن فقط اسم معرض في 1953 بل حملة عملية لاعادة اراضي اسرائيل الى ازدهارها السابق. عندما جاء جيمس بيكر، وزير الخارجية في ادارة بوش الاب لاول مرة الى اسرائيل، روى لي بان الامر الذي اثار انطباعه بشكل خاص في زمن الرحلة الى البلاد كان تبدل اللون الذي رآه من نافذة الطائرة، من اللون البني الذي ساد في ارجاء مصر الى الاخضر اليانع في اسرائيل. 

في اسرائيل يعيش مئات الاف المواطنين العرب المخلصين، الذين لا بد لا يتماثلون مع الافعال الاجرامية لمشعلي النار في الحقول والغابات، وينبغي الامل في أن يلفظوهم. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى