ترجمات عبرية

معاريف – بقلم زلمان شوفال – أضواء تحذير

معاريف – بقلم  زلمان شوفال – 19/1/2021

ثمة من يدعي بان اليسار هو شمولي بطبيعته، ولكن حتى لو كان هذا مبالغا فيه، فان الميول المناهضة لليبرالية التي تجتاح امريكا اليوم ينبغي أن تبعث على العجب والقلق “.

مزعج ويكاد يكون غير مفهوم ان نرى مئات الجنود الامريكيين المسلحين ينتشرون في أروقة الكابيتول في واشنطن قبيل تنصيب الرئيس بايدن، ولكن هذا يستوجبه الواقع في أعقاب قصور الحراسة الخطير قبل اسبوعين. ولعله ليس اقل ازعاجا أن نرى كيف تداس الديمقراطية الامريكية الان ليس فقط من جانب اليمين السياسي بل وايضا من اليسار. فالديمقراطيون في الكونغرس، بتشجيع من وسائل الاعلام المؤطرة يستغلون أعمال الزعرنة في تلة الكابيتول وما سبقها، بما في ذلك خطاب “أنا معكم” للرئيس ترامب، لحملة ثأر واهانة ليس فقك ضد الرئيس المهزوم، بل وايضا ضد نحو 50 في المئة من الامريكيين الذين صوتوا له. وهكذا فانهم يفوتون فرصة، قد تكون تاريخية، لرأب الصدوع في المجتمع الامريكي والوقوف كمن يوحد الامة. فالمبادرة لاجراء عملية العزل الهاذية ضد ترامب، الذي وصلت ايامه كرئيس بكل الاحوال الى نهايتها،  تضيف الزيت الى النار.

تتباهى الولايات المتحدة وعن حق بتقاليد التسامح لديها، بضمان حرية التعبير والاراء وفقا للمادة الاولى في وثيقة الاستقلال لديها، ولكن منذ يوم تأسيسها  تقريبا، وفي الواقع حتى قبل ذلك، شهدت أيضا فترات كانت هذه مجرد مبادىء تجميلية. ليس واضحا دوما من أين يأتي هذا – مثل وباء الكورونا الذي تفشى بسرعة البرق. صيد الساحرات في سييلم في 1692 كان سابقة ضمن سوابق كثيرة اخرى، ولكن ليس فقط شؤون الدين او السياسة خلقت بؤر اشتعال في المجتمع الامريكي بل وايضا مواضيع الثقافة. هكذا مثلا في 1849، اضطرت الشرطة في نيويورك الى التدخل عندما احرق جموع جامحة مسرحا عرضت فيه “ماكبث” لشكسبير، وكنتيجة لمعارك الشوارع التي تطورت في اعقاب ذلك قتل 20 شخصا من الطرفين واصيب المئات. وكان المبرر المزعوم خلافات فنية، اما عمليا فقد اختبأت خلف الحادثة الدموية صراعات طبقة وكراهية أجانب (فرقة الممثلين كانت بريطانية في معظمها).

بقدر ما يبدو الحدث اعلاه شاذا واستثنائيا، فان الحياة الثقافية  وعالم التعليم يواصلان كونهما واحدة من الساحات المركزية في امريكا للمواجهات التي تندلع بين الحين والآخر بين التسامح وحرية الاراء من جهة – والمنكلين بهم من جهة اخرى، من اليمين ومن اليسار على حد سواء. وشهدت الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي قانون مكارن، السناتور الديمقراطي بالذات، والذي الغت مواده عمليا الكثير من الحريات الاساسية التي في الدستور الامريكي وشقت الطريق للمكارثية التي شاعت في أروقة الحياة الامريكية ولا سيما في الثقافة، حين اقيل عشرات الفنانين من وظائفهم واضطروا الى الهجرة. والان حان دور المكارثية اليسارية، وليس بالذات كرد فعل على ترامب بل كظاهرة سبقته. ففي الجامعات تتسع ظاهرة “السلامة السياسية” سواء في اوساط المحاضرين أم في اوساط طلابهم، بما في ذلك التهجمات اللاسامية واللااسرائيلية التي تعني قمع اصحاب الرأي الذي لا ينسجم مع اليسار؛ فرض مقاطعة غير رسمية (واحيانا رسمية) على كُتّاب روايات ومسرحيات لا يقبلون أراء اليسار؛ اقالة بروفيسوريين ومعلمين انتقدوا بايدن او تحفظوا من اساليب حركة حياة السود مهمة، الجسم الذي تأسس احتجاجا على عنف الشرطة ضد السود، ولكنه اصبح حاليا حركة راديكالية، او وقفوا ضد منظمات اليسار المتطرفة والعنيفة مثل “انتيبا”؛ الدعوة لنبذ معلمين بسبب ارائهم؛ الانشغال باعادة كتابة التاريخ والمطالبة بانزال كتب مارك توين، توماس وولف وآخرين من رفوف المكتبات العامة.

كل هذه هي من المؤشرات على الحملة التي تسمى “الغاء الثقافة” التي تذكر بحملات مشابهة في أنظمة ظلامية. 150 مفكر ذو أراء متنوعة في أرجاء الولايات المتحدة نشروا في السنة الماضية كتاب تحذير عام ضد “الغاء الثقافة” تحت عنوان “التهديد على المؤسسات الثقافية” وواجهوا تشهيرات وشتائم من اليسار في الثقافة والاعلام. وكذا في اعقاب الاحداث الاخيرة في السياسة، تسارع قمع حرية التعبير والرأي: فقد سدت الشبكات الاجتماعية في وجه ترامب وفي وجه اجسام وأفراد اشتبه بهم بالعطف الزائد تجاهه، وهو عمل مشكوك أن يكون قانونيا بل  وتعرض لنقد شديد من المستشارة انجيلا ميركيل والحكومة الفرنسية.

كما أن دار نشر”سيمون وشوستر” الغت عقد لكتاب  عن سهل السيليكون كتبه السناتور الجمهوري  المؤيد للرئيس.

خسارة أن منظمات يهودية ايضا مثل  اللجنة اليهودية الامريكية ومنظمة الحاخامين الاصلاحين  دخلت الى هذا المعمعان، القرار الذي يمس بمكانتها غير السياسية ومن شأنه ايضا أن  يؤدي  الى ردود فعل لاسامية. ثمة من يدعي بان اليسار هو شمولي بطبيعته، ولكن حتى لو كان هذا مبالغا فيه، فان الميول المناهضة لليبرالية التي تجتاح امريكا اليوم ينبغي أن تبعث على العجب والقلق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى