معاريف – بقلم جاكي خوجي – الثأر قدم باردا

معاريف – بقلم جاكي خوجي – 15/11/2019
لا بد أننا سنمحو هذا من ذاكرتنا في غضون بضعة ايام، ولكن ملايين الفلسطينيين لن ينسوا لحماس تشرين الثاني 2019. فعلى مدى يومين فقط في هذا الاسبوع سحق شقيقهم الاصغر والشقي، الجهاد الاسلامي تحت القدرة العسكرية للصهاينة بينما هم تركوه يتضرج بدمائه دون أن يمدوا له اليد. كيف يقال، الثأر يقدم باردا، والجهاد كسب عزلته عن جدارة.
لماذا الثأر؟ لانه منذ اكثر من سنة وقادة حماس يستجدون اخوانهم في الجهاد لان يوفروا لهم، عند اللزوم، بيئة هادئة تساعدهم في مساعيهم لتحقيق تسهيلات من اسرائيل؛ اجواء تسمح لاسرائيل بان تقتنع بان من المجدي لها أن تعطي التسهيلات. ولكن في الجهاد اصروا المرة تلو الاخرى على احباط التفاهمات وخرق اتفاقات وقف النار. ومثل الولد الشرير في الروضة الذي يركل الدلو للجميع، والذي حتى المربية (المصرية) باتت يائسة منه ورفعت اليدين. ولكن كان من الطبيعي ان تأتي اللحظة التي يدخل فيها المدير غاضبا فينقل الولد الشرير الى روضة اخرى. روضة كلها خير.
بالنسبة لحماس كان الاتصال غير المباشر مع اسرائيل هو الوسيلة الاولى في سموها لتحقيق التسهيلات. قطاع غزة تحت الاغلاق، والسنوار ورجاله صاغوا تكتيكا للخروج منه بالتدريج: استخدام العنف غير الفتاك وكأنه لا توجد محادثات، والتقديم في المحادثات وكأنه لا يوجد عنف. وقد نجح طريقهم فوق التقدير. في هذه الفترة حقق قطاع غزة سلسلة من الانجازات لم يشهدها منذ عقد – تمديد مدة توريد الكهرباء للسكان من أربع ساعات في اليوم الى متوسط 20 ساعة (بفضل السولار بتمويل قطري)، فتح معبر رفح، انبوب تنفس لمليوني مواطن من القطاع ودعم مالي بمئة الف عامل (100 دولار في الشهر لكل واحد) هو ايضا من الصندوق القطري.
من وراء الزاوية انطلقت منذ الان على الدرب المشاريع الكبرى – ترميم شبكة الكهرباء، لتتلقى توريدا منتظما من اسرائيل من خلال خطوط التسيير، اقامة مستشفى للامراض العضال في القطاع وبناء منشأة تحلية على شاطيء غزة. كل ذلك بتنسيق مع اسرائيل وبموافقتها. من المفاجيء مشاهدة القوة الشديدة للواقع وبأي سهولة تنجح في فرض نفسها على الناس. الطرفان مشبعان بالكراهية المتبادلة، كل واحد منهما يرى الاخر عدوه الخالد، يوجدان على اتصال منتظم وعمليا يبنيان العلاقات من جديد.
مساواة في العبء
في حلم زعماء حماس رأوا كيف أنهم ينجحون في غضون سنوات قليلة في مهمتهم العليا لاخراج القطاع من الاغلاق. اما حكومة اسرائيل من جهتها فتبين لها انه من خلال الاتصالات غير المباشرة تنجح في لجم حماس، وليس اقل من ذلك في تعزيز الانقسام السياسي مع السلطة الفلسطينية. هذا الانقسام هو حجر اساس في اضعاف مطالبتهم المستقبلية بدولة واحدة تمتد من الضفة وحتى قطاع غزة.
هذه الانجازات هدد الجهاد بتفجيرها بانتظام. كل تسوية نالت صاروخا، وكل فترة هدوء هددت برشقة صواريخ. كما اطلق رجاله النار لغرض القتل ايضا. رشقات الى سديروت، الى بئر السبع، الى عسقلان، محاولة للمس بالجنود بنار القناصة. ذاك الصاروخ اياه الذي اطلق الى بئر السبع في تشرين الاول 2018 خرب بيتا. ولشدة الحظ، قبل لحظات من ذلك كان سكان البيت تمكنوا من الدخول الى الغرفة الامنية.
ان من قاد سياسة الرفض الخطيرة هذه كان بهاء ابو العطا، قائد اللواء الشمالي للذراع العسكري. اما اسرائيل فقد عضت على الشفتين كي لا تدخل في الفخ الذي نصبه لها الجهاد. وفعلت حماس كل ما في وسعها كي تلجمه، ولكن دون أن تحطم القواعد، والمصريون استخدموا طريقة العصا والجزرة. عندما كانوا يريدون الضغط كانوا يوقفون رجال الجهاد ممن يخرجون الى سيناء. وعندما كانوا يريدون أن يثيبوهم على ا نهم اولاد طيبون، كانوا يخرجونهم الى الحرية. وبفضل ذلك، واحيانا عن طريق المعجزة، فشلت معظم مؤامراته.
لماذا اصر الجهاد على ركل الدلو. اسباب ذلك يجب ا لبحث عنها في داخل القطاع. فقد مل قادة التنظيم الوقوف جانبا ومشاهدة نجاحات حماس دون أن يكون لهم نصيب في ذلك. وفي السنة الاخيرة ترجمت هذه النجاحات بالمال. ليس القطري فقط. ملايين الدولارات في الشهر، اموال الضرائب، دخلت الى صندوق حماس بفضل التجارة المنتعشة في رفح. قادة حماس لم يشاركوا اخوانهم بالمداخيل او في عملية اتخاذ القرارات الهامة مع ان للطرفين ماض وثيق من الكفاح المشترك ضد اسرائيل.
شعر الجهاد بانه مطالب بالمساواة في العبء، ولكن ليس في الارباح. من هنا وحتى استخدام العنف كان الطريق قصيرا. عندها اكتشف الطرفان بان ليس لحماس اوراق ضغط كثيرة على الاخ العاق. فالجهاد هو تنظيم كبير (9 الاف مقاتل) وذو نفوس بين السكان. ليس سهلا القاء قيادته الى السجن او اعتقال وتعذيب رجالهم،كما هو متبع. مثل هذه الخطوة كانت ستصطدم برد حاد مضاد وبمقاومة من الجمهور. ولما كان الجهاد واظب على عملية خرق التفاهمات ووقف النار فقد نجح في ضرب العدو والخصم في نفس الوقت. فاجأ اسرائيل في كل مرة من جديد، زرع الفزع بين سكان غلاف غزة واحرج القيادة في القدس. وإذ فعل قادة الجهاد ذلك، فقد المحوا لحماس بان من يدعى الى العلم عند الطواريء جدير بان يشارك في الافراح ايضا. ووقع الجيش الاسرائيلي في الفخ كل مرة من جديد – الجهاد ضغط على الزناد، فارسلت الطائرات تلقائيا لضرب حماس.
هذا لا يعني ان رجال حماس لن يستخدموا الجهاد عندما يكون هذا مريحا لهم، ولكن هذا الاسبوع كان اسبوع الشماتة. وليس فقط الشماتة كانت هناك بل وايضا احساس غريب بالمشاركة. فقد جمع الجهاد الجميع لان يتعاونوا ضده. فمن كان يصدق بان تتعاون اسرائيل في اي مرة مع حماس كي تضرب طرفا ثالثا. في تفكير ثان، لماذا نتفاجأ. من صدق حتى قبل عقد او اثنين ان تتعاون اسرائيل مع فتح كي تضرب حماس؟ احيانا يكون التاريخ باعثا على التثاؤب لكثرة ما يكرر نفسه.