ترجمات عبرية

معاريف – بقلم  جاكي جوجي – المستقبل أمامنا

معاريف – بقلم  جاكي جوجي – 24/12/2021

” بعد سنوات من تأييد الفلسطينيين لمباديء اوسلو باتوا يهجرون حل الدولتين في صالح دولة واحدة للشعبين “.

قلة هم الفلسطينيون الذين عقبوا على تصريحات محمد دحلان، الفتحاوي المنفي، عن مستقبل العلاقات مع اسرائيل. فقد أعلن دحلان بان حلم الدولتين المنفصلتين، واحدة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس والثانية اسرائيل، يوجد في حالة النزع الاخير. وشرح دحلان بان “الاحتلال دمر كل الاسس لحل الدولتين”، وبالتالي “فأنا شخصيا، وفي ضوء هدم حل الدولتين، مستعد لدولة واحدة كخيار تحدي”. 

أطلق المعارض الفلسطيني اقواله في خطاب لمؤيديه في القطاع. في ذاك اليوم، الاربعاء الماضي، أجريت في غزة انتخابات مبكرة للحزب الذي اقامه، “تيار الاصلاح الديمقراطي” أو بلقبه المعروف اكثر، فتح دحلان. لا توجد انتخابات في الافق، لكن لدى دحلان، في غزة على الاقل، تواصل اللعبة الديمقراطية مهما كانت الظروف. الاستقلالية التي يبديها تقسم فتح أكثر فأكثر وتقطع اجزاء من لحمها ولكن هذا موضوع لمقال منفصل. “حل الدولة الواحدة سيكون بديلا طبيعيا لوهم حل الدولتين”، قال دحلان في تلك الكلمة اياها، “نعطي المستقبل ان يقرر ماذا ستكون عليه نتائج النزاع”.

يعرف المعارض المنفي بان ايا من الحلين سيبدأ بالحراك قريبا، وان اسرائيل، من شبه المؤكد ستقرر الا تقرر. لكنه لا يحق له ان يبقى في الخلف. فالنقاش لدى الفلسطينيين عن امكانية اقامة دولة يهودية – عربية من البحر الى النهر آخذ في التعزز. وحتى ابو مازن، في خطاب القاه في رام الله في 2 تشرين الاول حذر اسرائيل من ان رفضها حل الدولتين يجبر الفلسطينيين على التفكير بالبدائل. احدها، قال، هو العودة الى مشروع التقسيم للامم المتحدة في 1947، والثاني – “دولة ديمقراطية واحدة على ارض فلسطين التاريخية، مع حقوق سياسية ومدنية كاملة للفلسطينيين”. 

يريدون ضما

كان سيناريو الدولة الواحدة حتى قبل سنوات قلائل من نصيب دوائر هامشية. دولة مع حكومة مركزية واحدة، عاصمتها القدس الموحدة، ومواطنوها عرب ويهود. قدرتهم على سماع امور تثني على هذا السيناريو على لسان اليساريين الذين يحلمون بشراكة عربية – يهودية، ومن جهة اخرى لدى زعماء حماس ومؤيديهم، الذين يصلون لليوم الذي يطرد فيه الصهاينة. 

مع ابتعاد حل الدولتين، يتحرك هذا السيناريو بثقة الى مركز المنصة ويحظى بتأييد واسع في اوساط الفلسطينيين. صحيح، اسرائيل لن تتخلى وسترغب في أن تبقيهم كمواطنين من الدرجة الثانية تحت حكمها، لكن احدا منهم لا يعتقد ان هذه الرؤيا ستتحقق غدا. سيمر عقد او اثنان. ربما ثلاثة. العجلة من الشيطان. فهذا عالم من التغييرات، واذا كانت الانظمة تقوم وتسقط، فان اليد الحديدية الاسرائيلية ايضا كفيلة بان تضعف. برعاية الديمغرافيا، او بفضل الضعف الداخلي للدولة اليهودية، يأمل الفلسطينيون بان يصلوا الى الحكم في الدولة الواحدة، وتأتي النهاية للايام التي ظلموا فيها. لهذا السبب، فان الكثيرين منهم ارادوا ان يضم نتنياهو مناطق في الضفة لدولة اسرائيل. فالضم يقصر الطريق لتحولهم الى مواطنين متساوي الحقوق في الواقع المستقبلي. 

تحذر دوائر في اليسار منذ عشرات السنين من ان الدولة الفلسطينية هي خشبة الانقاذ لاسرائيل كدولة ذات اغلبية يهودية. بدون حل الدولتين، نسير بثقة الى دولة ثنائية القومية. احد المحاضرين الذين تعلمت عنده في اللقب الاول في دائرة تاريخ الشرق الاوسط في جامعة تل ابيب، درج على الهزء من الفلسطينيين. فلماذا يقاتلون، تساءل. خسارة على دمهم. الرجل الذي كان ولا يزال يساريا، درج على القول ان الزمن سيقوم بالعمل نيابة عنهم. 

في حماس سارعوا لان يعانقوا اعلان دحلان. الدولة الواحدة هي رؤياهم. بحكم عربي، بالطبع. “سيكون هذا هو الحل الافضل بالنسبة لنا، اذا نجحنا في اقناع شعبنا والاسرة الدولة بتبنيه”، قال د. احمد يوسف، احد ايديولوجيي حماس. “حل الدولتين في طريقه الى الضياع”، اضاف، “واسرائيل لا تترك اي فرصة لتنفيذه”. 

يوسف، ابو مازن، دحلان ورفاقهم  لم يتحدثوا في فراغ. هم ببساطة انصتوا للشعب. استطلاعات اجريت في السنوات الاخيرة  تبين أن السكان الفلسطينيين باتوا يهجرون رؤيا اوسلو لدولتين منفصلتين. فالاستطلاع الاخير الذي اجراه المركز الفلسطيني للاستطلاعات بادارة خليل الشقاقي مثلا. 36 في المئة فقط بقوا مخلصين لحل الدولتين في الاستطلاع الذي اجري في  ايلول من هذا العام، مقابل  39 في المئة في استطلاع مشابه نفذه المركز نفسه قبل ثلاثة اشهر فقط من ذلك. 62 في المئة من المستطلعين اعرضوا عن معارضتهم لهذا الحل. وشرح 63 في المئة بانه ليس عمليا بسبب سلوك اسرائيل. يبتعد الطرفان الواحد عن الاخر بسرعة:  نحو 40 في المئة ايدوا العودة الى الكفاح المسلح كوسيلة لتحقيق الدولة المستقلة. ولا غرو إذن في ان زعماءهم يبنون مواقف مشابهة.

تحرص قيادة حماس على حفظ علاقات طيبة مع الزعيم الفتحاوي المنفصل. تكفي حقيقة أن كليهما يمقتان السلطة كي تقربهما الواحد من الاخر. فضلا عن ذلك، فان دحلان، بخلاف ابو مازن، ليس واحدا يدار له الظهر. فهو يتمتع بقناة مفتوحة مع مكتب الرئيس المصري ويعتبر ابن بيت في ابو ظبي. في بداية طريقه كضابط شاب في فتح حصل دحلان لدى الروس العلم في حراسة الشخصيات والاحباط المضاد. فطور هذا العلم وباعه للحكومات وللحكام في البلقان وفي الدول العربية. في بداية سنوات الالفين، عندما انطلق محمد بن زايد في كفاح الابادة ضد الاخوان المسلمين الذين هددوا بالسيطرة على  اتحاد الامارات، كان دحلان  هو الذي وقف الى جانبه في المشورة وفي التنفيذ. وتوج الكفاح بنجاح، ومنذئذ اصبح دحلان عزيز النظام، صديقا ومستشارا. وسع دحلان اعماله العقارية والاستثمارات الاخرى، وأثرى أكثر فأكثر وبدأ يخرج علنا ضد السلطة الفلسطينية.

منذ النزاع مع ابو مازن ورجاله وهو يبني قواعد قوة له من بعيد بواسطة المال. ومنذ سنين وهو يستثمر ملايين الدولارات في مبادرات اجتماعية في القطاع مثل توفير المنح للطلاب، تمويل مشاريع طبية لخدمة الجمهور واعطاء الصدقات للسكان من مخيمات اللاجئين. في ذروة الكورونا بادر الى تبرع كبير بالمستلزمات الطبية وباجهزة الفحص من اتحاد الامارات الى غزة. 

رغم أنه ولد ونشأ في خانيونس، لم تعصف اقواله بسكان القطاع على نحو خاص. فهو منشغلون بحرب الوجود. في مدن الضفة وفي شرقي القدس ايضا لم تحدث تصريحاته اثارا. فالفلسطيني العادي شبع تصريحات سياسية لم تؤدي الى شيء، وهو يبحث عن الغد قبل ان يتفرغ للتفكير في المستقبل. مثل باقي زعماء فتح، فان التأييد لدحلان محدود جدا بين السكان الفلسطينيين، ومثلما لا يتأثر الكثيرون بكل خطاب لابو مازن، هكذا كان ردهم بعدم اكتراث على اعلانه ايضا. 

على الرغم من ذلك، فان تصريحات كهذه لا تستهدف جني ارباح فورية. فقد اطلق دحلان اقواله ايضا كرسالة للقيادة في القدس بنية احداث حوار جماهيري في اسرائيل على  ثمن التخلي عن حل الدولتين. فالقيادة الفلسطينية تعتقد بانها اذا ما سربت هذه الفكرة قطرة قطرة، فانها في النهاية ستسيطر على الخطاب.  وفي المرحلة التالية قد تحدث ايضا معجزة ما، فيستيقظ احد ما في القدس ليوقف كرة الثلج في الدقيقة الـ 95. اسرائيل ليست مفتوحة لنقاشات عميقة على مستقبلها السياسي. ولكن للفلسطينيين يوجد صبر. ذات يوم، قال معلمي في الدرجة الجامعية الاولى، سيفهم الجميع بانه كان يمكن توفير هذه الحروب، والسير مباشرة الى دولة ثنائية القومية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى