ترجمات عبرية

معاريف – بقلم  الون بن دافيد – نهاية مفتوحة

معاريف – بقلم  الون بن دافيد – 21/5/2021

” على عادتها لم تعد القيادة الاسرائيلية مسبقا آلية نهاية سياسية تثبت الانجازات العسكرية، وأملت بان يكون استخدام الجيش للقوة سيحل نيابة عنها كل المشاكل “.

في 1967 حقق الجيش الاسرائيلي الانتصار العسكري الاكبر في تاريخه. بتعابير هذه الايام، اوقع الجيش في غضون ستة ايام “ضربة قاسية” على جيوش مصر، الاردن وسوريا، نزع منها معظم القدرات وجبى من الدول الثلاثة “ثمنا باهظا”. غير ان النجاح العسكري ليس فقط لم يجتث رغبة الزعماء العرب في القتال بل شجعه. بعد اسابيع من نهاية الحرب استؤنفت النار وتطورت الى حرب استنزاف لثلاث سنوات. اما الردع كما تبين فمتعلق ليس فقط بقوة الضربة العسكرية التي توقعها على العدو.

تردد من كاد لا ينام منذ اسبوعين من كبار رجالات الجيش فيما اذا كان ممكنا التوقع من هذه المعركة ان تؤدي الى هدوء مطلق وطويل للجنوب. ولكنهم اتفقوا جميعا على امر واحد: هذه المعركة وحدها لن تكفي لضمان الهدوء المطلق، واختبار اسرائيل سيكون في اليوم التالي. 

ادعى اغلبتهم بانه بالصاروخ الاول الذي سيصدر عن غزة بعد الحملة، او حتى رشقة البالونات الاولى، يتعين على اسرائيل أن تكون مستعدة لان تهاجم حماس مرة اخرى وتخرج الى جولة قتالية اضافية. اما الاقلية فيعتقدون بان مثل هذه السياسة ستجعلنا اسرى في يد كل صوص غزي لديه صاروخ او باقة بالونات ويروق له أن يرى حماس تتلقى الضربات. وعلى أمس آخر كانت اجماع: في الوقت الذي ستواصل فيه يد ما رفع النبوت على غزة، فان يدا اخرى ملزمة بان تعرض جزرة تخلق لحماس دافعا للحفاظ على الهدوء وتزيد ثمن الخسارة. 

على عادتها لم تعد القيادة الاسرائيلية مسبقا آلية نهاية سياسية تثبت الانجازات العسكرية، وأملت بان يكون استخدام الجيش للقوة سيحل نيابة عنها كل المشاكل.  فرغم أن المواجهة بدأت بمفاجأة من حماس بالنار على القدس، دخلها الجيش الاسرائيلي جاهزا جدا. فالثورة الصناعية التي اجتازها سلاح الجو في العقد الاخير تحت قيادة امير ايشل وعميكام نوركين جعلته آلة مزيتة مع قدرات هجومية هائلة. واذا جمع هذا مع الاستخبارات الدقيقة لشعبة الاستخبارات “امان” منذ الجرف الصامد وبالتعاون الوثيقة مع الشاباك، فقد اصبحت القدرات الاسرائيلية النارية فتاكة على نحو خاص. 

طورت قيادة المنطقة الجنوبية في السنوات الاخيرة خلايا الهجوم لديها وخططها النارية تحت قيادة اللواء هرتسي هليفي، ونجحت في كل ايام القتال على العثور والهجوم على عشرات الاهداف المصادفة، وليس مثل المعارك السابقة التي اديرت في معظمها من هيئة الاركان العامة، هذه المرة  أدار المعركة اساسا اليعيزر توليدانو من قيادة المنطقة الجنوبية. اما العائق التحت ارضي فأثبت نفسه ومنع عن حماس  تماما أي قدرة مفاجأة عبر انفاق هجومية تتسلل الى اسرائيل.  

في ضوء مفاجئة حماس في بدء المعركة، قرر كوخافي استخدام اداة طورها الجيش كضربة استراتيجية لحروب اكبر. “ضربة برق” هي التي حققت حتى الان الانجاز الاكبر للجيش في هذه المعركة. كان تردد اذا كان من  الصواب كشف مثل هذه القدرة في مواجهة محدودة وتقرر عن حق استخدامها سواء لتعميق الضرر اللاحق بحماس ام للفهم بان هذا الانجاز سيصل صداه حتى بيروت. 

عشية وقف النار – النتيجة على اللوح ليست قاطعة. فقد حققت حماس ثلاثة انجازات استراتيجية: تثبتت كــ “درع القدس”، كمن نجحت في اخلاء الكنيست من المشرعين والمبكى  من المصلين؛ باتت تعتبر هي المتصدرة للاحداث في الضفة وفي داخل اسرائيل ايضا، وكمن تحدث ايضا التصعيد في الحدود الشمالية؛ ورفعت مرة اخرى القضية الفلسطينية الى جدول الاعمال في الرأي العام العلامي.

وحيال الانجازات الاستراتيجية لحماس، سجل الجيش الاسرائيلي نجاحات عملياتية: سحب من حماس الواسطة التحت ارضية، التي هي مجال القتال الاساس للمنظمة، وقد فعل هذا من الجو وليس بمناورة برية. 

كما نجح الجيش الاسرائيلي في أن يدمر تماما تقريبا قدرة انتاج الصواريخ مما سيستغرق حماس والجهاد ما لا يقل عن بضعة اشهر لترميمها. وعطل على نحو تام تقريبا تأثير خلايا مضادات الدروع لحماس، القوة البحرية، الادوات المسيرة وقوات الاجتياح البري. القبة الحديدية اقتطعت جدا تأثير النار على الجبهة الداخلية. فقد نجحت صواريخ حماس في احداث اصابة أليمة ولكنها محدودة في الجبهة الداخلية. لم تحقق  المنظمة اي نجاح ذي مغزى في القتال (صحيح حتى يوم الخميس). 

رغم الجهد الهائل، لم ينجح الجيش في تحقيق اصابة لمسؤولين كبار من حماس، كان يخيل غير مرة ان اليد طالتهم ولكنهم نجحوا في التملص. ففي عالم ما  تحت الارض تكون الدقة حرجة: خطأ مترين هو احيانا المسافة بين النجاح والفشل. 

بين كبار حماس حكم  محمد ضيف، الرجل ذو الارواح التسعة ليس  كحكم باقي القيادة، بل رفعته هذه المواجهة الى درجة اسطورية  للزعيم الملهم في العالم العربي كله. واصبح لحماس ما كان عليه عماد مغنية لحزب  الله. وحماس بدونه ستكون مختلفة. ثمة اجماع في الجيش بانه حتى لو تحقق الهدوء التام فانه ينبغي تصفية الضيف في أول  فرصة.  

يحتمل جدا انه بعد ان يخرج الضيف والسنوار من الخندق وينفضا عنهما التراب سيسألان نفسيهما مثل نصرالله في حينه اذا كان هذا يستحق العناء. وجوابهما، ليس مثل نصرالله لن يكون قاطعا. لقد اتخذت اسرائيل في العقد الاخير سياسة صحيحة للعزل بين غزة والضفة، ولكنها فعلت كل شيء كي تضعف السلطة في الضفة وحماس دخلت الان الى هذا الفراغ.

بالتوازي امتنعت اسرائيل عن معالجة المشاكل الاساس لغزة: انعدام الماء، الطاقة والبنى التحتية الاساسية وانعدام كل افق اقتصادي. هذه المشاكل تبقى امام اعتابنا وتستجدي في أنه على ظهر الانجاز العسكري سيأتي عمل سياسي يرفع غزة الى مسار آخر. نحن سنعيد بناء انفسنا فورا. بعد يوم من توقف المعارك، سيعود الاقتصاد الاسرائيلي الى الارتفاع والمجتمع الاسرائيلي الى الازدهار. اذا لم نتمكن من ترتيب العلاقات مع غزة التي كانت وستبقى ارضا معادية، سنجد انفسنا مرة اخرى نركض الى الغرفة الامنية تحت تهديد منظمة ارهابية بائسة او الاسوأ من هذا، نعود الى الغرق في وحل غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى