ترجمات عبرية

معاريف– بقلم  الون بن دافيد –  مستوى أعلى

معاريف– بقلم  الون بن دافيد – 19/3/2021

” نتنياهو لم يستوعب ان سحره الدولي تبدد مع دخول بايدن البيت الابيض. فبعد أربع سنوات كان يعد فيها كمن يحمل كل المفاتيح للعاصمة الامريكية، فان نتنياهو بعد ترامب لم يعد “مستوى اعلى”، بل وحده، في مستواه الخاص”.

       حسم شيء  ما هذا الاسبوع في المعركة الناشئة والمتصاعدة التي بيننا وبين ايران، معركة تجري منذ الان في الجو، في البحر، في مجال السايبر ووحده البعد الجغرافي يمنع انزلاقها في البر ايضا. في هذه المعركة تستند اسرائيل كثيرا الى الشركاء، وفي هذا الاسبوع بالذات نجح رئيس الوزراء في أن يركل بقدم فظة شريكنا الاستراتيجي الاهم في المنطقة – المملكة الاردنية، وصديقتنا الجديدة – اتحاد الامارات. كلاهما لم يبقيا صامتين فردا الركلة، والسعوديون هم ايضا اضافوا قدمهم الى الاحتفال.

       كان هنا ظاهرا حدثان لم يكن اي سبب يجعلهما يصلا الى الازمة: زيارة نتنياهو الى اتحاد الامارات، التي مهد لها رئيس الموساد  يوسي كوهن بعمل جم، رغم التزامن السياسي الحساس، وزيارة الامير الاردني الحسين بن عبدالله الى القدس، والتي هي الاخرى كان خطط لها مسبقا. اخطأ المستوى المهني التي تحفز نتنياهو لان يزبد عليها من غروره القابل للاشتعال أصبحت معا وصفة انتهت بالانفجار.

       كان الاماراتيون على علم جيد بالتوقيت الحساس للزيارة عشية الانتخابات، ولكن كوهن ارسل كي يمارس عليهم كل سحره، وهم، الذين يتحلون بالكياسة، استجابو. تقررت زيارة بحد ادنى في ابو ظبي – احتفال قصير، لقاء وفرصة التقاط صور. وفي اثناء الاعداد للزيارة التي خطط لها ليوم الخميس الماضي لاحت مشكلة مع السعودية ليس واضحا حتى الان ما هو مصدرها: على مدى بضعة ايام لم تتلقى الطواقم التي سافرت الى الامارات كي تعد الزيارة الاذن بالطيران في المجال الجوي السعودي. ومنعا للمشاكل تقرر ان يسافر نتنياهو الى عمان في طائرة اسرائيلية وينتقل هناك الى طائرة يبعثها الاماراتيون له.

       وبالتوازي، كان يفترض أن تنعقد زيارة الامير الاردني الى القدس. وادار جهاز الامن العام “الشاباك” المسؤول عن حراسة الضيف المشاورات مع الاردنيين حول ترتيبات الحراسة. في البداية طلب القصر ان يصل الامير برفقة عشرات الحراس ممن يحمل بعضهم سلاحا طويلا. وتمكن جهاز الشاباك من تلطيف حدة الطلب وتخفيض عدد الحراس ونوع السلاح الذي سيحملوه.

       كما طلب الامير الخروج من النطاق المغلق للحرم وزيارة الكنائس في القدس، مما حول عملية حراسته وجعلها اكثر تعقيدا بكثير. تخوف رئيس الشاباك نداف ارغمان من تكرار الحادثة التي كانت للرئيس الفرنسي جاك شيراك مع الحراس الاسرائيليين، فعارض، ربما لم يفهم بانه يدوس للاردنيين على دمل ملتهب ومنتفخ برواسب تراكمت ضد نتنياهو. تفجر الاردنيون غضبا والغوا زيارة الامير.

       في اثناء الليلة بين الاربعاء والخميس تبين أنهم اتخذوا رد فعل: فقد رفضوا الاذن لرحلة الطائرة الاماراتية التي كانت تنتظر نتنياهو في عمان. في الثالثة فجرا ايقظوا رئيس الشاباك لحديث فيديو عاجل مع الجهات التي أعدت زيارة رئيس الوزراء الى الامارات في محاولة لاصلاح الضرر، ولكن الاردنيين اغلقوا الهواتف ورفضوا تلقي المكالمات من نظرائهم الاسرائيليين. اطلعت هذه المحافل نتنياهو على آخر التطورات وهو الذي كان يفترض أن يسافر في السابعة صباحا، ولكن في هذه الاثناء اصيبت عقيلته بوعكة صحية، وبدلا من أن يسافر الى ابو ظبي سافر نتنياهو معها الى هداسا.

       قشة واحدة اكثر مما ينبغي

       رد الفعل الاردني على الخلاف حول ترتيبات الحراسة كان بالفعل عديم التوازن. فمع قليل من الحكمة والحساسية من الطرفين كان يمكن حل المسألة دون الوصول الى الانفجار، ولكن رئيس الوزراء سارع لاتهامهم من على كل منصة ممكنة. في الاونة الاخيرة اضاف مزيدا من الزيت الى الشعلة وتبجح بان “الاردنيين يحتاجوننا اكثر مما نحن نحتاجهم”. لعل هذا كان صحيحا في الماضي، اما اليوم فان التداخل بيننا وبين الاردنيين متبادل تماما.

       اسرائيل والاردن هما شريكان استراتيجيان وثيقان، مثلما في قول بنجامين فرانكلن: اذا لم يكونا متعلقين الواحد بالاخر – فسيكونان معلقين الواحد الى جانب الاخر. معظم الاسرائيليين على غير علم بعمق الحميمية التي بيننا وبين الاردنيين، وعلى ما يبدو ايضا لن يعرفوها ابدا. فالحدود الامنية الشرقية لاسرائيل لم تعد منذ زمن بعيد نهر الاردن، بل حدود المملكة الهاشمية التي خلفها تعتمل موبئات الشرق الاوسط، من الحرس  الثوري وحتى داعش.

       وعليه فان لاسرائيل مصلحة عليا في الحفاظ على استقرار المملكة. اذا سقط الاردن – فسنضطر لان نلتقي عن كثب كل هذه الجهات على طول 309كم من حدودنا الشرقية. اسرائيل تعمل في تعاون عسكري مع المملكة.

       يدعي السوريون بان سلاح الجو الاسرائيلي يستخدم الاردن كرواق جوي للطيران شرقا، وكل من يعرف الجغرافيا يمكنه أن يتخيل كيف يمكن للاراضي الاردنية أن تشكل خشبة قفز لاسرائيل الى التهديدات في الشرق. بعد يومين من ترشيح المحادثات، بدأ الاردنيون يستجيبون لتوجهات رجال وزارة الخارجية والدفاع ممن سعوا لاطفاء الحريق. ولتجربتهم في الاهانات من نتنياهو، اوضح رجال القصر الملكي الهاشمي بان قنوات العمل المشتركة لن تتضرر. ولكن عندها توجه نتنياهو لتخريب العلاقات مع الشريك الجديد – الامارات.

       بينما كان يحاول ان يعيد تنسيق الزيارة الى ابو ظبي، جند رئيس الوزراء  الاماراتيين لدعايته الانتخابية واعلن بانهم يعتزمون استثكار 10 مليار دولار في اسرائيل، او 40 مليار شيكل” على حد قوله (واضح أن نتنياهو لم يطلع منذ زمن بعيد على سعر الدولار). وكانت هذه بالنسبة للاماراتيين قشة واحدة اكثر مما ينبغي، فاصدروا بلاغا اديبا يوضح بانهم ليسوا طرفا ولا أداة في معركتنا الانتخابية. وفي القنوات الخاصة اوضحوا بان نتنياهو لن يستقبل عندهم قبل الانتخابات وكذا القمة مع اسرائيل والسودان التي خططوا لاستضافتها في نيسان، معلقة حتى اشعار آخر.

       يبدو أن نتنياهو لم يستوعب ان سحره الدولي تبدد مع دخول بايدن البيت الابيض. فبعد أربع سنوات كان يعد فيها كمن يحمل كل المفاتيح للعاصمة الامريكية، فان نتنياهو بعد ترامب لم يعد “مستوى اعلى”، بل وحده، في مستواه الخاص. “هكذا ينقضي  المجد”، كما كانوا يقولون في الفاتيكان في احتفال تعيين البابا الجديد، وفي هذه الاثناء يشعل راهب امام البابا الوافد قطعة قماش تتآكل كتذكير على ان الانسان بالاجمال هو ايضا مؤقت ومتآكل. في محيط نتنياهو لا يوجد اليوم اي راهب يمنحه درس التواضع هذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى