معاريف – بقلم الون بن دافيد – صيغة قاسم
معاريف – بقلم الون بن دافيد – 8/11/2019
الشلل العام الذي ألم بنا في الاشهر الاخيرة وصل الان الى جهاز الأمن ايضا. فمنذ اسابيع واسرائيل توجد في حالة انتظار لعملية ايرانية. ولكن اذا كان هناك، في عهد “الانتظار” اياه “ناصر ينتظر رابين” فالان اسرائيل هي التي تنتظر قاسم. هو وبقدر ما ايضا الصوص من غزة، بهاء ابو العطا.
ان استراتيجية نتنياهو تجاه ايران، والتي استندت كلها الى ما تبين أنه سند متهاوٍ، انهارت. ومعها اختفى ايضا التطلع الاسرائيلي “المبرر” للتأثير على الواقع المحيط بنا ولتصميمه. فالضعف الامريكي يدفع اسرائيل الى الانطواء على نفسها وابقاء المبادرة في يد الطرف الاخر. وعلى الطريق نبدي ايضا ضعفا ونساوم على ما اعتبر في الماضي خطوطا حمراء. ففي الاسبوع الماضي اطلقت بطارية مضادات طائرات لحزب الله صاروخا نحو طائرة اسرائيلية. فقد كان انتشار الصواريخ أرض جو في لبنان يعتبر حتى الان خطا أحمر من ناحية اسرائيل. وكانت سياسة سلاح الجو حتى الان تدمير كل وسيلة اطلاق تهدد بالمس بطائراته. اما هذه المرة فقد كان التردد. كان واضحا بانه اذا ما هوجمت وسيلة الاطلاق، فسيقتل ايضا رجال حزب الله الذين يشغلونها، وهذا سيجر نارا من المنظمة اللبنانية نحو اسرائيل وخطر التصعيد.
في الايام التي نركز فيها على الخوف من نار ايرانية من سوريا أو من العراق لا معنى لفتح جبهة اخرى – هكذا ادعوا في الجيش الاسرائيلي. ولما كان حزب الله لم يصب مُسيرة “زيك”، فقد اوصوابالتجلد، وصادق رئيس الوزراء على ذلك. هذه ادعاءات ليست عديمة الاساس، ولكن النتيجة هي انه في غياب الرد، فان اسرائيل تستدعي النار التالية وتقبل بحقيقة أن حزب الله يستخدم بطاريات صواريخ أرض – جو في لبنان. في المرة التالية يمكنهم ايضا ان يصيبوا.
لقد كان الانكماش اياه هو الذي أملى ايضا الرد المحدود تجاه غزة في نهاية الاسبوع الماضي. في اسرائيل يتابعون منذ زمن ما نوايا الجهاد الاسلامي لاستئناف النار، وفي عشية السبت نفذوها. صحيح أنه لم تقع اصابات جسدية، ولكن كانت غير قليل من الاصابات النفسية. فمرة اخرى شرحت اوساط الجيش الاسرائيلي أنه ليس صحيحا ان نفتح الان جبهة مع غزة، حين تكون العيون تتطلع الى الشمال، واوصت برد محدود مع حماس وليس مع الجهاد. هذا الاخر يستدعي النار التالية، وفي الجنوب ايضا يمكن ان تصيب في المرة التالية.
ولكن مع ايران ايضا ألم بنا الشلل اياه. فهي تواصل تثبيت تواجدها في سوريا – بالاشخاص وبالوسائل – اما عندنا فقد سحبوا الكابح اليدوي واوقفوا الهجمات في سوريا منذ قبل شهرين. في البداية، كانت الذريعة عدم الرغبة في افساد ايام الاعياد. اما الان فالتفسير هو اننا مستعدون للرد عندما يقرر قاسم انه يطيب له ان يطلق صواريخه الى هناك.
في الخلفية، تتخذ ايران كل شهر خطوة اخرى نحو استئناف برنامجها النووي. الخطوة الاخيرة التي اتخذتها – استئناف تخصيب اليورانيوم في المنشأة التحت ارضية في قم– هي الاكثر جرأة حتى الان. ومنذ يوم الاربعاء عادت أجهزة الطرد المركزي في فوردو تدور وقريبا ستبدأ في بعث اليورانيوم المخصب. وهذا ما تفعله في منشأة محصنة تحت الارض، منيعة على الهجمات الجوية، في استفزاز فظ للعالم كله، الذي بدوره يصمت. لقد كان الكفاح ضد الاتفاق النووي درة التاج في سياسة نتنياهو في العقد الماضي. فقد خرج عن طوره كي يقاتل ضد الرئيس اوباما وردا على ذلك حصل على اتفاق سيء رغم أنفه ورغم استيائه. ودفع بالرئيس ترامب نحو الانسحاب من الاتفاق النووي وبالمقابل حصل على ايران عائدة الى المسار النووي. بعد سنة ونصف من الغاء ترامب للاتفاق النووي، فان وضع اسرائيل امام ايران ساء جدا. الاتفاق النووي، مهما كان سيئا، منح اسرائيل شيئا ما لا يمكننا أن نحصل عليه بانفسنا. ليس لاسرائيل القدرة على ابعاد ايران 15 سنة عن قنبلة نووية. يمكن لسلاح الجو ان يؤخر البرنامج النووي الايراني لسنتين في اقصى الاحوال.
***
كان يمكن للانسحاب من الاتفاق النووي ان يكون منطقيا لو أنه اسند بتصميم امريكي وباستعراض للقوة يجبر ايران على العودة الى المفاوضات على اتفاق جديد. اما في ضوء الضعف الذي تبديه الولايات المتحدة الان، فان ايران تشعر بانها محررة وبعد زمن غير بعيد ستبدأ في جمع متجدد لمادة مشعة بجودة اعلى. منذ الان تقف ايران في موقع يسمح لها بان تطالب برفع تام للعقوبات كشرط أولي لاستئناف الحوار مع الولايات المتحدة.
ان الاثار من ناحية اسرائيل قاسية. ففضلا عن الحاجة الفورية لاستئناف الاستثمارات في الخيار العسكري تجاه ايران، فان اسرائيل ملزمة بان تستوعب بانها كفيلة بان تبقى وحدها في المسعى لوقف النووي الايراني. هذا يتطلب صياغة مفهوم أمن يكون ذا صلة بهذا التحدي، مفهوم يحدد ما هي الانجازات التي تريد اسرائيل ويمكنها ايضا ان تحققها، وان تأخذ بالحسبان امكانية أن نفشل ونجد أنفسنا امام ايران نووية.
ان الاساسات الجيدة التي صبها رئيس الوزراء الاول دافيد بن غوريون في مفهوم الامن الاسرائيلي في 1953 لا تزال سارية المفعول. فهي تقوم على اساس الفرضية بان اسرائيل لا يمكنها أن تقتلع كل مصادر العداء ضدها، وستكون مطالبة غير مرة لان تصمد في جولة قتالية. وحسب هذا المفهوم، فان هدف الجيش الاسرائيلي هو أن يوسع قدر الامكان المسافة التي بين الجولات القتالية ويمنح اسرائيل زمنا باهظ الثمن للازدهار ولتعاظم القوة. هذه هي الامنية التحتية لمفهوم أمن يقوم على اساس المبادرة – سواء في المجال العسكري لعمليات الردع والاحباط، ام في المجال السياسي، في السعي الدائم الى اتفاقات سلام مع اكبر قدر ممكن من الدول في محيطنا.
في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي اضاف دان مريدور بضعة مداميك هامة وحديثة للمفهوم، راعت منذ ذلك الحين التغييرات التي طرأت على شكل التهديد العسكري. والان مطالبة اسرائيل بتعديل هام آخر حيال ايران، القوة العظمى الاقليمية الصاعدة ذات تطلعات التوسع والتعاظم النووي. ان المصلحة الاسرائيلية العليا هي منع الجمهورية الاسلامية من التزود بسلاح نووي، وملحق بها كبح توسعها في المنطقة. اسرائيل ملزمة بان تحدد لنفسها كيف يتحقق هذا وان تتسامى فوق المداولات التكتيكية على ما يكون عليه الرد على اطلاق صاروخ من سليماني.
اذا كنا في بداية معركة مع دولة من 80 مليون نسمة، ذات قدرات تكنولوجية واقتصادية، تبعد عنا 1.300 كيلومتر، لا يمكن للرد أن يكون فقط بشراء اسلحة اخرى لسلاح الجو وبتعديل ميزانية التهديدات. هذه معركة ينبغي أن تربط بها مقدرات وطنية عديدة وتعزيز حصانتنا ليس فقط في الجانب العسكري، بل وايضا في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. هذا ممكن. لقد سبق أن اثبتنا في الماضي باننا نعرف كيف نتجند لمثل هذا التحدي وانه توجد فيها القوى اللازمة لذلك. كما أن هذا يتطلب قيادة تعرف كيف تركز وتجمع القوة الاسرائيلية لا ان تبعثرها. تعزز ثقة الاسرائيليين بالدولة وبمؤسساتها لا ان تشكك بها.