ترجمات عبرية

معاريف – بقلم آفي يسسخروف – تاريخ من العنف

معاريف بقلم  آفي  يسسخروف – 2/10/2020

شطبت الانتفاضة الثانية وجملة الاحداث القاسية التي سجلت فيها، واساسا العمليات الانتحارية، شطبت نهائيا تقريبا حل الدولتين. ولا يزال، كل  الخيارات الاخرى التي على الطاولة تبدو، في هذه المرحلة على الاقل،  حتى اسوأ  منه. الانتخابات في السلطة – هل هي هزة ارضية أم حيلة دعائية لفتح وحماس“.

(1)

مرت عشرون سنة وبضعة ايام منذ بدأت انتفاضة الاقصى. فقد اندلعت يوم الخميس 28 أيلول بعد زيارة رئيس المعارضة في حينه ارئيل شارون الى الحرم. لم تمنع حكومة اسرائيل برئاسة ايهود باراك زيارة شارون الى الحرم رغم انه كان عددا لا يحصى من التحذيرات من الجانب الفلسطيني، بعضها كان علنيا في وسائل الاعلام وبعضها رفع في لقاءات ثنائية، مثل ذاك الذي عقد في منزل باراك في كوخاف يائير في 26 ايلول مع ياسر عرفات ورجاله. أعدت نافا باراك وجبة عشاء للضيوف المحترمين، الذين طلبوا منع الزيارة، ولكن في نهاية  المطاف،  وبعد التداول  مع قائد الامن الوقائي جبريل الرجوب وبين  نائب  رئيس المخابرات اسرائيل حسون، اتفق على أن يزور شارون الساحة فقط وليس المسجد الاقصى.  

يوم الخميس، في ساعات الصباح المبكرة نسبيا، حج شارون الى الحرم. منعت الشرطة دخول الصحافيين  اليهود الى النطاق،  واضطررت الى تسلق اسطح البلدة القديمة، في مكان قريب جدا من الاوقاف.  واتاح لي الموقع الذي اقمت فيه المجال لان اراقب كل ما جرى في الحرم في  تلك الساعة الصباحية المبكرة  وان انقل بالبث الحي والمباشر ما يجري في الشبكة الثانية لصوت اسرائيل، مثل  مذيع في “اغاني وبوابات” تقريبا. دخل شارون مع حاشية كبيرة  من رجال الامن بينما بالمقابل كان بضعة الاف من الفلسطينيين. بعد جولة قصيرة واحتكاك عنيف، سقط فيه  النائب احمد الطيبي وكسر يده، نزل شارون عن الجبل (الحرم) وانتهى الحدث دون شيء تقريبا.  ولد الجبل فأرا،  ولكن في الغداة  سيتحول هذا الفأر ليصبح مرة اخرى جبلا.  

يوم الجمعة، عشية رأس السنة،  فور انتهاء الصلاة في المساجد، بدأ الاف المتظاهرين  يرشقون الحجارة وغيرها من الاشياء نحو المصلين اليهود في ساحة المبكى. اخلي المصلون، وبعد ان اصيب  قائد لواء القدس مئير اسحاقي في رأسه صدر الامر لاقتحام الجبل (الحرم) في ظل استخدام السلاح. وفي غضون وقت قصير سجل اربعة قتلى ونحو مئتي جريح. نقلت قناة “الجزيرة” وراديو صوت فلسطين الحدث بالبث  الحي والمباشر وذلك قبل  عصر الشبكات الاجتماعية. كانت هذه احدى المرات الاولى التي بمجرد وجودها، نجحت  محطة بث قمر صناعي في ايقاظ جمهور كامل. بمرور بضع ساعات قتل ثلاثة فلسطينيين آخرين في اضطرابات نشبت فيالبلدة القديمة وشرقي القدس. ومن هناك انتشرت النار الى كل ارجاء الضفة فيما اشعلت شخصيات مركزية في فتح وفي حماس النار. وفي تلك الظهيرة نشر مروان البرغوثي، بمساعدة رجاله، البيان رقم 1 الذي اعلن عن انتفاضة جديدة.

يوم السبت،  30 ايلول، سجل حدث دراماتيكي آخر. وفاة الطفل محمد الدرة،  الذي وثق في صور التلفزيون الفرنسي “فرانس 2” بينما كان ابوه جمال  يحاول حمايته من  النار  في  مفترق نتساريم. وفي ذاك اليوم منح النائب الطيبي الاحداث اسم “انتفاضة  الاقصى” وهكذا ثبت الاصطلاح عميقا في الوعي الاسرائيلي  والفلسطيني.

من الصعب ان نجمل في بضع  مئات من الكلمات اهمية وشدة الحدث، ولكن يخيل ان بضع سنوات من  الامل للسلام  مع الفلسطينيين انتهت  في تلك النقطة وفي جملة الاحداث التي تلتها: الفتك في رام  الله، عمليات اطلاق النار من انتاج فتح (واجهزة السلطة)، والتصفيات المركزة، العمليات الانتحارية القاسية، السور الواقي، نار الصواريخ من غزة، فك الارتباط، انتصار حماس في الانتخابات، سيطرة التنظيم على غزة  وسقوط معسكر اليسار في اسرائيل. وثمة من سيقول موته.  

أخلى تفاؤل اتفاقات اوسلو في 1993 والاتفاقات التي جاءت في السنتين التاليتين مكانها لتشاؤم عظيم في كل ما يتعلق بامكانية حل النزاع في يوم من الايام. وذلك رغم أنالعمليات الانتحارية  توقفت منذ زمن بعيد واصبحت السلطة بعد وفاة عرفات في 2004 شريكا في مكافحة الارهاب، ولا سيما من انتاج حماس،  ولكن من الداخل ايضا.  كتائب  شهداء الاقصى حلت، المسلحون الفلسطينيون لم يعودوا يتراكضون في ارجاء الضفة، ولا  تزال الكراهية بقيت على حالها، والعنف قد يكون خفض رأسه،ولكنه بقي يعتمل  تحت سطح الارض (بل واحيانا فوقها ايضا). لقد وجدت الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها منقسمة منذ حزيران 2007، ممزقة بين معسكر وطني ومعسكر ديني متطرف. ومشكوك ان نشهد في الفترة القريبة القادمة ما أسميناه في الماضي “افقا سياسيا”. وبدلا من الشبان القتاليين الذين اطلقوا النار نحو الاسرائيليين او تحزموا بالاحزمة  الناسفة، نشهد اليوم جيلا  جديدا يئس بعضه من الكفاح  المسلح (بعضه الاخر لا يزال يؤيده) ويسعى الان لاقامة دولة واحدة، اسرائيلية – فلسطينية، في  اطارها يتلقى الفلسطينيون حقوقا كاملة.  

شطبت الانتفاضة الثانية وجملة الاحداث القاسية التي سجلت فيها، واساسا العمليات الانتحارية، شطبت نهائيا تقريبا حل الدولتين. ولا يزال، كل  الخيارات الاخرى التي على الطاولة تبدو، في هذه المرحلة على الاقل،  حتى اسوأ  منه.  

(2)

في الايام الاخيرة جرى الحديث مرة اخرى كثيرا في وسائل الاعلام الفلسطينية وفي اوساط اصحاب القرار في السلطة عن امكانية اجراء انتخابات اولى للمجلس التشريعي في السلطة بعد 14 سنة ونصف. جرى الحديث كثيرا عن اجتماع رؤساء المنظمات، ولكن حتى الان لم يتحدد لقاء في اثنائه يتقرر الموعد النهائي للانتخابات. السؤال هو اذا كان هذا السيناريو الذي جرى الحديث عنه كثيرا منذ 2006، سيخرج بالفعل الى حيز  التنفيذ.

ما يشبه الاجماع بين المحللين الاسرائيليين الذين يتابعون الساحة الفلسطينية هو أن هذه دعاية من الحركتين هدفها بث رسالة وحدة. ولكن من احاديث مع محللين فلسطينيين، تظهر امكانية ان تكون هذه خطوة حقيقية هذه المرة، وان الطرفين جديان ويريدان انتخابات بالترتيب التالي:  بداية انتخابات للمجلس التشريعي للسلطة، 132 عضوا. واتفق بين الطرفين منذ الان ان تجرى الانتخابات على اساس نسبي وليس لوائي. اي حسب الاحزاب. وبعد ذلك، في غضون بضعة اشهر ستكون  الانتخابات للرئاسة، ليس اقل، واخيرا الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.

التفسير للتغيير، ظاهرا  على الاقل، يكمن بزعم بعض المحللين في عدة اسباب. اولا، الوضع السياسي السيء للحركتين – حماس في غزة وفتح في الضفة. كلتاهما تحتكان في  اسفل  الرأي  العام،  الذي  يتعاطى  معهما  باحتقار شديد وبل وبكراهية. ثانيا، اعتراف الحركتين بشراكة المصير. فتح وحماس ببساطة نسيتا في الخلف من كل الاطراف. فالدول العربية السُنية لم تعد تهتم بالمسألة الفلسطينية وترغب في التطبيع مع اسرائيل. و “صفقة القرن” تتقدم بدون الفلسطينيين. صحيح ان الضم لم يحصل، ولكن الفلسطينيين شطبوا من  الاجندة العالمية والعربية. اضافة الى ذلك يفعل الضغط الاوروبي  فعله. ففي  محادثات مغلقة مع مسؤولين فلسطينيين أعربت بعض الدول الاوروبية المركزية عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين، ولكن بشرط أن تتوصل  حماس وفتح الى الوحدة  وتجري انتخابات.

العامل الاضافي الذي يذكر في سياق “النجاح” النسبي  هو الاشخاص الذين يتصدرون المفاوضات في الحركتين. فعن فتح جبريل الرجوب، امين سر اللجنة المركزية للحركة الذي تلقى ضوء اخضر  من ابو مازن لاجراء مفاوضات مع حماس على الانتخابات. وبأسم حماس صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، المعروف جيدا لقوات الامن الاسرائيلية  كمن يشجع الارهاب من الخارج. الرجوب والعاروري يعتبران من الرجال “التنفيذيين”، ممن لا يترددون في  الركض الى الامام مع المخططات. ويروي مصدر فلسطيني بان “اسلاف الرجوب عن فتح درجوا على سماع مواقف حماس والخروج الى جولة محادثات في العواصم العربية والعودة من هناك الى رام الله والعودة مرة اخرى وهم يحملون اسئلة عن مواقف حماس. اما الرجوب فيعمل بشكل مختلف. فهو يعرف ما هو التفويض الذي اعطي له وبالتالي سارع الى اتخاذ القرارات. وهكذا العاروري ايضا”.

نجح الرجوب والعاروري في تحقيق اتفاقات مثيرة للانطباع جدا، وبالتأكيد مقارنة بالمحادثات السابقة بين الحركتين. قيادة موحدة لكل الحركات ستقرر استراتيجية الكفاح “الشعبي” بينما الهدف هو “اقامة دولة فلسطينية في حدود 67 مع شرق القدس كعاصمة لها ومع حل عادل لمشكلة اللاجئين”.

حتى الان يبدو ان فتح نجحت بشكل لا بأس به في التقدم باجندتها السياسية. وشرح الرجوب في احدى المقابلات الصحفية معه بانه اذا كان الرد الاسرائيلي قاسيا، فسينظر الفلسطينيون في امكانية التطرف في اعماله ايضا. وهدد بان “كل الخيارات مفتوحة”. وبالمقابل ترفض حماس فكرة الاعتراف باسرائيل. القيادة الموحدة هي التي ستقرر اذا كان الكفاح ضد الاحتلال سيتلخص في مسيرات شعبية  ام يتصاعد الى كفاح مسلح. اضافة الى ذلك، كما اسلفنا، اتفق على آلية الانتخابات.

تلقى هذه الخطوة تأييد الكثير من اعضاء  اللجنة المركزية في فتح، مثل حسين الشيخ، رئيس الوزراء محمد اشتيه بل وحتى السجين رقم 1 البرغوثي. كلهم يفهمون ضائقة الحركة وكم هم الفلسطينيون بحاجة الى خطة اكبر لـ “اليوم التالي” لابو مازن. وبالفعل، يبدو أن مفاتيح نجاح هذه الخطوة توجد اساسا لدى الرئيس الفلسطيني. ظاهرا يبدي عباس الان تصميما كبيرا للعمل على خطوة الانتخابات، ولكن السؤال هو اذا كان سيواصل ذلك بعد الانتخابات الامريكية ايضا. بعد شهر ونيف قد يتبين من سيكون الرئيس القادم في البيت الابيض. اذا انتخب المرشح الديمقراطي جو بايدن، فمعنى الامر انه سيسجل في واشنطن تغيير دراماتيكي في الموقف من الفلسطينيين. ومن هنا يحتمل أن يرغب ابو مازن في انتظار نتائج الانتخابات الامريكية كي يقرر اخيرا اذا كانت حماس وفتح ستسيران الى الانتخابات. اما انتصار ترامب فسيؤدي على ما يبدو الى انتخابات في المناطق، ولا سيما للظهور في جبهة موحدة ضد النية الامريكية لطمس الجانب الفلسطيني. كما يحاول عباس العمل على عدة افكار قبيل هذه الانتخابات، مثل قائمة مشتركة لحماس وفتح مع ممثلي المنظمات الاصغر والمستقلين وفق صيغة ثلث– ثلث – ثلث.

في الجانب الفلسطيني يخشون من أن تحاول اسرائيل التشويش بعدة طرق على الانتخابات اذا شاركت فيها حماس، سواء بالاعتقالات في الضفة أم بالمنع الجسدي للانتخابات في شرقي القدس. ولكن في السلطة يفهمون ايضا بان صور شرطة اسرائيل تغلق صناديق الاقتراع في القدس ستستقبل بشكل سيء في ارجاء العالم.

وماذا يعني هذا بالنسبة لغزة؟ هل انتصار فتح سيبشر بانتهاء حكم حماس في القطاع؟ لا حاجة للمسارعة الى هذا الحد. وحتى لو اطلقت “صافرة انذار حقيقية”، وانطلقت الانتخابات على الدرب، وحتى لو انتصرت فتح فان احدا في هذه المرحلة لا يجرؤ على التحدث مع حماس على نزع سلاحها، واحتمالات ان نصل الى هذه النقطة تبدو متدنية جدا في هذه المرحلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى