ترجمات عبرية

معاريف: المحادثات بين إسرائيل وسوريا علقت في طريق مسدود

معاريف 12/12/2025، جاكي خوري: المحادثات بين إسرائيل وسوريا علقت في طريق مسدود

اذا لم تطرأ قريبا انعطافة في اللحظة الأخيرة، فستذكر هذه الأيام كتفويت للفرصة. اما حكومة إسرائيل وحكومية سوريا يوجد اقتراح لتسوية الوضع الأمني على الحدود. تسوية معناها يتجاوز البنود الصغيرة والتنفيذ على الأرض وهي كفيلة بان تشكل حجر زاوية لاتفاقات أخرى. المفاوضات جرت على مدى بضعة اشهر وبجدية كبيرة في لقاءات وجها لوجه بمشاركة وسيط امريكي. لكن منذ بضعة أسابيع والعربة عالقة.

صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية كشفت هذا الأسبوع بان الطرفين توصلا الى تفاهمات في اطارها تنسحب إسرائيل من الحزام الأمني الذي استولت عليه في الجولان السوري باستثناء تعديلات طفيفة. وقد اعد الاتفاق للتوقيع في نيويورك قبل نحو شهرين ونصف، بحضور رئيس وزراء إسرائيل والرئيس السوري اللذين وصلا للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وتفيد الصحيفة على لسان مصادرها بان نتنياهو رفض التوقيع. مكتب نتنياهو نفى النبأ فور نشره، لكن في السطر الأخير، سواء تبلورت وثيقة مكتوبة أم لا، وصلت المحادثات الى طريق مسدود.

الجنوب السوري هذه الأيام هو منطقة حرب. يدور الحديث عن إقليم واسع يقع بين مدينتي السويداء ودرعا ويمتد شمالا على طول الحدود مع إسرائيل حتى القنيطرة. يسكن فيه دروز، سُنة وقبائل بدوية وهو مفعم بتوترات، اجتماعية، اقتصادية وطبقية. توتر عنيف يسود بين هذه الطوائف – وبينها وبين الحكم المركزي. الاستقرار بدأ يهتز في السنة الأخيرة في اعقاب تغيير الحكم. فقد فهم الجميع بانه في الوضع الجديد، عديم اليقين، ينبغي للمرء أن يستوي قدر ما يستطيع. الحكم الجديد وان كان يحاول استقرار الامن، لكن قواته قليلة، وفي بلدات المحيط يكون مستوى الحكومة دوما متدنٍ نسبيا. أقاليم بعيدة وتمردية ستشكل دوما تحديا للحكام في منطقتنا وبخاصة لحكم يوجد في بدايته.

هكذا وجد الدروز انفسهم يتعرضون للاعتداءات من البدو بسبب توترات قديمة، ومنقسمين فيما بينهم. اما السُنة بالمقابل فيتخوفون من أن يفرض الجيش الإسرائيلي عليهم إمرة الاحتلال مثلما فعل في الحزام الأمني في لبنان او في غزة، ولهذا فهم يتجندون لاستعراض العضلات. حماس والايرانيون يراقبون ما يجري ويجدون ثغرة. هم يحاولون استغلال الوضع الهش واستخدام المنطقة لاجل العمل منها ضد إسرائيل.

الخطر الذي يشكله هذا الواقع تجاه الدروز رأيناه في مجزرتين تجاههم خلال هذه السنة. وبين هذا وذاك سجلت تنكيلات أخرى. كان يمكن أن نرى هذا أيضا في النشاط الحثيث لوحدات الجيش الإسرائيلي وحملات الاعتقال الليلية التي جرت في القرى والبلدات خلف الحدود.

 فخ إسرائيلي

في اعقاب سقوط الأسد وخوفا من تفكك عام في الجنوب، اجتاح الجيش الإسرائيلي سوريا واستولى فيها على حزام امني واسع. المنطقة “الإسرائيلية” الفاصلة امتدت على مدى 75 كيلو متر في داخل الأراضي السورية. عرضها يتغير بين بضع مئات الأمتار الى الدخل وحتى 14 كيلو متر.

ولدى وصول حكومة سوريا لاجراء الاتصالات طلبت من إسرائيل انسحابا شبه تام من المنطقة الفاصلة الى خطوط وقف النار في 1994 أي الى الوضع الذي كان سائدا عشية الانقلاب في 7 كانون الأول 2024.  إسرائيل مستعدة لان تسحب قواتها الى الوراء لكن ان تبقى تسيطر في معظم الحزام الأمني الجديد. وذلك خوفا من ألا ينجح الجيش السوري في القضاء على الإرهاب في المنطقة التي يخرج منها الجيش الإسرائيلي. ردا على ذلك يقول السوريون اتركوا لنا المهمة، المسؤولية عن منع العمليات من أراضينا ملقاة على كاهلنا.

في إسرائيل يخشون ليس فقط من فشل النوايا الطيبة بل وأيضا من خيانة وحدات أو افراد من الجيش السوري، تأخذ المبادرة وتعمل سرا ضد إسرائيل. هكذا حصل على مدى السنة عدة مرات عندما خرجت قوات بدوية او سُنية مسلحة، ببزات الجيش النظامي لتقوم باجتياحات إجرامية ضد الدروز.

في مقابلة مع مجلة “المجلة” السعودية نشرت قبل شهر، أوضح وزير الخارجية السوري بان التسوية المقترحة ستكون مؤقتة فقط. وكان الوزير اسعد الشيباني مبعوث الرئيس السوري الى الاتصالات، فيما مثل إسرائيل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر.

قال الشيباني وفي الواقع وضع امامنا عرضا لتطوير العلاقات: هذا لن يكون اتفاقا نهائيا. بل سيكون مراحل لبناء الثقة”، وواصل يقول: “في منطقة معينة ستكون شرطة واستحكامات وعندها ستكون قوة عسكرية، وهكذا دواليك. هذا تقريبا ذات الاتفاق ويوجد فيه تغيير طفيف. لكن الغاء 74 كله وجلب اتفاق جديد، هو امر رفضناه علنا. يوجد اتفاق كان ساري المفعول على مدى 50 سنة وتبناه مجلس الامن. فأن نأتي الان باتفاق في 2025 ونقره في مجلس الامن؟  لا حاجة لذلك، بصدق. ثانيا لا توافق على استغلال الوضع الحالي لحكومة سوريا لاجل اخذ اراضٍ جديدة منها”.

حمص في دمشق؟ بداية فلنتخلص من الرغيف السوري. لقد وجدت إسرائيل نفسها في فخ: اذا وقعت على اتفاق امني مع دمشق وسحبت الجيش الإسرائيلي من المنطقة الفاصلة، فمن شأن جملة طالبي الشر ان يستولوا على المنطقة وينفذوا من داخلها عمليات مضادة. واذا لم توقع فمن شأنه ان تنشأ هناك مقاومة لقوات الجيش الإسرائيلي بمجرد تموضعها في المنطقة الفاصلة. في الحالتين امامنا مراهنة.

 يتحدثون من الميدان

يوم الاثنين أحيت حكومة سوريا ذكرى السنة على الانقلاب الذي أطاحت فيه بالاسد. وقد احتفل بالحدث بضبط نسبي بالنفس كما يتلاءم والحكومة الجديدة التي توجد في اختبار من كل نواحيها ولا تتمتع بميزانية سخية على نحو خاص. سلسلة مناسبات احتفالية، خطاب الزعيم الجديد وكذا استعراض عسكري لامع. “غزة هي شعار يتطاير، قصف وخراب”، صرخ الجنود كرجل واحد فيما هم يسيرون بنظام مثالي في شوارع دمشق. واتجهت الهتافات نحو القدس. “طالعلك يا عدوي طالع طالعلك من جبل النار”.

بعيدا عن هناك في بلدة خان أرنبة في منطقة مدينة القنيطرة، التقت قوة من الجيش الإسرائيلي ترابط في احد الطرق الرئيسة بقافلة من جهاز الامن العا السوري. لوح رجاله بالبنادق وهتفوا “الله اكبر” نحو الجنود. كان هذه مظاهرة استقلال من جانبهم دون نية اشعال نار. توفيق من احد المارة يظهر صورة غير عادية على نحو ظاهر. آليات ثقيلة للجيش الإسرائيلي تقف على الطريق الرئيس، ومسلحون سوريون يمرون عنهم بقافلة وهم يحملون رسالة استفزازية. كل هذا دون اشتباك او نار.

استطلاع بادرت اليه مجلة “فورين افيرز” البريطانية وجد ان 14 في المئة فقط من مواطني سوريا معنيون بسلام كامل مع إسرائيل. 92 في المئة يرون فيها قوة عسكرية مهددة. السعودية، تركيا وقطر محبوبات اكثر بكثير على السوريين حسب الاستطلاع الذي اجري في نهاية أكتوبر وبداية تشرين الثاني.

الشارع السوري لا ينسى السنة الأخيرة التي امطر فيها الجيش الإسرائيلي الذخيرة بلا توقف على قواعد الجيش التي خلفها الأسد. الشرع قال ان الف مرة واكثر نفذت طائرات إسرائيلية طلعات في الأراضي السورية في السنة الماضية. 400 مرة تسللت قوات برية الى أراضيها. هذه اعداد دراماتيكية.

المنطق الإسرائيلي واضح. من يدري أي طبيعة ستتخذها الخطوة الجديدة. توجد فرصة ذهبية لاقتلاع قدراتها العسكرية وبالتالي يتخذونهها. كل شيء جيد وجميل، لكن للقتال بأسلوب الأرض المحروقة يوجد ثمن أيضا. تصوروا جيدا اجنبيا يدمر مخازن جيشنا. فمن يري أن يكون على سلام معه.

هذه أسابيع قرار. الاتصالات ذاتها استنفدت، والطرفان يعرفان جيدا ما الذي يريده كل طرف. السوريون يصرون على موقفهم ولا يوافقون على إبقاء الجيش الإسرائيلي عميقا في أراضيهم. من ناحيتهم إسرائيل تحاول تخليد ضم زاحف. بعد 58 سنة من نزع هضبة الجولان منهم، تسعى لان تأخذ قطعة أخرى. “يوجد سلام مع الشرق الأوسط”، قال ترامب للصحافيين هذا الأسبوع، ليس للمرة الأولى. ولعله قصد محادثات السلام إذ ان السلام نفسه لم يأتي بعد بل ان حتى المحادثات تتعثر جدا. ليس فقط في القناة السورية بل وفي غزة وفي لبنان أيضا.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى