معاريف: المؤامرات الإيرانية لتقويض النظام الأردني ستهدد أيضا استقرار النظام السعودي
معاريف 27/9/2024، د. عنات هوكبرغ مروم: المؤامرات الإيرانية لتقويض النظام الأردني ستهدد أيضا استقرار النظام السعودي
في ظل المواجهة المحتدمة ضد حزب الله في لبنان وتصعيد الصراع ضد حماس في قطاع غزة، يتعاظم التهديد الأمني على إسرائيل من الحدود الشرقية مع الأردن. فبينما تتبنى المملكة الأردنية موقفا مؤيدا للغرب الى جانب التأييد لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة فهي التي تعتبر عاملا استراتيجيا للاستقرار في الشرق الأوسط تجد صعوبة في مواجهة المحاولات المكثفة للتسلل والسيطرة من جانب ايران. فتآمر ايران الخطير على استقرار الاسرة المالكة والنظام الأردني والذي يتواصل منذ سنوات طويلة تعاظم على نحو خاص منذ 7 أكتوبر، بينما صغر المملكة، ضعف النظام، الضائقة السياسية – الاقتصادية للاردن واساسا موقعه الجغرافي بين سوريا، العراق، إسرائيل والسعودية يجعله هدفا جذابا لإيران. فهذه تسعى لان تضرب نسيجه الاجتماعي، مثلما تضرب أيضا امنه، سيادته ووحدته الإقليمية.
وفي اطار ذلك فان زعامة الملك عبدالله الثاني وقدرته على أن يتصدى في آن معا سواء نزاعات إقليمية مركبة ام لتوترات وتحديات داخلية تقف قيد الاختبار. ضائقة اقتصادية (مثل دين قومي بمقدار 46.6 مليار دولار وبطالة وصلت في شهر أيار الى 21.4 في المئة)، ضعف ديمغرافي (نحو 3.5 مليون لاجيء يشكلون نحو 30 في المئة من السكان) وتعلق بمساعدة امنية واقتصادية (مثل مساعدة أمريكية تقدر بـ 1.5 مليار دولار في السنة) تعظم هشاشة المملكة وانعدام استقرارها. الأردن يعتبر في نظر طهران كتهديد أمني ينبع ضمن أمور أخرى من كراهيتها التاريخية للنظام الملكي العلماني ومشاركته في الائتلاف المناهض لإيران من اتفاق السلام الذي وقعه النظام في 1994 مع إسرائيل وكونه قاعدة لعمل الجيش الأمريكي والقوات الغربية ضدها. وبالتالي، فان الحرص على امن واستقرار المملكة الصغيرة من الشرق حرج. يدور الحديث عن مصلحة استراتيجية أهميتها لإسرائيل، السعودية ودول أخرى هائلة.
وضع طواريء إقليمي
ليس صدفة ان نشرت صحيفة سعودية شعبية مؤخرا تصريحات رسميا يقضي بان “حكومة السعودية ترى في استقرار الأردن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة السعودية”. باستثناء استئناف العلاقات بين الرياض وطهران (اذار 2023) ومساعي ايران للامتناع عن مواجهات مع السعودية، اتحاد الامارات ومصر، حلفاء الأردن، فان قيادة السعودية – التي ترى في كل محاولة لتقويض الاستقرار في المملكة الأردنية اجتيازا لخط احمر – غير مستعدة لتحويل جارتها الى هدف للارهاب. هذا وضع سيزيد الفوضى في العالم العربي، باسم تأييد الفلسطينيين في غزة.
فضلا عن ذلك، في نظر المملكتين، اللتين تتقاسمان حدودا طويلة تمتد لمسافة 731 كيلو متر ماضيا ثقافيا – تاريخيا، الى جانب مصلحة استراتيجية مشتركة لصد تعاظم ايران والتهديد الإيراني – يدور الحديث عن ساعة طواريء هي من اكثر الساعات شدة وصدمة. فالخطوات الاستفزازية من جانب طهران تستهدف تعزيز النفوذ الإقليمي وتثبيت قوة ومكانة “محور المقاومة”. وبالتالي، فان هزس الاستقرار الأمني وتقويض النظام في الأردن، ضمن أمور أخرى من خلال تصعيد الإرهاب من جانب ميليشيات مؤيدة لإيران تعمل في المملكة وكذا في العراق وفي وسوريا، وتسلل خلايا إرهاب إضافية (شيعة من أفغانستان وباكستان) بما في ذلك ميليشيات حوثيين من اليمن – تحمل تداعيات جغرافية سياسية وأمنية عديدة.
يدور الحديث عن وضع حد خطير للغاية يشكل تهديدا حقيقيا على استقرار المملكة السعودية، مثلما أيضا على الوضع الراهن في أوساط الدول العربية والعالم الإسلامي. إضافة الى ذلك هذا منحدر سلسل يؤشر الى جدية نوايا ايران في التوجه الى تفاهم إضافي في ازمة الشرق الأوسط. هذا تفاقم سيشعل كل المنطقة، يوسع التنسيق والارتباط بين الفروع الكثيرة وبين ساحات الصراع المختلفة وسيجر دول أخرى الى جانب قوى عظمى عالمية بما فيها روسيا الى حرب شاملة ضد إسرائيل.
على هذه الخلفية، فان علاقات عمان – الرياض تلقى معنى جديدا واهمية استراتيجية. وهذا يتجاوز حقيقة انه يوجد انعدام تماثل هائل الى جانب تعلق متبادل بين الأردن والسعودية. فعلى الرغم من العداء التاريخي، الفوارق الاستراتيجية والخلافات العميقة بينهما (مثلا في مسألة الوصاية الأردنية الى الأماكن المقدسة في القدس، او مسيرة التطبيع المحتملة بين السعودية وإسرائيل)، عظمة اللحظة والقرب الجغرافي يشكلان فرصة لتعزيز العلاقات بين الدولتين. أي بلورة علاقات ثقة بين زعيمي المملكتين وتوثيق الاتفاقات ومظاهر التعاون المختلفة ضمن أمور أخرى في المجال الأمني مثلما أيضا في مجالات التجارة والبنى التحتية. وهذا بخاصة على خلفية الضائقة الاقتصادية للاردن، الذي اعلن عن خسارة مداخيل بمبلغ نحو 250 مليون دولار في الشهر، مثلما يفهم من منشورات رسمية لحكومة عمان وفي ضوء تعلقها باموال المساعدات من مصادر اجنبية بما فيها السعودية (التي تعهدت الى جانب اتحاد الامارات بان تحول لها هذه السنة 2.5 مليار دولار).
ان نظرة ثاقبة اكثر تبين أن الانشاء المحتمل لطريق التجارة والنقل الدولي (IMEC) يربط بين الهند، الشرق الأوسط وأوروبا عبر دول الخليج بما فيها السعودية من المتوقع أن ينتج لها غير قليل من الفوائد الاستراتيجية ويخدم مصالح هامة وبعيدة المدى لإسرائيل أيضا. كل هذا، ضمن أمور أخرى، مع مراعاة التقدم في “رؤيا 2030” وتطوير الخطط الطموحة لابن سلمان ولي العهد السعودي (مثل إقامة المدينة المستقبلية نيوم) الى جانب رفع مستوى تموضع السعودية كمركز اقتصادي عالمي. هذا إضافة الى نمو حجم التجارة الثنائية مع الأردن (مثلا، حجم الاستيراد الأردني من السعودية بلغ 3.79 مليار دولار في 2022 مقابل تصدير عام وصل الى 2.31 مليار دولار) الى جانب ترفيع مكانة المملكة وادعائها الحيوي في المنطقة الجغرافية السياسية الأمنية الإقليمية.
ممزقة بين المصالح
في نظرة استراتيجية واسعة، فان عمان التي توجد تحت تهديد امني وجودي، تناور كما اسلفنا بين جملة لاعبين، مصالح وتحديات مركبة. مثلا، بين دعوات الجمهور الأردني لالغاء اتفاق السلام ومقاطعة إسرائيل، وبين الحاجة لزيادة حجم المساعدة الأمنية وتكثيف القوات الإسرائيلية على طول الحدود المشتركة، بخاصة بعد العملية في معبر اللبني في 8 أيلول. يوجد لها مصلحة قوية لمنع تهريب المخدرات، السلاح والذخيرة التي تصل اليها أساسا من سوريا فتنتقل منها الى إسرائيل والى منظمات الإرهاب الفلسطيني التي تعمل في الضفة الغربية (مثلا، مؤخرا نشر أنه بين كانون الثاني وتموز 2024، فان نحو 4 الاف اردني تسللوا الى إسرائيل وان ميليشيا مؤيدة لإيران تعمل في العراق بل وهددت بتسليح 12 الف مقاتل اردني بسلاح إيراني).
ان الخطوات التآمرية الأردنية تتضمن ضمن أمور أخرى إقامة الاف المساجد الشيعية في ارجاء الدولة الى جانب تشجيع ودعم مظاهرات التأييد المؤيدة للفلسطينيين والتي تحظى بتغطية واسعة تترافق ودعاية لاذعة في وسائل الاعلام العربية. يتبين ان الحديث يدور عن جهود تجنيد مكثفة للسكان الأردنيين (الذين نحو 50 في المئة من 11.3 مليون نسمة هم من اصل فلسطيني و 66 في المئة مؤيدون لحماس). كل هذا بهدف ربطها بالمصالح الإيرانية في اطار صراع الوعي والعملي غايته تشديد الكراهية لإسرائيل والمس باستقرار النظام الأردني وتجنيد شباب اردني وجهات متطرفة تساعد في تحويل المملكة الى جبهة إضافية في الصراع ضد “الكيان الصهيوني”.
ليس صدفة ان قال الملك عبدالله الثاني في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انعقدت هذا الأسبوع ان “حكومة إسرائيل تشجع خرق الوضع الراهن في الحرم”. على خلفية تعقيد وضع الأردن وعلاقاته مع إسرائيل وفي ضوء التوتر الكبير الذي يسود بين الملك وبين حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، هذا نقد حاد موجه ضدها، الى جانب إشارة او دعوة للمساعدة تستهدف تشديد تفجر الوضع الأمني والحاجة للامتناع عن خطوات معينة وتنفيذ أفكار استفزازية (مثل نقل لاجئين غزيين الى الأردن). إذ انه باستثناء حقيقة أن اتفاق السلام والشراكة الاستراتيجية بين الأردن وإسرائيل هما عنصران مركزيان في المفهوم الأمني القومي لكل واحدة منهما، فان هز استقرار المملكة الهاشمية من شأنه أن يخلق “أثر دومينو”، فتاك. بمعنى ان يؤدي الى اهتزاز بنيوي لامن إسرائيل وكذا للسعودية كما أسلفنا، مثلما للشرق الأوسط كله. والى ذلك فان احتدام المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية ونتائج الحرب في القطاع ستقرر بقدر كبير المكانة الإقليمية للاردن مثلما ستقرر مصير النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.