معاريف: القيادة الإيرانية امام خيارين: تلطيف التوترات مع الغرب ام تواصل الخط الكفاحي
معاريف 19/11/2024، زلمان شوفال: القيادة الإيرانية امام خيارين: تلطيف التوترات مع الغرب ام تواصل الخط الكفاحي
في كتاب الطبيب دولتل يُروى عن حيوان برأسين كل واحد منهما يتجه في اتجاه آخر. هذا على ما يبدو هو الوضع الذي من شأنه أن يميز سياسة الولايات المتحدة تجاه ايران في الفترة التي بين إدارة بايدن الراحلة وإدارة ترامب الوافدة في 20 كانون الثاني. المثل الذي يقول “السقوط بين كرسيين” وكأن به ابتكر بخاصة لهذا الوضع، وفي هذه الاثناء يسمح الوضع لطهران بالنزول عن الشجرة العالية التي تسلقتها وان تقرر الا تقرر اذا كانت تهاجم إسرائيل ومتى.
في الأسابيع الأخيرة تنافس فيما بينهم خبراء ومحللون في طرح فرضيات وتخمينات في هذا الموضوع. كان هناك من حلل الوضع كحرب نفسية إيرانية ضد الجمهور الإسرائيلي. لكن في نظرة ادق يتبين ان هذه ليست حربا نفسية، بل تشخيص للقيادة الإيرانية لمكانتها الاستراتيجية المتدنية ومباديء عقيدة الامن لديها.
الهجوم الإسرائيلي في 26 أكتوبر على المنشآت الأمنية في أراضي ايران، والاعمال العسكرية الإسرائيلية النشطة ضد وكلاء ايران، حماس وحزب الله، وضعت في الشك عقيدة الامن الإيرانية والتي قامت على أساس الامتناع عن مواجهة مباشرة مع إسرائيل، فما بالك مع الولايات المتحدة وعلى الاستناد الى وكلاء ايران كخط دفاع أول. إضافة الى ذلك، اشارت الهجمات الإسرائيلية لإيران بان استراتيجيتها النووية أيضا قد تتعرض للتهديد او للتأخير على الأقل. إضافة الى ذلك، فان التدهور الاقتصادي في الدولة كنتيجة للعقوبات من شأنه أن يمس باستقرار الحكم، حين تكون المبالغ الطائلة التي تنفق على الزبائن الفلسطينيين هي شوكة في عيون الجمهور الإيراني الذي يكافح ضد أزماته الاقتصادية المتفاقمة. كل هذا وضع القيادة الإيرانية امام معضلة: هل تحاول تخفيف حدة التوترات مع الغرب ومع الولايات المتحدة بخاصة، كما تريد القيادة المدنية أم تواصل الخط الكفاحي للحرس الثوري الذي يرى في الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” ويسعى الى إبادة إسرائيل.
التناول السليم لهذه المعضلة الإيراني، واستخلاص الاستنتاجات العملية منها، سيكون الاختبار لادارة ترامب. وها نحن نعود للحيوان ذي الرأسين للدكتور دولتل: الى أين ستتجه الولايات المتحدة؟ لقد تعهد الرئيس بايدن الا يكون لإيران في ورديته سلاح نووي، واتجه أساسا الى استئناف الاتفاق النووي معها. لكنه لم يرد على سؤال ماذا يعني هذا في موضوع الفترة التي بعد نهاية ورديته. في الفترة المتبقية لها تبذل إدارة بايدن في هذه كل جهد، سواء بخطوات دبلوماسية أم بمرابطة قوات في الشرق الأوسط، لاجل منع اتساع المعارك العنيفة من هذه المنطقة الى حرب إقليمية واسعة من شأنها أن تورط الولايات المتحدة أيضا.
وأشار مراقبون في العالم الى أن نتنياهو أثبت منذ الان بانه عندما تكون مصلحة امنية حيوية على جدول الاعمال، فان الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة، مع كل أهميتها، لا تشكل دوما اعتبارا حصريا. لكن إسرائيل ملزمة بان تأخذ في الحسبان الان سيناريوهات محتملة بعد 20 كانون الثاني. صحيح ان ترامب أوصى رئيس الوزراء ان “يعمل ما يجب” لكنه لم يفصل. ومثلما كتب مؤخرا جون بولتون، مستشار الامن القومي للرئيس ترامب في ولايته الأولى (الى أن تنازع): “واضح ان تحت ترامب سياسة الشرق الأوسط الامريكية ستتغير، لكن السؤال هو هل ستغيير بما يكفي؟”. يطرح بولتون تخوفا من أن يعود ترامب أساسا الى سياسته في “الضغط الأقصى” أي تشديد متطرف للعقوبات وغيرها من القيود الاقتصادية على ايران، ولن يتخذ وسائل أخرى، حتى لو لم تكن خطوات حربية مباشرة وفورية، تشكل تهديدا مقنعا باتخاذ مثل هذه الخطوات في المستقبل.
ثمة من يذكر انه في ولايته الأولى أيضا، تحدث ترامب في مرحلة معينة عن تحسين الاتفاق النووي وليس عن الغائه. آخرون يحذرون من أن تؤدي سياسة “الضغط الأقصى” الى توثيق العلاقات الاقتصادية والجغرافية السياسية لإيران مع محور المقاومة الذي يضم الصين، روسيا وكوريا الشمالية. وفي مقلوب على مقلوب يحذرون من أنه اذا ما تعاظم في إدارة ترامب ميل الانعزالية والامتناع عن التزامات دولية، فان من شأن السعودية والامارات أيضا أن تتخذا خطوات لتحسين العلاقات مع ايران.
اذا ما تطورت بالفعل اتصالات بين الطرفين، سواء في ما تبقى من ولاية بايدن (غير محتمل) ام بعد قيام إدارة ترامب، واضح أن العلاقة بين ايران ووكلائها ستكون هي أيضا على جدول الاعمال. ايران ستطلب وقف الاعمال العسكرية الإسرائيلية ضدهم، فيما ستطلب الولايات المتحدة تفكيك هؤلاء الوكلاء أو تقييدهم على الأقل. في كل حال سيتعين على إسرائيل ان تعمل على اسماع مواقفها وقبولها – خشية أن نعود الى الوضع المشوه الذي ساد بعد حرب لبنان الثانية، وضع خلق مظهر تسوية فقط كي ينشأ في غضون وقت قصير واقع أخطر بكثير.