ترجمات عبرية

معاريف: القتال في الشمال يمكن أن يتدهور

معاريف 19/7/2024، جاكي خوجي: القتال في الشمال يمكن أن يتدهور

اذا تدهورت إسرائيل الى مواجهة عسكرية أوسع مع حزب الله في الأسابيع القادمة او لبضعة أيام قتالية تترافق وسفك دماء خطير – يجدر بنا أن نعرف منذ الان انه كان بوسعنا ان نعفي أنفسنا من هذا. فهذه الأيام هي أيام حساسة على نحو خاص في الجبهة الشمالية، أيام يمكن فيها أن تنضج مواجهة أوسع. اما اذا كانت تنشب أم لا، فهذا منوط بقدر كبير بنا. 

لإسرائيل ثلاث إمكانيات للسلوك في هذه الأيام حيال حزب الله. الأولى هي فتح حرب واسعة، حرب انتظرناها لسنين وهي تلبي تطلعات بعض من وزراء الحكومة وقسم ما من الجمهور. ضربة ساحقة هدفها ضربهم حتى الرماد، في اثنائها يدخل الاف جنود الجيش الإسرائيلي عميقا في أراضي لبنان، في مشهد يذكر بالعام 1982. هم سيصلون حتى الليطاني على الأقل، ان لم يكن أعمق منه، ويبعد حزب الله بعيدا عن الحدود. 

لا يوجد هذه الأيام في القيادة الأمنية، ولا حتى لدى رئيس الوزراء، رغبة في تحقيق هذه السيناريو. فالجيش الإسرائيلي مستنزف من الحرب الأطول في تاريخه. جيش الاحتياط مضرور من كل ناحية ممكنة، ومخزون الذخيرة محدود. المجتمع الإسرائيلي هو الاخر ليس مبنيا لهذا الحمل، ولا الاقتصاد أيضا. وكما كتبت هنا قبل شهر، هذا سيكون حرب خيار.

الامكانية الثانية هي مواصلة صيغة القتال الحالية. هجمات موضعية من الجو على مطلوبين او مخازن ذخيرة. حتى متى؟ حتى تنتهي الحرب في غزة، وعندها حزب الله يضع السلاح بمبادرته. من أكبر القادة في حزب الله وحتى آخر مطلقي الصواريخ – كلهم هذه الأيام على بؤرة استهداف الجيش الإسرائيلي، مكشوفون مثلما في ميدان التدريب على اطلاق النار.

قدرة استخبارية لامعة

هذا الأسبوع اضيف الى القائمة أيضا الرأسمالي السوري براء القطرجي، شخصية غنية يعمل منذ فترة طويلة كرسول لمهام سوداء للنظام السوري وأصدقائه. بين باقي مهامه، تلقى قطرجي ملايين الدولارات من الإيرانيين ونقلها الى حزب الله. هذه هي أموال الدعم الشهيرة التي تساعد حزب الله على البقاء. وقد دفع على ذلك الثمن بحياته. وحسب وسائل الاعلام العربية، لاحقته طائرة إسرائيلية وهو مسافر بسيارته يوم الاثنين وقتلته، كما أفادت مصادر اجنبية. 

في هذا القتال ينكشف الجيش الإسرائيلي بكامل قدراته. كيفما اتفق، مع ان قادة حزب الله يتخذون وسائل حذر كثيرة، تنجح محافل الاستخبارات الإسرائيلية في الوصول اليهم وهم يقودون سياراتهم او يجتمعون في شقة خفية وتنفيهم من العالم بجرة واحدة. في الغالب يتم الهجوم حتى بدون المس بابرياء علقوا في المحيط. 

هذا قتال استخباري من الأكثر دقة في التاريخ العسكري، بتواتر عال جدا، وان لم يكن له ترويج ومعظم مواطني إسرائيل لا يعرفون به. هكذا، كل يوم تقريبا، وأحيانا مرتين او ثلاث مرات في اليوم – مع أن هؤلاء المطلوبين يبذلون كل جهد مستطاع بتفادي المصير الذي تقرر لهم في مكان ما في الكريا في تل ابيب أو في الاكواخ الباهتة لقيادة المنطقة الشمالية.

من ناحية عسكرية واستخبارية هذا نصر إسرائيلي لامع، واذا لم تكلف إسرائيل نفسها عناء تشويشه بتورط زائد او بسلوك سياسي مغلوط سيأتي يوم واحد ما يوثق سيرته بكتب التاريخ. 

لهذا السبب وغيره، يوجد حزب الله في دونية كبيرة. احياء كاملة في قرى الجنوب دمرت من الأساس. عشرات الاف المواطنين هجروا بيوتهم. الكثيرون يطالبون حسن نصرالله باجوبة – لماذا هذا الثمن الغالي لاجل حروب الاخرين؟ الى هذا يضاف عدد شهداء حزب الله العالي (اكثر من 400) وكما اسلفنا، الدونية الاستخبارية وقدرة الكشف والتسلل الى صفوفه.

نصرالله، وهذا واضح بين السطور في خطاباته، يوجد في شرك لم يعرفه منذ سنوات طويلة. اذا ما وسع دائرة النار، فإسرائيل أيضا ستفعفل ذلك وعندها سيشعر هو ورجاله ومعهم سكان لبنان بمزيد من ثقل ذراعها المعروف. ولهذا يهاجم رجاله بعصف بلدات الحدود الشمالية وقواعد الجيش الإسرائيلي لكنهم لا يتسللون عميقا في الأراضي الإسرائيلية. من جهة أخرى تواصل إسرائيل النهج ذاته، بلا انقطاع، على مدى اشهر طويلة، وتبدي عدم اكتراث بالتهديدات، بالرسائل وبالمطالبات من بيروت للتوقف وكأن هذه ليس موجهة اليها. 

كبح الجماح الذي اخذه على نفسه نصرالله ينبع من الرغبة في الامتناع عن اشتعال شامل. لا ينبغي ان نقع في الخطأ. فهذا من شأنه ان ينفد بلحظة واحدة، اذا ما وجدت قيادة حزب الله صعوبة في الشد على اسنانها، مثلا بعد تصفية كبير آخر، او في حالة خلل عملياتي يقع فيه الجيش الإسرائيلي، كأن يقتل مدنيون لبنانيون كثيرون في هجوم ما او على سبيل الفرق – تقع كارثة في الجانب الإسرائيلي، تتطلب من الجيش الإسرائيلي ردا حادا يدهور الوضع. 

في التفوق العسكري الذي اكتسبه الجيش الإسرائيلي على حزب الله في اشهر الحرب هذه يوجد اغراء.  من الصعب الاشفاء منه دون سبب وجيه. لكن هنا يكمن الفخ. اذا ما وسعت إسرائيل دائرة النار وعمق القتال، او اجتاحت لبنان بريا مثلا – فان حزب الله بالفعل سيفعل ما هدد به نصرالله في خطاباته الأخيرة: اطلاق النار الى أعماق الأراضي الإسرائيلية دون حدود ودون تحفظات، نحو قواعد الجيش واهداف مدنية على حد سواء. 

في هذين السيناروهين الموصوفين اعلان، سيصعب على إسرائيل الخروج بارباح واضحة وبالتأكيد ليس النصر المطلق. ومن شأنها حتى أن تجد نفسها مرضوضة. صحيح أن الجيش الإسرائيلي سيخرب مزيدا من القرى التي لم تخرب بعد، ويقتل عشرات او مئات المطلوبين، ممن لم تصلهم بعد ذراعها الطويلة، لكن الضربة للجبهة الداخلية الإسرائيلية ستكون ملموسة وقاسية. فهي ستمحو التفوق العسكري الإسرائيلي الذي اكتسبه الجيش بكد وبعقل وتضيف الى فقدان حياة الانسان. 

الطريق الثالث

أمام إسرائيل بالتالي يوجد طريق عمل ثالث. الخروج الان من اللعبة حكمة وبتخطيط متشدد – والاعلان عن النصر. صحيح ان حزب الله سيواصل الهجوم لانه ملتزم تجاه حماس، لكن بقوى ادنى. لا مجال للتخوف، فهم لن يصعبوا. فمنذ بضعة اشهر وهم يلمحون بجملة اشكال وطرق عن رغبتهم في ان يتخذوا بضع خطوات الى الوراء. فهم دفعوا منذ الان حصتهم لحماس فما بالك ان البلطة من فوق رؤوسهم سيلوح بها كل الوقت. احد في لبنان لا يشكو اليوم امام حزب الله لماذا لا يهاجمون بشدة. الشكاوى تأتي من الاتجاه المعاكس: لماذا لا يهدئون. 

على مدى السنين درجت السياسة الإسرائيلية على الانجرار الى الواقع، وبقدر اقل المبادرة اليه. هنا مطلوب تصدر قيادي. حملة إعلامية مخطط لها متعددة المنظومات ومثابرة توضح للجميع هي المنتصرة. يوجد الكثير مما يمكن عمله، اذا كانوا يريدون: ان يظهروا الخراب الذي تسبب به نصرالله للقرى في جنوب لبنان. ان يلقوا عليه المرة تلو الأخرى بالذنب في أنه يعمل في خدمة اجندة اجنبية: ان يظهروا الخسائر في ذراعهم العسكري؛ الجدال مع رسائله وكشف اكاذيبها (شكرا للرب، توجد كهذه). اما هو فقد بدأ بالمناسبة منذ الان بالخطوة ذاتها بالضبط. في خطاباته الأخيرة ادعى بالنصر. اذا ما كرر هذا على مدى السنين، فان الكثير من الإسرائيليين سيصدقونه. إسرائيل، بالتالي، مطالبة بان تفعل لنصرالله ما يفعله لها. ليس صدف ان الواقع هذه المرة يسمح بذلك أيضا. 

صحيح أن إسرائيل بادرت الى حملات وعي في هذه الحرب، لكنها تكتيكية وخفية عن العين. وهي تتم لأغراض امنية من قبل هيئات استخبارية وايديها الخفية. واحدة كهذه مثلا هي الجهد للاظهار بان الجمهور في قطاع غزة يعارض حماس. الان مطلوب حملة من نوع آخر. حملة شاملة للمنظومات والوزارات الحكومة ثاقبة وطويلة تنجح في التغطية على تصريحات نصرالله. حملة من النوع الذي لم تبادر اليه إسرائيل منذ زمن بعيد وعليها ان تفعله وتجند له كل قواها بل وان تخرج عن طورها. 

ينبغي الاعتراف بان وضعنا في هذا المجال ليس لامعا: في وزارة الخارجية تقرر دوما على مدى السنين وجهازها الإعلامي غير معتاد على ذلك في حملات الحرب النفسية. الجيش الإسرائيلي كما استلفنا يتخذ حملات وعي لكن هذه المهمة كبيرة عليه. قسم الاعلام الوطني لا يؤدي مهامه. رغم كل هذا في إسرائيل توجد عقول قادرة على عمل ذلك اذا ما جمعها المستوى السياسي لهذه المهمة وامرها بالعمل واعطاها الاسناد السياسي، المادي والمعنوي.

ان بناء وعي النصر على حزب الله في هذه الحرب يعطي جوابا لكثير من الإسرائيليين ممن يعتقدون بان المنظمة الشيعية نجحت مرة أخرى في حشر الجيش الإسرائيلي الى الحائط. هذه الحملة ستقوم على أساس الحقيقة. رغم الدمار والالم وتجربة الاخلاء القاسية لسكان الشمال صحيح حتى هذه اللحظة الجيش الإسرائيلي انتصر على حزب الله وان كان بالنقط وليس بالضربة القاضية لكن النقاط تحققت بجدارة.

كل واحد من السيناريوهين السابقين – حرب شاملة او مواصلة القتال بصيغته الحالية – هو سير على الحافة. الأول ليس قابلا للتنفيذ حتى الان، والثاني لن يحسن وضعنا في اليوم التالي في حدود لبنان. هذا هو الوقت لهز نصرالله في ملعبه. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى