معاريف / الحسم العسكري لن يحل النزاع مع الفلسطينيين

معاريف – بقلم عامي أيالون، جلعاد شير، اورني باتروشكا – 26/11/2018
استقالة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من منصبه صيغت كلائحة اتهام ضد سياسة الأمن التي يتخذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي تمتنع عن المواجهة الواسعة في غزة؛ وبدلًا من ذلك تسعى لوقف النار. ليبرمان – ومثله وزير التعليم نفتالي بينيت – سعيا لأن يعرضا نفسيهما كعضويْن في الجناح الصقري في الكابينت، واللذيْن يدعوان إلى مواجهة شاملة في غزة بهدف الحسم.
عمليًا، يعكس تسلسل الأحداث على طول التصعيد وحتى استقالة ليبرمان، ليس فقط قصورات سياسة الأمن لدى نتنياهو؛ بل وبشكل أساسي الفشل الساحق لنهج الحسم في الموقف من الفلسطينيين، ومن غزة بشكل خاص.
يُحتمل ألا يكون بينيت تعلم هذا، ولكن ليبرمان بالتأكيد يعرف منذ زمن بعيد بأن الجيش لا يعمل بتعابير الحسم العسكري، فكلمة “حسم” التي يحبها ليبرمان وبينيت، لا يمكن إيجادها في وثيقة رئيس الأركان أو في أي وثيقة أخرى تعكس موقف القيادة العسكرية.
بخلاف المزاعم الشعبوية لمغردي اليمين ممّن تقترب معرفتهم للمجال العسكري من الصفر، فإن السبب ليس ضعف القلب، فمفهوم الحسم غير موجود حين لا يكون الخصم دولة مع جيش نظامي، بل حركة شعبية أو منظمة مثل حماس؛ فحتى لو صفي زعماء حماس سيقوم آخرون، إذا سعت إسرائيل لاحتلال غزة بحيث يحكمها الجيش الإسرائيلي (وكل من له عقل في رأسه لا يحلم بعمل ذلك) فإن مفهوم الحسم غير ذي صلة. منذ “الرصاص المصبوب” في 2008، خاضت إسرائيل ثلاث عمليات واسعة النطاق بهدف الحسم في غزة، أيّ منها لم يحقق الحسم، وعلى رأسها “الجرف الصامد” في 2014، والذي استشهد فيها نحو 2000 فلسطيني و73 إسرائيلي، منهم 68 مقاتلًا من الجيش، فالأمل في رؤية علم أبيض في الطرف الآخر تبدد. وينبغي الافتراض بأن أعضاء الكابينت فهموا هذا بأنفسهم، حين سلموا بهدوء بقرار نتنياهو الوصول إلى وقف للنار.
فضلًا عن ذلك: عندما تخوض إسرائيل مواجهة انطلاقًا من هدف معلن فإن خصومنا سينتصرون طالما لا يستسلمون، ولما لم تكن نية حقيقية لإسرائيل للحسم؛ فإن النتيجة اللازمة هي الفشل، ففرح سكان القطاع مع انتهاء التصعيد الأخير، بينما يشعل سكان غلاف غزة من الجهة الأخرى إطارات السيارات في مظاهرات غاضبة عكس ذلك جيدًا.
إحساس الامتعاض الذي خلفته الجولة الأخيرة لدى الكثيرين يعكس ضياع الطريق وعجز الحكومة، والسؤال الوحيد الذي يسأل هو هل (وكم) تستخدم القوة العسكرية، فإن النتيجة هي طريق مسدود. تصريحات نتنياهو في باريس بأنه لا يحتمل حلًا سياسيًا مع حماس، وكذا لا يوجد حل عسكري، يستبعد إمكانية التغيير. وطالما كان البحث في الكابينت يجري بين مؤيدي الحسم وبين مؤيدي التجلد، دون ان تطرح إمكانية للتقدم السياسي؛ فإنه لن يتحقق أيّ إنجاز. وبخلاف ما يدعيه بينيت، في هذه الحالة لا يمكن الانتصار؛ فالحسم العسكري لن يحل النزاع مع الفلسطينيين.
منذ بداية الانتفاضة الأولى في 1988، قال رئيس الأركان دان شمرون جملة تعكس وضعنا في الساحة الفلسطينية “ليس للانتفاضة حل عسكري، كونها ليست ظاهرة عسكرية، وكل ما يمكن أن يفعله الجيش في هذه الحالة هو أن يخفض مستوى العنف كي يتمكن أصحاب القرار من الوصول إلى حل سياسي”، الأمر صحيح؛ ليس فقط للانتفاضة الأولى، بل لكل حدث في السياق الفلسطيني بالعقود الثلاثة الأخيرة، إن ما فهمه شمرون في 1988 لا تزال القيادة في 2018 ترفض إدراكه، وطالما لا تسعى حكومة إسرائيل لحل سياسي في غزة وفق رؤيا الدولتين، وانطلاقًا من نظرة واسعة لعموم الساحة الفلسطينية والإقليمية؛ فإن حدود القطاع ستبقى تنزف، والحقول ستواصل الاحتراق، والصواريخ ستواصل السقوط على بلدات الجنوب. طالما لا تطرح الإمكانية السياسية على الجمهور؛ لن يفهم سكان غلاف غزة لماذا تواصل الحكومة ترك أمنهم لمصيره، وسيواصلون الدعوة إلى الحسم العسكري الذي لا يوجد. على الحكومة الحالية، وتلك التي ستأتي بعدها؛ أن يستوعبوا ذلك.
في ذات السياق، كتب المحلل السياسي تسيفي برئيل من صحيفة “هآرتس” يقول: بالنسبة لوزراء الكابينت المنقسمين، هؤلاء وأولئك يعرفون بأنه ليس بالإمكان أن يكون هناك انتصار كامل، لأن انتصارًا كهذا معناه إعادة احتلال غزة، والذي من المتوقع أن تجد فيه إسرائيل هزيمة مطلقة داخل أزقة مليئة بالمسلحين والعبوات الجانبية ونيران القناصة، ومدنيين قتلى يجندون ضغطًا دوليًا، ولم نتحدث بعد عن الجنود الذين سيقتلون ويصابون، وعن الاحتجاجات التي ستبدأ في الظهور في أعقاب ذلك في أوساط الجمهور الإسرائيلي، لأنه طالما أن بلدات غلاف غزة تصاب وتعاني، فإن باقي أعضاء الدولة تواصل أداء دورها كالمعتاد، ولكن عندما يقتل الجنود فكل الدولة تتحول الى غلاف غزة.