معاريف: الجيش الإسرائيلي يغرق في الرمال ولا نرى النهاية

معاريف 13/6/2025، الون بن دافيد: الجيش الإسرائيلي يغرق في الرمال ولا نرى النهاية
حرب 7 أكتوبر أصبحت في الأسبوع الماضي الاطوال في تاريخنا، أطول من حرب الاستقلال. في الشهر الـ 21 من الحرب، التي لا ترى نهايتها في الأفق، الجيش الإسرائيلي يغرق اعمق في رمال غزة، ومكانة إسرائيل الدولية تغوص في هوات لم نشهدها من قبل، كما يشعر على جلدته كل إسرائيلي يتجول في العالم.
يتباهى رئيس الوزراء بان هذه هي الحرب “مع اكبر إنجازات في تاريخ إسرائيل”. وبالفعل تحققت في الحرب إنجازات عسكرية مبهرة، لكن عصبة الصغار الذين يشغلون المقاعد حول طاولة الحكومة ويديرون الظل الخفي لمن كان ذات مرة يبدو كزعيم، يصرون على تآكل إنجازات الجيش ودفنها في رمال القطاع.
“غيرنا وجه الشرق الأوسط”، يتباهى رئيس الوزراء من على كل منصة، وهذا صحيح: الجيش الإسرائيلي شق لإسرائيل الطريق لان تصبح قوة عظمى إقليمية. لكن بدلا من أن نصبح قوة عظمى في الشرق الأوسط الجديد الناشيء – الجهادي من دمشق أبو محمد الجولاني اصبح شخصية مرغوب فيها، وموضع غزل اكثر من رئيس وزراء إسرائيل.
مثل كثير من أفلام التواصل، فان الموسم الثاني من حرب غزة يلوح هو الاخر كجهد لطلي نجاح الموسم الأول على وجه موسم آخر، مشكوك أن ينجح مثل الأول. معظم القيادة العسكرية تفهم هذا وتحقق بانعدام حماسة ظاهرة المهمة العبثية التي كلفت بها في غزة، لكن المأساة هي أن الاف الإسرائيليين الصالحين مطالبون بان ينفذوا باجسادهم المهمة، انطلاقا من ايمان كامل بانهم يعملون بذلك على إعادة المخطوفين أو على “النصر المطلق” الذي لن يأتي. بعضهم يدفعون على ذلك بحياتهم.
في ختام زيارة الى القطاع هذا الأسبوع سألني احد القادة العسكريين الأفضل الذين يوجدون لنا: “هل يمكنك أن تشرح لي لماذا كان الرد الجماهيري على المصابين الذين وقعوا الأسبوع الماضي كان قاسيا جدا بهذا القدر؟”. في جملة واحدة رسم الفجوة التي فتحت ثغرها بين قادة عسكريين ومقاتلين رائعين، يتكرسون كلهم للقتال منذ 21 شهرا وبين المجتمع الإسرائيلي، الذي لم تعد أجزاء واسعة منه تفهم ما هي الغاية وهل توجد منفعة.
الجيش الإسرائيلي يتقدم، وان كان ببطء وبحذر، في تحقيق الخطة لاعادة السيطرة على 75 في المئة من أراضي القطاع والبقاء فيها. بعد بضعة أسابيع سيحشر كل سكان القطاع في ثلاث مناطق: المنطقة الإنسانية (المواصي)، معسكرات الوسط ومركز مدينة غزة، والتي حتى الان لم يتقرر اذا كان الجيش الإسرائيلي سيسيطر عليها أيضا.
أساس القوة الذي تبقى لحماس يتركز هو الاخر اليوم في هذه المناطق. حماس تعتمد اليوم على الكثير من المجندين الجدد وعديمي الخبرة. وهي لا تحاول حقا تأخير تقدم الجيش الإسرائيلي بل ملاحقة قواتنا، الحفاظ على ما تبقى من قوتها ومحاولة ابداء حوكمة في هذه الجزر الثلاثة.
ما تبقى من قيادة حماس، بعد تصفية محمد السنوار هو أساسا عز الدين الحداد. مستويات القيادة الوسطى تتضرر بشكل مستمر وغير قادرة على إدارة معركة منظمة ضد الجيش الإسرائيلي، بل في اقصى الأحوال اطلاق هجمات عفوية. حماس لم تعد تؤدي مهامها كمنظمة عسكرية بل كفلول منظمة حرب عصابات.
الأقوياء في رأس الطابور
ما يقلق حماس اساسا هو نجاح مراكز توزيع المساعدات التي اقامتها اسرائيل مع الشركة الامريكية ((GHF. من يوم الى يوم تتثبت هذه المراكز وتزيد عدد الحصص الموزعة. الكثيرون في العالم صدموا من صور انقضاض الجماهير على مراكز التوزيع. من توقع أن يرى توزيعا مرتبا وحضاريا للغذاء، على النمط أوروبا الكلاسيكية، يبدو أنه لا يعرف غزة. صور كهذه يمكن أن نراها في غزة حتى عندما لا تكون حرب، بما في ذلك عندما تنقلب شاحنة وتتناثر محتوياتها كغنيمة للسلب والنهب.
مشوق أن نرى ان الأقوى من بين الغزيين، أولئك الذين نجحوا في أن يحتلوا مكانا في رأس الطابور للتوزيع، يأخذون حصص المساعدات ويخرجون منها كل ما يمكن بيعه: الدقيق، الأرز، الزيت والسكر. اما علب المحفوظات من الذرة والمخللات يبقونها في الخلف. فيأتي الأضعف ليلمها.
بالتوازي تحول إسرائيل المساعدات للعصابات التي توزعها وتقيم لنفسها أراض إقليمية نقية من حماس. فضلا عن الصاخب من بينهم، ياسر أبو شباب، يوجد عدد آخر غير قليل من المتسيدين المحليين الذين تعمل معهم إسرائيل. هم مجرمون في معظمهم، بعضهم حتى ارهابيون في ماضيهم، وفي اليوم الذي يتفكك فيه هذا الترتيب – لن يكون لهم أي تردد في توجيه السلاح الذي زودناهم به ضدنا. ولئن فكرنا ذات مرة بنفي الغزيين الى صومالي لاند فاننا نجلب الان الصومال الى ساحتنا الخلفية.
ان تحويل المساعدات الإنسانية الى اياد أخرى تقلق حماس جدا. أساس جهودها اليوم يتجه اليوم لإحباط هذه الإجراءات، لكن لا توجد لهم أي فكرة مرتبة. ماذا سيحصل عندما نسيطر على 75 في المئة من أراضي القطاع. ماذا سيتغير عند تسيطر عصابات مجرمين على أجزاء واسعة من غزة. التوقف في أن تؤدي هذه الإجراءات بحماس الى صفقة مخطوفين منطقية او أن يثور الغزيون ضد حماس، يقوم أساسا على الاماني وبقدر اقل على خطة مرتبة. عندما ترفض الحكومة النظر حتى في ادخال الجهة الشرعية الوحيدة التي يمكنها أن تأخذ على عاتقها إدارة غزة – السلطة الفلسطينية، حين لا تكون أي خطة لنقل غزة الى اياد أخرى – معقول اكثر ان نجد نفسنا نجتذي الى سنوات من القاء في القطاع. هذا يتطلب ارتهان القسم المنتج في المجتمع الإسرائيلي، للسيطرة في غزة لسنوات الى الامام. مشكوك أن يوافق عشرات الالاف من رجال الاحتياط ممن ضحوا الكثير جدا في السنتين الأخيرتين أن يقوموا بذلك على مدى سنين وبانعدام المنفعة.
بشرى انهاء الحرب التي لا تنتهي هذه، مثلما هي أيضا المسألة الاستراتيجية التي تقف أمامها إسرائيل لن تأتي من القدس بل من واشنطن. المحزن هو انه بين رئيس وزرائنا، الذي يفقد كل يوم أهليته امام ناظرينا، وبين الرئيس المتقلب والمزاجي للولايات المتحدة من الأفضل ان تأتي البشرى من هناك.