معاريف: الجولاني عالق بين تركية والجهاديين غير المتحمسين لخطه المعتدل

معاريف 20/12/2024، ألون بن دافيد: الجولاني عالق بين تركية والجهاديين غير المتحمسين لخطه المعتدل
موجة التفجير التي بدأت بانهيار حزب الله والمحور الشيعي لم تنهي بعد تصميم المنطقة. الالواح التكتونية للشرق الأوسط لا تزال في حركة، وسقوط الأسد الذي اعتبر تطورا مباركا، كفيل بان يتبين كتهديد جديد. وبينما تتصمم المنطقة – يجد الجيش الإسرائيلي نفسه يجتذب الى بقاء طويل في ثلاث مناطق: غزة، لبنان وسوريا.
زعيم سوريا الجديد، احمد الشرع الملقب “أبو محمد الجولاني”، بدل بزة الإرهابي ببدلة ويبث خطا رسميا ومعتدلا اكثر. هو يقول ويفعل كل الأمور الصحيحة: يمنع اعمال ثأر واسعة، يحاول توحيد كل الطوائف والفصائل تحت قيادته وتأسيس نظام وطني وليس متطرفا – دينيا.
من اللحظة التي استولى فيها على الحكم في دمشق يحرص على أن يلتقي مع كل مراكز القوة في سوريا في محاولة لاعادة تأسيس الوطنية السورية التي تتجاوز الأديان. كخريج الحرب في العراق – لا يعتزم تفكيك جيش الأسد بل الإبقاء عليه كاطار وطني وغرس جيشه في داخله، الذي بات يعد منذ الان 100 الف رجل. ومثلما يميل لفعله الأباء المؤسسون للامة، يمتنع عن تعيين وزير خارجية ووزير دفاع تحته ويبقي في يديه هذين المنصبين.
بينما تواصل إسرائيل التدمير المنهاجي للوسائل القتالية الاستراتيجية المتبقية في سوريا، امر الجولاني بفرض حراسة على مخازن السلاح كي لا تقع في ايدي ميليشيات مستقلة. سلاح جونا حقق نتائج طيبة في تدمير سلاح الجو السوري ومنظومات الدفاع الجوي، وتوجد مسألة كم نجح في ضرب صواريخ أرض أرض السورية التي توجد في معظمها في انفاق تحت أرضية. كما توجد علامة استفهام كبيرة على ماذا وكم تبقى من مخزونات السلاح الكيماوي للاسد. لكن بينما هو يبث خطا رسميا، صور رجاله هذا الأسبوع وهم يتجولون في شوارع دمشق ويصفعون كل من شوهد يدخن سجائر (المحظورة حسب اسلام داعش). من كل ارجاء سوريا تأتي أيضا صور محاكمات ميدانية واعدامات يقوم بها رجاله، وسيكون هذا التحدي الأكبر له: معظم مؤيديه هم جهاديون، رجال داعش وهم لا يحبون خطه المعتدل.
الصحيفة الناطقة بلسان داعش توجت الجولاني منذ الان كمن خان طريق الجهاد – التهديد الأكبر عليه في هذه اللحظة هو من رجاله. اذا ما اعتبروه كمعتدل اكثر مما ينبغي – فان ولايته كزعيم سوريا كفيلة بان تقصر.
قطر هنا أيضا
من يقف الى جانب الجولاني هم الاسياد الدائمين لحركة الاخوان المسلمين ومن الان فصاعدا هم أيضا الاسياد الجدد لسوريا: تركيا وقطر. القمة الدولية الأولى التي عقدها كانت مع وزير الخارجية التركي ورئيسي المخابرات التركي والقطري. الجولاني يتخذ صورة من يقبل طواعية إمرة تركيا، التي لم تتخلى ابدا عن حلمها الامبريالي. وبينما النفوذ الإيراني يتقلص، تعتزم تركيا الدخول الى كل مكان يبقي الإيرانيون فيه فراغا. واذا بقي الجولاني يحتمل ان تكون لنا قريبا لأول مرة حدود مشتركة مع الاتراك في شكل دولة مرعية يقيمونها في سوريا. فضلا عن التهديدات الداخلية على النظام الجديد في سوريا، من بين رجاله، فان نقطة الاحتكاك التي ينبغي أن تعني إسرائيل هي الاكراد في شمال شرق سوريا، المدعويين من الولايات المتحدة ممن نجحوا في الإبقاء على حكم ذاتي في معظم سنوات الحرب الاهلية. اذا حقق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تهديداته وشن ضدهم أيضا حرب إبادة – فان هذا سيضعه في مسار صدام مع الولايات المتحدة، وكفيل بان يشعل مواجهات في أجزاء أخرى في سوريا.
الروس، رغم صور اخلاء مواقع عسكرية من سوريا، لن يسارعوا للتنازل عن موطيء قدمهم في المياه الدافئة للبحر المتوسط. فقد أجلوا مقدرات اسطولهم وقسم هام من بطاريات الدفاع الجوي لكن سوريا لن تتنازل بسهولة عن المعقل الشرق الاوسطي لها والذي يشكل خشبة قفز لكل الاعمال الروسية في افريقيا. من الصعب أن نرى كيف ستطردهم تركيا والجولاني. وهم على ما يبدو سيبقون في المجال.
ان الدخول الإسرائيلي الى المنطقة العازلة في الجولان وما ورائها أيضا كان خطوة دفاعية واجبة ووفرت منذ الان أيضا فرصة الصورة الواجبة لرئيس الوزراء. فضلا عن دخول القوات، تسعى إسرائيل لان تخلق حوارا مع أبناء القرى المجاورة، السُنية والدرزية، ممن ليسوا بالضرورة يتماثلون مع طريق هيئة تحرير الشام، الحاكم الجديد في دمشق.
رجال الجولاني لا يسارعون الى النزول للانتشار في الجنوب خوفا من المواجهة مع المحليين ومع إسرائيل. بدلا من هذا، دعا الجولاني الى الحوار زعيم السُنة في حوران، احمد عودة، الجهادي في الأصل الذي انضم الى جيش الأسد كقائد لواء ونزع الان مرة أخرى بزته واصبح ثائرا. امام إسرائيل لا تقف في هذه اللحظة قوات هيئة تحرير الشام في جبهة الجولان.
توجد لنا إشارة من جنين
بغياب احد آخر يأخذ المسؤولية، يبدأ الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لبقاء طويل على الأرض، وهذا كفيل بان يؤدي بنا الى مواجهة غير واجبة مع الجيران الجدد. قواتنا الامبريالية بدأت تقع في حب أجزاء البلاد الجديدة، وقبل لحظة من عثورهم هناك على بقايا كنيس عتيق يجدر بنا أن نقرر اذا كان ينبغي لنا ونريد أن نبقى على أرض سورية وندخل في احتكاك مع عدو جديد.
بالتوازي، ينبغي أن نرى الى أين تتقدم موجة التفجير الإسلامية من سوريا. شيء من هذا رأيناه في جنين، في المواجهات مع رجال السلطة الفلسطينية في الأسبوعين الأخيرين. لم يكن هناك حسم، لكن على الأقل رأينا رجال الأجهزة يقاتلون ضد القوات المحلية. سيناء يمكنها أن تكون المكان الذي نرى فيه أيضا اندلاع إسلامي بالهام من سوريا. فالمحافل الجهادية هناك احياء يرزقون وفي مصر قلقون ليس فقط مما يحصل في سيناء بل وأيضا من الاستقرار في مصر نفسها.
المكان الأكثر تهديدا هو الأردن، حيث فاز الحزب المتماثل مع الاخوان المسلمين بخُمس مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة. ومع ان الاسرة المالكة الهاشمية عرفت كيف تقف في وجه هزات كبيرة على مدى الـ 80 سنة الأخيرة الا انها تستعد لامكانية هزة هامة كبيرة أخرى والغرب جاهز لمساعداتها بقدر ما يستطيع.
في لبنان، كل كارثي الشيعة يرفعون الرأس ويرون فرصة لدحر حزب الله الى مكانة جديدة ومقلصة في الدولة. ولا يزال حقيقة أن الجيش اللبناني يجر الارجل ولا ينتشر كما هو متفق عليه في جنوب الدولة هي إشارة بان حزب الله رغم ضعفه وزعيمه المتعرق، يعتبر قوة مهددة. هناك أيضا فان الجيش الإسرائيلي الذي استعد لان يخلي المناطق التي احتلها، مطالب بان يستعد الان لبقاء طويل، على ما يبدو الى ما بعد الستين يوما التي تقررت في اتفاق وقف النار.
في زيارة هذا الأسبوع لدى قوات الجيش الإسرائيلي في الجبهة الغربية في لبنان كان واضحا بان ليس لديها الوسائل اللازمة لبقاء طويل. في الجيش يترددون في البدء بتزويد مثل هذه الرسائل انطلاقا من الفهم بان هنا أيضا وضع مؤشرات على بقاء دائم يمكنه أن يخلق آلية تعرض وقف النار للخطر. على مدى كل الزيارة في الناقورة على الشاطيء اللبناني كانت تشاهدنا سفينة صواريخ تركية، مؤشر آخر على القوة الصاعدة في الشرق الاوسط الجديد.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook