معاريف: التحدي الاردني

معاريف 20/10/2024، د. شاي هار تسفي: التحدي الاردني
عملية اطلاق النار التي نفذها اول أمس قرب البحر الميت مخربان اجتازا الحدود من الأردن الى إسرائيل في الزي العسكري للجيش الأردني، تعكس ارتفاع الدرجة الذي طرأ في السنة الأخيرة في التهديدات من الوسيط الأردني.
الى هذا ينبغي أن تضاف العملية التي نفذها في معبر اللنبي قبل نحو خمسة أسابيع مواطن أردني والتي قتل فيها ثلاثة إسرائيليين، والمحاولات من جانب ايران ومحافل الإرهاب استغلال الحدود الطويلة (308 كيلو متر والفالتة في قسم منها بين إسرائيل والأردن – لاجل تهريب السلاح والوسائل القتالية الى الضفة. منذ نشوب الحرب واضح أن ايران تبذل جهودا عديدة في المحاولات لضعضعة الاستقرار الداخلي في المملكة. وذلك بسبب الأهمية الجغرافية – الاستراتيجية واعتبارها البطن الطرية للمعسكر المؤيد لامريكا في المنطقة. الفكرة الإيرانية التي تقول ان الأردن أدى دورا فاعلا في صد هجمة الصواريخ والمُسيرات في 13 نيسان فاقمت أكثر فأكثر التوتر بين الدولتين.
عمليا، منذ بداية عهد عبدالله كملك للاردن قبل نحو ربع قرن برزت العلاقات المعادية بين الدولتين. وكما اسلفنا، كان هذا عبدالله هو الذي حذر قبل نحو عقدين من الخطر الكامن في الجهود الإيرانية لتثبيت “الهلال الشيعي” في ارجاء الشرق الأوسط وتوزيع نفوذه بين دول المنطقة.
يبدو ان ايران تحاول استغلال الانقسام العرقي في سكان الأردن وبخاصة حقيقة أن نصف سكان المملكة، الذين يعدون نحو 11 مليون نسمة هم من اصل فلسطيني ولاجئون هاجروا من العراق ومن سوريا في العقدين الأخيرين.
تعبير عن ذلك يمكن ان نراه في المظاهرات التي جرت في الأردن بعد تصفية يحيى السنوار، والتي اطلقت فيها هتافات التأييد لحماس والثأر من إسرائيل. في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأردني التي انعقدت قبل نحو شهر، فاز حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للاخوان المسلمين بـ 31 مندوبا، يشكلون نحو خُمس المقاعد في المجلس النيابي.
حتى لو كانت قوة البرلمان محدودة للغاية وعمليات متعلقة بالملك، فلا يزال يدور الحديث عن احد الإنجازات الأهم للحزب منذ الازل – انجاز في قسم منه على الأقل يمكن أن نعزيه لتضامن أجزاء من السكان مع حماس.
يحاول الملك عبدالله منذ بداية الحرب المناورة بين الاضطرارات والضغوط الداخلية وبين المصالح الاستراتيجية والأمنية للمملكة. لهذا الغرض، فانه يتخذ سياسة ثنائية. من جهة، يسمح لدوائر المعارضة “التنفيس”، من خلال إعطاء إمكانية لعقد المظاهرات، ابراز المساعدات الإنسانية التي ينقلها الأردن الى سكان القطاع، إعادة السفير الأردني في إسرائيل واطلاق نقد لاذع تجاه إسرائيل من جانب كبار مسؤولي النظام، وعلى رأسهم الملك رانيا ووزير الخارجية الصفدي. من جهة أخرى يمتنع الملك عن خطوات حقيقية، من شأنها أن تمس بشكل مباشر وجوهري بالعلاقات مع إسرائيل.
يشكل الأردن في العقود الأخيرة واساسا منذ التوقيع على اتفاق السلام لبنة مركزية للمعمار الأمني الإقليمي لإسرائيل. في ضوء ذلك، فان السياسة الإسرائيلية تجاه المملكة يجب أن تركز على ثلاثة مداميك مركزية – حفظ اتفاق السلام، تعميق التعاون الاستراتيجي متعدد الابعاد والمساعدة في ضمان استقرار المملكة الهاشمية.
لهذا الغرض، على إسرائيل أن تعمل في عدة مستويات بالتوازي. بالبعد السياسي، ترميم منظومة العلاقات مع القيادة الأردنية، بخاصة في ضوء العلاقات العكرة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والملك عبدالله. بالتوازي مطلوب ابداء حساسية في التعاطي مع الملكة رانيا رغم اقوالها القاسية.
في المستوى الأمني، ينبغي تعزيز القوات وتحسين الحراسة متعددة الابعاد في الحدود الشرقية، في ظل استثمار المقدرات المالية اللازمة. في المجال الاقتصادي – المدني، ينبغي أن تقدم الى الاردان المساعدات الأقصى الممكنة. في ضوء الضائقة الاقتصادية والنقص في المياه في المملكة ممما يشعل أكثر فأكثر النقد تجاه النظام. عمليا، على إسرائيل أن توافق على الطلبات الأردنية بتمديد اتفاقات المياه لفترات طويلة.
وأخيرا، في المستوى الديني ينبغي الامتناع عن التصريحات التي من شأنها أن تمس بالمكانة الخاصة بالملك عبدالله كحارس الأماكن المقدسية في القدس بشكل من شأنه أن يضعضع شرعية الملك – وفي سيناريو اخطر حتى أن يشعل حربا دينية.