معاريف: الابن المفضل

معاريف – جاكي خوجي – 21/2/2025 الابن المفضل
بينما نغرق نحن الإسرائيليين في دفعات تحرير المخطوفين، تسجل المملكة السعودية إنجازات ونقاط من خلف الكواليس. هذا الأسبوع، بفارق ثلاثة أيام شكل القصر السعودي حلقة هامة في جهود حل الحربين اللتين تشوشان النظام العالمي.
يوم الاحد هبط في الرياض وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو والتقى بولي العهد محمد بن سلمان. الأمير يتمتع بثقة عميقة في البيت الأبيض منذ ولاية ترامب الأولى في البيت الأبيض. فالرئيس الأمريكي يحب رأسه التجارية وبشكل طبيعي يرى فيه شخصية مركزية في اعمار القطاع. اما الان فقد أراد أن يستخدم تقربه من فلاديمير بوتين في محاولة لتحقيق حل في أوكرانيا.
مرت بضعة أيام، وفي يوم الخميس اجتمع في قصره في الرياض الزعماء الاربعة الأهم في العالم العربي. الرئيس المصري، ملك الأردن، رئيس اتحاد الامارات وأمير قطر. اجتمعوا في غرفة المباحثات وحاولوا توضيب الخطة المصرية للحل في غزة. خطتهم مفصلة وكثيرة البنود، وهي معدة لتكون بديلا لخطة ترامب لاخلاء السكان. من ناحيتهم، فكرة ترامب ليست عملية، ولاجل انزاله عن الشجرة، من الواجب طرح بديل جدي عليه.
جو بايدن فضل قطر، اما ترامب فيفضل السعودية. من الان فصاعدا، في كل سيناريو أو حل مهما كان في منطقتنا، ستلعب الرياض دورا مركزيا. سواء في غزة أم في لبنان أم في سوريا. وربما أيضا في الجهد لحل المشكلة الفلسطينية وتقريب إسرائيل منها. فهذا ليس المال فقط بل كيف يستخدمه السعوديون، وبالطبع تجربتهم الدبلوماسية، والى جانبها قدرة النفوذ. والتفكير بانه يقف على رأسهم ابن امراء لم يصل بعد الى الـ 40 من عمره.
اسدال ستار
يوم الاحد مددت المحكمة المركزية في تل أبيب امر الطواريء الذي يحظر عمل قناة “الجزيرة” في إسرائيل. طاقم المحطة لا يسمح له بالعمل هنا، شاشاتهم سودت برزم من “هوت” و “يس” وامام المتصفحين الإسرائيليين سد الطريق في مواقع الانترنت للقناة.
كان لنا حظ وكثيرون من مخطوفينا عادوا الى الديار في هذه الأيام، وعند وصولهم رووا شيئا أو اثنين عن وجود “الجزيرة” هناك في القطاع. يتبين أن آسريهم سمحوا لهم مشاهدة بث القناة وهكذا عرفوا بان الجماهير الإسرائيلية يتظاهرون من أجلهم كل أسبوع. ومؤثرة على نحو خاص كانت اقوال عوفر كلدرون الذي روى بانه على مدى سنة اعتقد ان ابنه روتم قتل، الى أن سمع وهو في الاسر بان الابن حي يرزق بل ويشارك في الجهود الجماهيرية لتحرير ابيه.
وبالفعل، الى أن مُنع الامر عنهم، فان طواقم “الجزيرة” كانت تصل الى ميدان المخطوفين لتقابل أبناء العائلة والمقربين. الصور والاصوات بثت ووصلت الى غزة أيضا. وكان طاقم المحطة يتعرض أحيانا الى الشتائم والتهديدات من الزعران في شوارع تل أبيب، ورغم ذلك الى أن حظر عملها واصلت البث من هناك. ميراف ليشم غونين، ام رومي، هي الأخرى دعيت الى استديو المحطة وأجرت مواجهة بالبث الحي والمباشر مع كبير حماس زاهر جبارين. بشجاعة جمة روت لمشاهدي المحطة من هم “ابطال” حماس أولئك الذين اختطفوا ابنتها وقتلوا رفاقها عندما كانوا يلهون.
جاء القانون الذي حظر عملهم في إسرائيل ولم يسمح لهم بان يزوروا ميدان المخطوفين أو يجروا المقابلات مع أبناء العائلات. ويتبين من ذلك أن ما كان يحصل عليه المخطوفون من الاكسجين الامر الذي كان يعطيهم قوة في الظلام ان لم يكن معرفة بان جموع أبناء شعبهم يريدون تحررهم ويقاتلون في سبيله قد حرموا منه.
تشهد على ذلك ما قاله المخطوف اوهد بن عامي. فقد بث شريط شكر للمتظاهرين الذين تظاهروا من اجل المخطوفين.
فقد روى يقول: ما يبقيك فوق الأرض، انت ترى أناسا من الشعب يقاتلون في سبيلك. نحن نرى مئات الالاف. نحن نرى انهم وصلوا الى مليون زائد، واو. هذه ليست فقط عائلاتنا. هناك أناس في شعبنا يهمهم امرنا ويريدون ان نعود. واملي مهم لاحد ما”.
من المفاجيء أن نتبين أن أحدا في إسرائيل لم يجرِ هذا الربط ولم يعرف بان القناة المشهر بها هي انبوبا مركزيا لالتقاط رسائل بالنسبة للمخطوفين الذين يذوون في الانفاق. هذا لا يعني أن العقول ليست موجودة. في هذه الحرب تبين أن إسرائيل تعرف كيف تدير قتال معلومات وتغرس رسائل بمهنية كبيرة لدى العدو.
الناطق العسكري نفسه دانييل هجاري استخدم “الجزيرة” في الأشهر الأولى من الحرب. ظهوره اليومي بث بكامله تقريبا في القناة بالبث الحي والمباشر وبالترجمة الى العبرية. وقد استغل هجاري هذا كي يبث رسائل تهديد ليحيى السنوار ورجاله. على مدى كل الحرب عملت محافل إسرائيلية على أساس يومي في وسائل الاعلام السعودية كي تنشر معلومات تمس باعداء إسرائيل، وعلى رأسهم حزب الله وقد فعلوا هذا بخبرة.
إذن فان السياسة الإسرائيلية، التي تفهم شيئا أو اثنين في قتال الوعي، منعت مسار تنفس حيوي للمخطوفين. هذا يشبه شخصا تطوع لان يقتلع لنفسه عينا واحدة فقط كي يضمن ان تقتلع لعدوه اللدود اثنتان.
هذا الأسبوع فكرت بالقاضي شاي ينيف، نائب رئيس المحكمة المركزية في تل ابيب الذي مدد بشهرين أمر اغلاق المحطة. حضرة القاضي درس الطلب واقره بتوقيع يده. على مسافة خطوات من مكان جلوسه يوجد ميدان المخطوفين. في أيام المهرجانات والاجتماعات الاستثنائية يمكن للخطابات اللاذعة ان تسمع حتى في قصر القضاء. قراره هذا مشكوك ان تكون المحكمة حمت حتى ولا إسرائيلي واحد. اما ان تضره فقد اضرته. ليس فقط اضرت المخطوفين التواقين لقطرة تشجيع من البيت بل واضرت حرية التعبير أيضا. من يدريك ان تجند غدا المحكمة إياها كأداة لاسكان وسيلة إعلامية إسرائيلية؟
هربنا من الساحة
قاعدة غير مكتوبة في مهنة الصحافة تقول ان هذا ليس عملا للهواة. فاغلاق بث “الجزيرة” في “هوت” و “يس” او قطعه عن قنوات الانترنت في إسرائيل لم يمس ببث القناة للعالم العربي. هذه الاعمال لم تمس الا بالجمهور الإسرائيلي المعني به. نظريا، لانه يمكن التقاط بث القناة في إسرائيل في وسائل أخرى.
طاقم المحطة في إسرائيل أيضا، الذي حظر عمله، ليس المشكلة المركزية. فالحديث يدور عن صحافيين هم مواطنون إسرائيليون، يلتزمون بالقانون ويقومون بمهنتهم بمهنية. المضامين الضارة والدعم الواسع من جانب القناة لحماس تأتي ممن تلتقي بهم القناة ومن المراسلين في غزة، بيروت والدوحة.
توجد سبل للتصدي للاعلام المعادي، اكثر حكمة واقل ثأرية. مثلا ان يوضع امامه جيش من الشارحين اللبقين وحادي اللسان، والى جانبهم خبراء وعي. اما إسرائيل ففضلت صرخة النجدة والهروب. وها هي حتى حصلت على تسويغ قانوني بذلك من حامي حمى. “الجزيرة” ليست فقط محطة تلفزيون. هي حقيقة قائمة. طليعة مركزية في اللعبة الإقليمية. مع لاعب كهذا يجب المواجهة في الملعب وليس في اطرافه. والا فانه سيسجل هدفا في المرمى الذي بلا حارس.
يوم السبت شاهدنا الدفعة السادسة من تحرير المخطوفين. سديه ديغل حن، ساشا روبنوف ويئير هورن وقفوا على المنصة في دير البلح. وعيون ملايين الإسرائيليين انغرس فيهم بتعثر. كل قنوات الاخبار في إسرائيل اخذت الصور من بث “الجزيرة”. في اللحظة إياها الدامعة، الوطنية التي لا تنسى، كانت القناة القطرية المشهر بها شعلة قبيلة شعب إسرائيل.