معاريف: إسرائيل في فيلم على قناة «ناشونال جيوغرافيك»!
معاريف 26-5-2024، بقلم: يوسي أحيمئير: إسرائيل في فيلم على قناة «ناشونال جيوغرافيك»!
في قناة التلفزيون “ناشونال جيوغرافيك” نشاهد بالغالب مناظر رهيبة. كأفاع تفترس الواحدة الأخرى او قطيع اسود يهاجم حمارا وحشيا او يقبض على الحيوان البائس ويبدأ بالقضم بلحمه بينما لا يزال ينتفض حيا. ليس هكذا ينتهي الامر دوما. هناك حالات يتأزر فيه الحمار الوحشي بالشجاعة ويصارع في ما تبقى لديه من قوى في سبيل حياته، يرفص بمن يحيط به وينجح في الخلاص من دائرة اعدائه المتعطشين للدماء. واحيانا يهرع لنجدة الفريسة التي تكون في أزمة وجودية اشقاء لها يصدون الأسود المعتدية وينقذون ابنة جنسهم من المصيبة.
إسرائيل مثلها مثل الحمار الوحشي الشجاع، الذي يعيش خطرا وجوديا. ابنة 76 ولم تنج نهائيا ممن يريدون روحها، تواصل صراعها العنيد ضد المفترسين المتوحشين الذين يحيطون بها من كل صوب متعطشين لدم يهودي، يتوقون ليوم ينهون فيه مهمة الافتراس وتكف الدولة اليهودية عن الوجود. ولعله في حالتنا الصورة المتخيلة معاكسة: إسرائيل هي الأسد، الذي يتعرض لاعتداء لسبب ما من قطيع من الحمير الوحشية الطموحة. فهل يمكن للحيوانات المرقطة، التي تعتمر الكوفيات والاشرطة الخضراء على الجبين الانقضاض على اللبؤة المنعزلة؟ واذا ما شبهنا إسرائيل بالفريسة إياها فالوضع سيكون بشعا اكثر. اصدقاؤها يقفون في معظمهم جانبا ينظرون بنوع من عدم الاكتراث لصراعها البطولي ضد مهاجميها، وهي تحاول بجسارة روح وبارادة حياة ان تصدهم وتهربهم. هذه خيانة لرفيقتهم التي تنجح في أن تضرب قطيع الأعداء الذي يقوم عليها المرة تلو الأخرى انطلاقا من مصلحة بارزة، ضيقة، لعله من المجدي لهم انفسهم “ان يعيشوا بسلام” مع معسكر الحيوانات السافل، والى الجحيم بإسرائيل. فما بالك ان معظمهم ليسوا بالضبط من العاطفين علينا. بالنسبة لهم الفريسة هي المذنبة. اليهود مذنبون وربما من الأفضل لدولتهم ان تختفي عن الخريطة.
أفليس هذا هو المشهد الذي بدأ في 7 أكتوبر ويتواصل الان أيضا عندما انقض قطيع البرابرة علينا؟ أولم نهاجم بسبب عزلتنا في المنطقة وبخاصة بسبب أننا عرضنا صورة داخلية من الضعف، الانقسام وحب الاستمتاع؟ صورة حياة في الأوهام لا نعطي رأينا في العيون التي تكمن لنا من وراء العقدة حولنا.
عن الإخفاق العسكري لا بد سيكون البحث والجدال والكتابة والقص. على الرفوف في الدكاكين تعرض منذ الآن بضعة كتب عن السيوف الحديدية، بقلم كُتّاب سريعين. وهذه مجرد البداية. كتب عديمة البعد الزمني المناسب لوقف تسلسل الاحداث كما هي. هكذا أيضا عن الإخفاق السياسي الذي يتعمق كلما طالت الحرب. إلى أولئك ينبغي ان نضيف الإخفاق الإعلامي الصارخ الى السماء. صورة الغابة التي وصفت أعلاه توضح هذا.
في الجانب العسكري المعركة تتقدم ببطء، بنجاح نحو انهائها بتطهير رفح من مجرمي حماس. الجيش الإسرائيلي يقاتل أيضا في جبهات أخرى فُتحت علينا. مقابل هذا، في الجانب السياسي، مكانة إسرائيل في الساحة الدولية تهتز. من يوم الى يوم تزداد عزلتها بين العالم ورفاقنا يخطئون بحقنا ويخطئون بحقهم. دول صديقة تدير الظهر لدولة خرجت للدفاع عن نفسها. يخيل انه لم يسبق ان كان صحيحا جدا القول: “شعب وحده يسكن ولا يراعي الاغيار”. بالفعل، بلا مفر، لن يراعي ضغوط الاغيار، تشويهاتهم الأخلاقية.
المعركة الحالية لا تشبه معارك سابقة لإسرائيل في القطاع – 1948، 1956، 1967. في حينه اجتاح الجيش الإسرائيلي غزة بسرعة وانطلق الى سيناء. منذئذ، في اتفاق السلام، مصر فكت ارتباطها عن غزة. ما لها وعش الدبابير هذا. تركت وجع الرأس لإسرائيل. في سنوات حكمنا قامت في القطاع 22 مستوطنة، حسم مصيرها عندما قررت إسرائيل في خطوة أحادية الجانب فك الارتباط عن غزة. وكانت الفرضية ان من الان فصاعدا سيأخذ الغزيون مصيرهم في أيديهم، وسيتعايشون معنا ويقيمون لانفسهم كيانا مستقلا يهتم بابنائه وبالتنمية وبرفاه الجماهير. بدلا من هذا تركوا مصيرهم في ايدي منظمة إرهاب متطرفة جعلت قطاع غزة ما فعله السوريون في حينه بهضبة الجولان. من إقليم ذي إمكانيات جمة للازدهار (“سنغافورة”) – الى موقع قتالي مسلح، مخندق، عدواني.
إسرائيل أخفقت في 7 أكتوبر – وتخفق مرة أخرى في الاعلام. هذه الجبهة أيضا تركت لمصيرها ولا تزال متروكة. فضلا عن ذلك، فان الأعداء والأصدقاء يتبنون المشاهد القاسية من غزة في دعاية معادية. وهم يتغذون من مصادر داخلية عندنا مثل السادة عامي ايالون، نداف ارجمان، دان حلوتس، ايمن عودة، شوكن وامثالهم في الاعلام وفي الاكاديميا ممن يضمون أصواتهم الى الجبهة المناهضة للصهيونية. في أوساط الحيوانات المفترسة لا تجد مثل هذه الظاهرة كثيرا. نحن نعض انفسنا بينما مقاتلونا، ابناؤنا يصارعون في حدودنا. بالطبع ليس هذا عذرا كافيا للاخفاق الإعلامي واساسا تجاه الخارج.
اعلام ناجع، يقوم على أعمدة العدل وليس على الدعاية الكاذبة، بوسعه أن يخفف حدة النقد المتزايد على اعمالنا العسكرية. اخفاق الاعلام بالتأكيد مسجل على اسم “سيد الاعلام”.