معاريف: إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرة امنية لتحقيق الحد الأقصى في المفاوضات

معاريف 13/10/2025، آنا برسكي: إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرة امنية لتحقيق الحد الأقصى في المفاوضات
من سيحكم في القطاع في اليوم التالي؟ من سيشرف على الامن؟ كيف ستبدو خريطة التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط؟ بينما يبقى وقف النار في قطاع غزة ساري المفعول تجري اتصالات مكثفة من خلف الكواليس تمهيدا للمرحلة التالية من خطة ترامب – إقامة قوة أمن إقليمية تدخل الى غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي وتشكل جهة الاشراف المركزية في الفترة الانتقالية ما بعد الحرب.
يدور الحديث عن أحد العناصر الأكثر حساسية وتعقيدا في الخطة العامة لاعمار القطاع، وهو سيكون في مركز المباحثات في مؤتمر السلام الذي يفتتح في شرم الشيخ اليوم. هدف القوة هو منع عودة حماس الى الحكم، السماح باستقرار امني على الأرض وتمهيد التربة لحكم فلسطيني جديد يقام بعد فترة انتقالية تشرف عليها هيئة دولية.
وحسب المبادرة التي وضعها البيت الأبيض، فان القوة التي ستتشكل ستكون قوة عربية متعددة الجنسيات، تعمل بتنسيق مع الولايات المتحدة لكنها لن تتضمن جنودا أمريكيين. واشنطن ستقدم الاشراف الاستراتيجي، الدعم اللوجستي والمساعدة التكنولوجية لكنها ستمتنع عن مرابطة قوات على الأرض.
في مركز الخطة توجد مصر والأردن اللتين ستتصدران الخطوة وتجندان قوة شرطية فلسطينية محلية من بين سكان القطاع، يتم تأهيلهم باشراف امني مصري – اردني. هذه عمليا تجربة غير مسبوقة – خليط من قوة عربية معتدلة مع انتداب دولي يستهدف تثبيت الاستقرار في القطاع ومنعه من أن يعود ليصبح مركزا لمواجهة مسلحة.
في المباحثات التي تجرى في الأيام الأخيرة يتبين أحد الخلافات الأهم – هوية الدول التي ستشارك في القوة. فحسب المصادر المطلعة على المباحثات أعربت إسرائيل عن الاستعداد لمشاركة دول الخليج المعتدلة، ومنها اتحاد الامارات، قطر والبحرين، رغم أن ليس لها قوة عسكرية ذات مغزى لترابط في الميدان. من ناحية إسرائيل، فان تواجد هذه الدول في غزة كفيل بان يمنح شرعية إقليمية للخطوة ويضمن استثمارا اقتصاديا مستقبليا في إعمار القطاع. ويقول مصدر إسرائيلي مطلع على الاحداث ان “مساهمتها ستكون أساسا سياسية واقتصادية. لكن هذا حضور يمكنه أن يبث الاستقرار”.
ومع ذلك أوضحت القدس بانها تعارض بشكل لا لبس فيه مشاركة تركيا في القوة. وتنبع المعارضة من مواقف أنقرة الحادة تجاه إسرائيل، من الدعم العلني الذي تمنحه لحماس ومن العلاقات الأيديولوجية الوثيقة بين حكم اردوغان وحركة الاخوان المسلمين.
“تركيا لا يمكنها أن تكون جزءاً من جسم هدفه نزع سلاح حماس”، يقول مصدر إسرائيلي. “حضور تركيا سيقوض كل الخطوة”. في مصر أيضا يتحفظون من الفكرة خشية من محاولة تركيا لاعادة تثبيت النفوذ في منطقة ترى فيها مصر جزءً من مجال مسؤوليتها الأمنية.
كما تتضمن خطة ترامب إقامة سلطة دولية مؤقتة تسمى “المرجعية الدولية المؤقتة في غزة”. وهي ستتشكل من تكنوقراطيين فلسطينيين يديرون الشؤون اليومية، لكنها تكون خاضعة لرقابة هيئة دولية مدنية تنسق سياقات الاعمار، المساعدة والتنسيق السياسي. على رأس هذا الجسم سيكون مندوب غربي كبير، اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير ذكر كأحد المرشحين للمنصب. وستعمل القوة الدولية على استقرار الحكم المؤقت وتشرف على ترتيبات الامن.
وحسب الخطة، ستنسحب إسرائيل تدريجيا من معظم أراضي القطاع، لكنها ستحافظ على سيطرة ضيقة على طول الحدود وعلى منطقة الفصل في محور فيلادلفيا – طالما لم ينزع سلاح حماس تماما. حماس تطالب بوعد صريح لخروج كل القوات الإسرائيلية من القطاع قبل ذلك.
وحسب مصادر غربية مطلعة على المباحثات، تفحص تسوية في إطارها تسلم حماس سلاحها الثقيل للجنة فلسطينية – مصرية، تشرف على عملية نزع السلاح بشكل تدريجي ومضبوط، لكن لم يتحقق بعد اتفاق نهائي في ذلك. في إسرائيل يتابعون التطورات عن كثب. ويقول مصدر امني ان “فكرة قوة دولية عربية هي إيجابية، لكنها لا يمكنها أن تعمل اذا واصلت حماس حيازة السلاح او ان تكون في أي مكانة سياسية. التفكيك المطلق وحده يمكنه أن يسمح بالاستقرار.
كل المسائل التي تتعلق بمستقبل غزة ستوضع اليوم على طاولة المباحثات في مؤتمر شرم الشيخ والذي سيشارك فيه اكثر من 20 زعيم من العالم العربي ومن الغرب، بقيادة الرئيس ترامب والرئيس المصري السيسي. سينشغل المؤتمر باستكمال تسوية وقف النار، اعمار القطاع وبلورة التفاهمات حول انتشار القوة الإقليمية. بالنسبة لترامب هذا اختبار زعامة دولية هام للغاية – محاولة لعرض انجاز دبلوماسي ملموس في الشرق الأوسط. بالنسبة لمصر هذه فرصة للعودة الى مكانة وسيط مركزي.
لكن فوق كل شيء، سيقرر المؤتمر صورة غزة في السنوات القريبة القادمة – هل ستصبح مجالا يدار ويشرف عليه دوليا ويحظى بالاستقرار، أم ربما ينزلق مرة أخرى الى وضع من الفراغ السلطوي الذي يعيد المنطقة الى نقطة البداية. ما يبدو على السطح كمخطط أمني، اداري وفني هو عمليا صراع على إعادة تعريف المنطقة كلها. إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرة امنية كي تحقق الحد الأقصى الممكن في المفاوضات على استمرار تنفيذ خطة ترامب. اما حماس فتسعى الى البقاء سياسيا – عسكريا وايديولوجيا. الولايات المتحدة والدول العربية تحاول بناء جسر مستقر بين مطالب الطرفين وبين الواقع.
ان نجاح المبادرة منوط ليس فقط بتشكيلة القوة وبهوية المشاركين فيها بل أيضا بقدرة كل واحد من اللاعبين وأساسا إسرائيل، على الايمان بان هذه المرة من سيدخل الى غزة – يمكنه أن يبقى هناك أيضا.