أقلام وأراء

معاذ العامودي يكتب – ما سر التقرّب الإسرائيلي من إندونيسيا ولماذا يجب أن يواجه الفلسطينيون ذلك؟

معاذ العامودي كاتب في الشأن الفلسطيني – 14/8/2018

قررت إندونيسيا منع إصدار تأشيرات للسياح القادمين من الاحتلال الإسرائيلي لدخولها احتجاجًا على العنف الذي يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين على الحدود الشرقية لقطاع غزة في مطلع مايو الماضي، وردت في المقابل وزارة الخارجية للاحتلال الإسرائيلي بقرارٍ دخل حيز التنفيذ في 29 من مايو الماضي يقضي بحظر السياح الإندونيسيين – مسلمين ومسيحيين – من دخول الأراضي المحتلة لزيارة القدس والخليل وبيت لحم.

لكن المراسل والمحلل السياسي في هيئة البث الإسرائيلية شمعون آران في تغريدة له عبر تويتر في 27 من يونيو 2018 أشار إلى قرار وزارة الخارجية الإسرائيلية رفع جميع القيود المفروضة على دخول سياح من إندونيسيا إلى “إسرائيل”، وإزالة جميع القيود المفروضة على السياح الإسرائيليين الراغبين في دخول إندونيسيا.

سوكامتا: الجهود الدبلوماسية بين الاحتلال الإسرائيلي وإندونيسيا هي ضد رغبة الشعب الإندونيسي ولم يتم التصويت عليها في البرلمان؛ ما يعني عدم قانونيتها، وتأتي من أقلية إندونيسية سواء في البرلمان أم جمعية نهضة العلماء

وعقب سؤال “نون بوست” لعضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الإندونيسي سوكامتا مانتاميهارجا عن نفاذ قرار رفع الحظر الإندونيسي على السياح في الاحتلال الإسرائيلي قال: “منذ اللحظة التي أرسل فيها تساؤلكم وعلى مدار 10 أيام لم نتلق ردًا من الحكومة الإندونيسية بشأن رفع الحظر على السياح الإسرائيليين، لكن قرار دخول السياح الإسرائيليين بشكل فردي على ما يبدو دخل حيز التنفيذ دون إعلان من دائرة الهجرة التابعة لوزارة العدل وحقوق الإنسان والمختصة بمنح التأشيرات للأجانب، مع بقاء العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين الطرفين”.

وأضاف سوكامتا: “يبذل الاحتلال الإسرائيلي جهودًا كبيرة لإقامة علاقات دبلوماسية مع إندونيسيا، ولكنني أؤكد أن موقفنا في البرلمان ووزارة الخارجية واضح جدًا لا نريد أي علاقة دبلوماسية مع “إسرائيل” لأنه لا يخدم التوجه الإندونيسي الداعم لاستقلال الفلسطينيين”.

واعتبر سوكامتا أن الجهود الدبلوماسية بين الاحتلال الإسرائيلي وإندونيسيا هي ضد رغبة الشعب الإندونيسي ولم يتم التصويت عليها في البرلمان؛ ما يعني عدم قانونيتها، وتأتي من أقلية إندونيسية سواء في البرلمان أم جمعية نهضة العلماء.

وصرح المتحدث باسم الخارجية أمانتا كريستياوان ناصر للجزيرة نت في 29 من يونيو 2018 قائلًا: “لا علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” حتى تستقل دولة فلسطين”، مشيرًا إلى تأكيد وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي بعد لقائها وزير العدل وحقوق الإنسان الإندونيسي على أنه ليس هناك تواصل مع الجانب الإسرائيلي.

وحاول مراسل “نون بوست” الوصول لدائرة الهجرة الإندونيسية للتأكد من إلغاء القيود المفروضة على حظر السياح الإسرائيليين لكنه لم يتلق رد.

الجدير ذكره أن الحكومة الإندونيسية أصدرت قرارها بمنع الإسرائيليين بشكل فردي وجماعي من دخول إندونيسيا عقب أحداث غزة مطلع مايو الماضي، لكن السياح الإسرائيليين كانوا يدخلون إندونيسيا بشكل فردي قبل أحداث غزة.

لماذا يسارع الاحتلال الإسرائيلي بتطوير العلاقة مع إندونيسيا؟

يعلم الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه أمريكا أهمية إندونيسيا على الصعيد الدولي كأحد أهم الاقتصادات الصاعدة في منطقة جنوب شرق آسيا، والمتوقع أن تحتل خلال عشر سنوات قادمة مركزًا متقدمة في صدارة الدول الاقتصادية المهمة وقد تصل للمرتبة السادسة، وفي ظل نزع التحالفات القادمة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي المتغير والخشن، ترسم أن تكون إندونيسيا بديلًا مهمًا عن الدول التي تستعين بها لصادرات المواد الخام.

بالنظر لإندونيسيا ذات المساحة الكبيرة والتنوع الجغرافي المهم، فهي ما زالت تعتبر أرضًا بكرًا مليئة بالموارد الطبيعية، فجولة قصيرة بين جزرها تكتشف حجم الغاز والنفط والمعادن والصخور والجبال المليئة بالثروات

إضافة للدور الإندونيسي المهم في القضية الفلسطينية، باعتبارها الدولة الإسلامية الأكبر من حيث عدد السكان المسلمين، وتفاعلها الدائم مع القضايا الفلسطينية من خلال المسيرات الشعبية الكبيرة التي تجوب المدن الإندونيسية نصرة للفلسطينيين، فيسعى الاحتلال الإسرائيلي لتحييد أهم حلفاء الفلسطينيين في الساحة الدولية مستقبلًا.

وبالنظر لإندونيسيا ذات المساحة الكبيرة والتنوع الجغرافي المهم، فهي ما زالت تعتبر أرضًا بكرًا مليئة بالموارد الطبيعية، فجولة قصيرة بين جزرها تكتشف حجم الغاز والنفط والمعادن والصخور والجبال المليئة بالثروات، وفي الوقت الذي يرى فيه الاحتلال الإسرائيلي إندونيسيا سوقًا مهمًا لصادراته الجديدة من الاقتصاد التقني والتكنولوجي، ترى الولايات المتحدة في إندونيسيا مخزنًا مهمًا لوارداتها من المواد الخام وهو ما يفسر التحولات الخشنة التي تتبعها أمريكا مع الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا من فرض مزيد من الضرائب على صادراتهم.

وحسب صحيفة جيروزاليم بوست فإن أكثر من 36 ألف إندونيسي زاروا “إسرائيل” عام 2017 بزيادة 60% عن عام 2016، إضافة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي صدّر إلى إندونيسيا سلعًا بقيمة 121 مليون دولار في عام 2016، مقابل استيراد سلع إندونيسية بقيمة 43 مليون دولار للعام نفسه.

أعضاء من هيئة علماء المسلمين يدعون للتطبيع.. والإندونيسيون يرفضون

زيارات عديدة قام بها وفد من جمعية نهضة العلماء الإندونيسية كان آخرها في مؤتمر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المنعقد في القدس في الفترة ما بين 10 و13 من يونيو برئاسة يحيى ستاكوف رئيس التيار الليبرالي في الجمعية الذي يدعو لإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي ترفض فيه جاكرتا أي علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي.

جمعية نهضة العلماء منقسمة على نفسها إلى تيارين: التيار الليبرالي الذي يقود الجمعية بزعامة الشيخ يحيى ستاكوف، وهم أقل عددًا من التيار المتشدد لكنهم مدعومون من الحكومة، والتيار المتشدد الذي يرفض أي علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي

وكان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد التقى في 14من يونيو 2018 الأمين العام لجمعية نهضة العلماء الإندونيسية يحيى ستاكوف في مكتبه بمدينة القدس مصرحًا: “آمل أنه سيكون هناك تقدم أيضًا في علاقاتنا مع إندونيسيا”.

من جانبه قال محمد نور صالح محافظ مدينة تيغال الإندونيسية وعضو جمعية نهضة علماء إندونيسيا لـ”نون بوست”: “جمعية نهضة العلماء منقسمة على نفسها إلى تيارين: التيار الليبرالي الذي يقود الجمعية بزعامة الشيخ يحيى ستاكوف، وهم أقل عددًا من التيار المتشدد لكنهم مدعومون من الحكومة، والتيار المتشدد الذي يرفض أي علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي”.

وشهدت المدن الإندونيسية مسيرات ضد حراك سكاتوف وجمعية نهضة علماء إندونيسيا للتطبيع مع “إسرائيل”، ومسيرات تضامن شعبية كبيرة مع الفلسطينيين ضد قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس وضد سياسة القتل التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين على حدود غزة الشرقية.

الفلسطينيون قلقون على أكبر حلفائهم إندونيسيا

إدانات فلسطينية واسعة لمشاركة سكاتوف في مؤتمر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في القدس، فقد أدان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين مشاركة وفد جمعية نهضة العلماء الإندونيسية في المؤتمر المنعقد في القدس، في حين اعتبرت الجالية الفلسطينية في إندونيسيا لقاء ستاكوف بنائب السفير الأمريكي في “إسرائيل” ديفد فريدمان تأييدًا للخطوة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ودعمًا صريحًا للمؤامرة التي تستهدف الشعب الفلسطيني.

وقالت الجالية في بيان لها صدر في 15من يونيو 2018: “هذه الزيارة شكلت خيبة أمل كبيرة للفلسطينيين، وتأتي في الوقت الذي تمارس فيه حكومة الاحتلال سياستها العنصرية والقمعية تجاه الشعب الفلسطيني”.

يتطلع الفلسطينيون لدور أكبر لإندونيسيا في القضية الفلسطينية بعد انتخابها لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن تمتد لفترة عامين تبدأ من يناير 2019

وقالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في بيان صادر عنها في 11 من يونيو 2018 أرسلت نسخه منه لـ”نون بوست”: “مشاركة وفد من علماء الدين الإندونيسيين من جمعية نهضة العلماء برئاسة السيد يحيى ستاكوف ضربة لفلسطين والقدس وضربة في الصميم لجمهورية إندونيسيا باعتبارها أكبر بلد إسلامي في العالم الذي احتضن القمة الاستثنائية الخامسة لمنظمة التعاون الإسلامي عن فلسطين والقدس الشريف عام 2016، والمؤتمر الدولي عن القدس عام 2015”.

وردت الخارجية على تساؤل “نون بوست” بشأن زيارات وفود متكررة من إندونيسيا لـ”إسرائيل” لإقامة علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي أنه لا يمثل الموقف الحكومي الإندونيسي الرسمي، بل بصفة شخصية، ويناقض مواقف الحكومة الإندونيسية والشعب الإندونيسي الصديق الذي يقف دائمًا مع الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي”.

ويتطلع الفلسطينيون لدور أكبر لإندونيسيا في القضية الفلسطينية بعد انتخابها لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن تمتد لفترة عامين تبدأ من يناير 2019، حيث صرحت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي في 8 من يونيو 2018 خلال مؤتمر صحفي عقدته في مقر مجلس الأمن في نيويورك قائلة: “قضايا فلسطين ستكون أيضًا شاغل إندونيسيا خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن”، ولكن التقارب الإندونيسي مع الاحتلال الإسرائيلي يقلق المستوى الرسمي الفلسطيني الذي يتخوف على أكبر حلفائه في العالم الإسلامي.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى