أقلام وأراء

مصطفى إبراهيم: هل سيُجبر ترامب نتنياهو على المضيّ قدماً… أم يُسرّع تنفيذ الأجندة الإسرائيلية في غزة؟

مصطفى إبراهيم 21-12-2025: هل سيُجبر ترامب نتنياهو على المضيّ قدماً… أم يُسرّع تنفيذ الأجندة الإسرائيلية في غزة؟

تُقدِّم وسائل الإعلام الإسرائيلية المشهد الحالي على أنه توتر متصاعد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية “اليوم التالي” في غزة. غير أن قراءة أعمق، من زاوية فلسطينية، تكشف أن المسألة لا تتعلق بخلاف على الجوهر، بل على الوتيرة والإخراج. فترامب لا يعمل ضد الأهداف الإسرائيلية، بل يسعى إلى تسريع تثبيتها، قبل أن تتعثر أو تُواجَه بوقائع ميدانية وسياسية جديدة.

نتنياهو، المعروف بمراوغته وشرائه الوقت، يدخل مرحلة أكثر حساسية قبيل زيارته المرتقبة إلى واشنطن. فترامب، غير القابل للتنبؤ في سلوكه، يريد إنجازاً سريعاً في غزة يُقدَّم كاختراق سياسي، لا بدافع إنساني، بل حفاظاً على صورته بوصفه “صانع سلام”. من هنا إصراره العلني على أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته بات مسألة محسومة، رغم أن الوقائع على الأرض تناقض ذلك.

الإعلام الإسرائيلي نفسه يقرّ بأن الخطة الأميركية التي تتحدث عن قوة استقرار دولية، ومشاريع إعادة إعمار، وترتيبات انتقالية تصطدم بعقبات كبيرة. فدول قليلة فقط أبدت استعداداً مبدئياً للمشاركة، ولا توجد أي دولة مستعدة لإرسال قواتها إلى مناطق تصرّ إسرائيل على وصفها بأنها “تحت سيطرة حماس”. هذا الوصف ليس بريئاً، بل أداة سياسية لتعطيل أي مسار لا يضمن لإسرائيل حرية العمل العسكري والتحكم بالميدان.

الأهم أن المؤسسة الإسرائيلية، جيشاً وأجهزة أمن، لا تؤمن فعلياً بإمكانية تفكيك “حماس” أو نزع سلاحها سلمياً، اعتماداً على ما يُسمّى “قوة ردع ترامب”. ومع ذلك، يستمر تسويق هذا الوهم لأنه يسمح بإبقاء غزة معلّقة سياسياً، بلا حلّ حقيقي، وبلا سيادة.

التوتر بين ترامب ونتنياهو خرج إلى العلن بعد اغتيال القيادي في “حماس” رائد سعد، كما كشفت تسريبات ناحوم برنياع وباراك رافيد. صحيح أن ترامب لا يعترض على الاغتيالات من حيث المبدأ، لكن غضبه، وفق الإعلام الإسرائيلي، نابع من خشيته أن تستخدم حكومة نتنياهو التصعيد المدروس لتخريب متعمّد لمسار المراحل التالية، وإفشال أي إعلان سياسي يحتاجه ترامب.

في المقابل، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن “حماس” نفسها معنية بالانتقال إلى المرحلة التالية، بعد قناعتها بعدم وجود تهديد فوري لحكمها في أجزاء واسعة من القطاع. ولهذا كثّفت جهودها لإغلاق ملف الأسرى القتلى. وهنا يُطرح السؤال: هل سيجبر ترامب نتنياهو على المضي قدماً، أم سيواصل منحه هامش المناورة؟

لكن السؤال الفلسطيني الأهم أعمق من ذلك. فترامب، حتى حين “يضغط”، لا يخرج عن السقف الإسرائيلي. هو لا يسعى إلى إنهاء الإبادة أو رفع الحصار جذرياً، بل إلى إدارة نتائجها بسرعة. وما يُسمّى “اليوم التالي” لا يُطرح كمشروع تحرر أو إعادة بناء وطني، بل كمنظومة إدارة: مجلس سلام، هيئة استقرار، حكومة تكنوقراط.

هذه التسميات تفتح أسئلة خطيرة: من يشكّل مجلس السلام؟ ومن يمنحه الشرعية؟ هل ستكون هيئة الاستقرار قوة مدنية أم ذراعاً أمنية؟ ولمن ستكون خاضعة؟ أما حكومة التكنوقراط، فغالباً ما تُستخدم لتجاوز السياسة وتعطيل التمثيل الشعبي، لا لحله. حكومة بلا سيادة، وبلا سيطرة على الأرض والمعابر والموارد، لن تكون سوى واجهة لإدارة الأزمة.

ثم يأتي ملف التمويل وإعادة الإعمار: من سيموّل؟ وبأي شروط؟ التجارب السابقة تشير إلى أن الإعمار قد يتحول إلى أداة ابتزاز، تُربط بنزع السلاح، وضبط الأمن، وتحييد أي مقاومة، فيما تبقى إسرائيل بمنأى عن أي مساءلة عن الدمار الذي تسببت به.

وفي صلب ذلك كله يقف السؤال الأمني: سحب السلاح. يُطرح كشرط للاستقرار، من دون أي التزام بإنهاء الاحتلال أو ضمان حماية الفلسطينيين. نزع سلاح بلا سيادة يعني تعميق اختلال القوة، وتحويل غزة إلى كيان منزوع القدرة على الدفاع عن نفسه.

ولا يقل خطورة الغموض المتعمّد بشأن الانسحاب الإسرائيلي. الحديث يدور عن إعادة انتشار أو انسحاب جزئي، مع بقاء السيطرة على المناطق الشرقية والمعابر والمجالين الجوي والبحري. انسحاب بلا سيادة ليس نهاية حرب، بل استمرارها بأدوات أخرى.

لا يدور الخلاف بين ترامب ونتنياهو حول مصير غزة، بل حول كيفية إدارة هذا المصير. ترامب يريد سرعة وإنجازاً وفق خطته، ونتنياهو يريد إطالة أمد السيطرة والمراوغة. أما غزة، فتظل رهينة هذا الاشتباك البارد، تُدار معاناتها بدل إنهائها، ويُدفع الثمن من معاناة الفلسطينيين ومستقبلهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى