أقلام وأراء

مصطفى إبراهيم: الخطة الأميركية الإسرائيلية: بين الابتزاز والتصفية

مصطفى إبراهيم 1-10-2025: الخطة الأميركية الإسرائيلية: بين الابتزاز والتصفية

قبل أسبوع فقط، كانت الخطابات الرسمية تعجُّ بالحديث عن “انتصارات دبلوماسية” و”الاعتراف بالدولة الفلسطينية”، وكأن الواقع تغيّر فجأة. سوقت بعض القيادات أن النصر بات قريباً، وأن الفرح على الأبواب.

لكننا استفقنا سريعاً على إعلان مشترك بين ترامب ونتنياهو، يعيدنا إلى النقطة صفر، ويكشف هشاشة أوهامنا السياسية. خطة تُملى لا تُناقش، وتفرض بميزان القوة لا بحجج القانون والعدل، وتضع الفلسطينيين أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بتصفية سياسية ممنهجة، أو مواجهة الإبادة المستمرة.

رغم اللغة الدبلوماسية التي غلّف بها ترامب خطته، إلا أن جوهرها واضح: لا حق لتقرير المصير، لا سيادة فلسطينية، ولا أفق حقيقي لدولة. ما يُطرح هو شكل من أشكال الانتداب الجديد، تحت إدارة دولية، وبموافقة إقليمية، مع بقاء الهيمنة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على الأرض، وتجريد المقاومة من أي قدرة أو شرعية.

الأخطر أن الخطة تُسوَّق على أنها “فرصة للسلام”، بينما في الحقيقة هي محاولة لتوظيف الكارثة الإنسانية في غزة لتصفية ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني. لا مساواة في الحقوق، لا ضمانات لوقف الاعتداءات، ولا حديث جاد عن إنهاء الاحتلال. كل ما هنالك هو وعود بإدخال مساعدات، وإعادة إعمار مشروطة، مقابل تفكيك هوية القطاع ومقاومته السياسية والعسكرية.

الخذلان لم يأتِ فقط من بنود الخطة، بل من الاستقبال العربي والإسلامي لها. بعض الدول الكبرى في المنطقة سارعت للمباركة، تحت عنوان “وقف الحرب”، وكأن وقف القتل يجب أن يكون بثمن سياسي يدفعه الضحية.

هذا الانزلاق في الموقف الرسمي العربي ليس جديداً، لكنه في هذه اللحظة يبدو أكثر فجاجة من أي وقت مضى. القضية الفلسطينية، التي كانت يوماً قضية العرب المركزية، تُختزل الآن في أزمة إنسانية يمكن حلها بتنازلات سياسية من طرف واحد، بينما تُعفى إسرائيل من أي التزام أو محاسبة.

أما على الصعيد الداخلي، فلا تزال الساحة الفلسطينية تعاني من الانقسام والشرذمة، ومن غياب الموقف الموحد والقيادة الفاعلة. حالة العجز التي يعيشها الشارع الفلسطيني ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة سنوات من الاستنزاف والانقسام، حيث باتت القضية تُدار عبر الاستفراد، ومؤتمرات شكلية، وغرف مغلقة لا تمثل المزاج الشعبي ولا طموحه.

الناس في غزة تنزف منذ عامين تحت حرب إبادة ممنهجة، والمشهد السياسي لا يزال يدور في دائرة العجز والتخوين المتبادل. وبين عجز القيادة وتقاعس المجتمع الدولي وتواطؤ بعض الأطراف العربية، يبدو الفلسطيني اليوم وحيداً في مواجهة معركة وجود لا مجرد معركة سياسية.

حركة حماس اليوم أمام مفترق خطير. القبول بالخطة يُقرأ استسلاماً، ورفضها يُترجم تصعيداً للحرب واستمراراً للمجزرة. لكن ما بين القبول المطلق والرفض المطلق، هناك مساحة للمناورة السياسية المشروعة، بشرط أن يكون الهدف حماية الفلسطينيين والحفاظ على كرامة المشروع الوطني، لا الحفاظ على سلطة أو مواقع حزبية.

امتلاك الشجاعة هنا لا يعني الرضوخ، بل القدرة على اتخاذ قرار مركّب، يُوازن بين وقف الإبادة وتفادي الانهيار الوطني. وهذا يتطلب من حماس ألا تبقى وحدها في المواجهة، بل أن يتم الدفع باتجاه موقف فلسطيني موحد يرفض التصفية، ويقترح بدائل واقعية ترتكز على حماية الإنسان الفلسطيني وحقوقه السياسية.

الخطة الأميركية، رغم كل ما تحمله من مآسي، ليست قدراً محتوماً، الفلسطينيون أسقطوا سابقاً عشرات المشاريع التصفوية، من وعد بلفور إلى صفقة القرن. لكن إسقاط هذه الخطة لن يتم عبر بيانات الشجب فقط، بل عبر إعادة بناء وحدة وطنية حقيقية، وخطاب سياسي جامع، وتفعيل أدوات النضال الشعبي والدولي. الوقت لم يعد يسمح بمزيد من الترف السياسي ولا المناكفات. المطلوب اليوم موقف مسؤول، بحجم الدم الذي يُراق، وبحجم القضية التي نكاد نخسرها بسبب انقساماتنا وشتاتنا.

وقف الإبادة أولوية وطنية وأخلاقية، لكن لا يجب أن يُستخدم ذريعة لتصفية القضية. كما أن التمسك بالمقاومة لا يجب أن يتحوّل إلى ذريعة لتمرير المجازر.

ما نراه اليوم ليس مجرد خطة، بل محاولة لفرض واقع جديد: غزة بلا مقاومة، بلا تمثيل، تحت وصاية خارجية. لكن كما فشلت الخطط السابقة، يمكن إسقاط هذه أيضاً، إذا امتلك الفلسطينيون شجاعة الموقف ووحدة الصف. فالتاريخ لا يكتبه الأقوياء فقط، بل من يملكون الإرادة، والوعي، والقدرة على تحويل الهزيمة إلى بداية جديدة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى