مروان سمور يكتب – صنع في الصين “من الابرة الى الصاروخ”
بقلم مروان سمور – 17/9/2020
إذا كان القرن العشرون قرن أمريكا، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الصين، هذا ما يقوله تد فشمن، مؤلف كتاب “الصين شركة عملاقة“ بهذه البساطة، وعلى من يشك في ذلك عليه أن يحيط بما يجري في أسرع اقتصاد تطوراً في العالم.
إن الصين اليوم محط أنظار العالم، فهي تستقطب الأخبار، والاقتصاد العالمي، وأنك تجدها في كل متجر تدخله.
يقول المثل الصيني : ( إذا أردت أن تزرع لعاما فازرع قمحا ، وإذا أردت أن تزرع لعشر اعوام فازرع شجرة ، أما إذا أردت أن تزرع لمئة عام فازرع إنسانا ) . ولكن الصين هنا اختصرت بناء ونهضة انسانها بفترة قصيرة ، لا تعدو عن الاربعين عاما حتى جنت الثمار .
كشفت مجلة الأعمال الأمريكية “فورتشن”، عن قائمة “فورتشن تشاينا” السنوية لأكبر 500 شركة عامة في الصين، التي أظهرت حجم إيرادات وزيادة في صافي أرباح الشركات الصينية بشكل غير مسبوق. وبحسب القائمة الصادرة فقد حققت أكبر 500 شركة صينية أكثر من 5.9 تريليون دولار من العائدات، بزيادة 18.2% مقارنة بالعام الماضي، في حين ارتفعت الأرباح بنسبة 24.24% على أساس سنوي، لتصل إلى 515.42 مليار دولار أمريكي.
وبحسب ما ذكرته صحيفة “ تشاينا ديلي” ، فانه ما زالت شركتا النفط والغاز العملاقتان في الصين، وهما شركة الصين للبترول والكيماويات (المعروفة أيضا باسم سينوبك)، وشركة بتروتشاينا المحدودة، تتصدران القائمة، في حين احتلت شركة الصين للإنشاءات الهندسية المحدودة المرتبة الثالثة.
ومن بين الشركات الأخرى التي حققت أيضاً تقدما ملحوظا في القائمة السنوية، شركة “تينسنت” الصينية العملاقة لخدمات الإنترنت، التي قفزت من المرتبة 43 في العام الماضي إلى المرتبة 33، ومجموعة علي بابا القابضة، عملاق التجارة الإلكترونية الصينية، التي ارتفعت أيضاً من المرتبة 49 إلى المرتبة 35.
كما تم إدراج هاتان الشركتان العملاقتين , بقائمة أكبر 10 شركات ربحية، حيث بلغت أرباح تينسنت 10.7 مليار دولار أمريكي، لتحتل المرتبة السابعة، بينما احتلت علي بابا المركز العاشر بصافي أرباح بلغ 10.1 مليار دولار.وبحسب الصحيفة، أسهمت الشركات الصينية العشرة الأكثر ربحًا بما يقرب من 40% من إجمالي الأرباح التي حققتها أكبر 500 شركة صينية في البلاد .
في حين تصدرت القائمة أيضاً البنوك الثلاثة الكبرى، المملوكة للدولة، حيث بلغ صافي أرباح البنك الصناعي والتجاري الصيني المحدود، أكبر صانع للأموال في البلاد نحو 42.37 مليار دولار، تلته مؤسسة بنك التعمير الصيني بصافي أرباح وصل إلى 35.88 مليار دولار، وتلاها البنك الزراعي الصيني المحدود بصافي أرباح 28.58 مليار دولار.
وفي سياق اخر, تحتل ثلاث شركات تكنولوجيا صينية ضمن أكبر 10 شركات تقنية بالعالم من حيث قيمة العلامة التجارية لعام 2018 . وفق تقرير سنوي تُصدره مؤسسة Brand Finance البريطانية – المتخصصة في تقييم العلامات التجارية العالمية – تحت اسم The Brand Finance Global 500.
وهم: ( تينسينت – علي بابا – هواوي ) ، ولم تكتف شركات التكنولوجيا الصينية بذلك، بل ارتفع عددها ضمن قائمةالـ 100 شركة .
كل تلك المؤشرات تعطي صورة اولية على ما وصلت اليه الصناعة الصينية ، وكيف اصبحت تهيمن على نسبة كبيرةوحصة لا بأس بها من الاسواق الصينية والاسواق العالمية ، وان علامة (صنع في الصين) اضحت حاضرة بقوة فيكل الاسواق وكل المجالات بالعالم .
من الابرة للصاروخ
ان المنتجات الصينية موجودة في كل مكان ، فاذا دخل احدهم مطعما سوف يجد ان الماكينات صنعت في الصين ، واذا دخل البنك سوف يجد ان ماكينات عد النقود ايضا صنعت في الصين ، بل حتى اذا فتح خزانته سوف يجد بان اغلب الملابس مصنوعة في الصين .
فالسوق الصينية تعتبر من أضخم الأسواق في العالم ، واكثرها امتلاءا بالمنتجات المتنوعة ، إذ تتواجد فيه منتجات بجودة عالية وايضا بسعر منخفض مقارنة عن السلع في الاسواق العالمية ، ويرجع سبب ذلك الى قلة تكلفة الأيدي العاملة , بالاضافة الى إنخفاض تكلفة الإنتاج ، والتنافس الشديد بين آالكثير من الشركات والتجار، وايضاالمواد المتوفرة على مدار العام , وسهولة الوصول اليها ، بالاضافة الى وجود خبراء ومصممين محترفين ، فضلا عن خطوط انتاج كبيرة بكل المجالات .
ولطالما كانت علامة «صنع في الصين» رمزاً للكم وليس للكيف، والشمول حيث يعبرون عنها بالقول “من الابرة للصاروخ“ ، او للثمن الرخيص وليس للمنتج ذي الجودة العالية .
ولكن حاليا اصبح ذلك كله أخذ بالتغير ، فبعد عقود من إنتاج الصين أشياء تتكسر وتتمزق بسهولة ، أصبحت جودة بضائعها تتحسن، في جميع المجالات : من الملابس إلى الأجهزة الإلكترونية إلى الهواتف الذكية .
فقد أضحت بعض السلع الصينية اليوم , تضاهي المنتجات المصنوعة في اليابان من حيث الجودة ، وتضارع – من حيث الدقة – تلك المصنوعة في مراكز التكنولوجيا العالية في تايوان. وأخذت الصين – شيئاً فشيئاً – تسد فجوة الجودة والتكنولوجيا العالية .
وان هذا الامتياز الصيني الجديد سيؤثر– بلا شك – سلبا على اقتصادات الدول التي لها باع طويل بحسن وسمعة بضائعها ، وبالجودة العالية التي تتمتع بها .
وابلغ تعبير عن سعي الصين الى التفوق التكنولوجي العالمي هي مشروعها (صنع في الصين 2025) الذي اعلنته القيادة الصينية عام 2015 , وتهدف الصين من خلاله الى تحقيق التحول الاقتصادي من سلع عادية الجودة الى سلع عالية االجودة والى قوة ابتكارية كبيرة , ومن ثم الانتقال الى مصاف الاقتصادات المتقدمة تكنولوجيا .