أقلام وأراء

مروان إميل طوباسي: الشرعية الدولية تحت الأختطاف، ماذا يعني قرار مجلس الأمن؟

مروان إميل طوباسي 18-11-2025: الشرعية الدولية تحت الأختطاف، ماذا يعني قرار مجلس الأمن؟

لم يكن القرار الأميركي الذي مرّر في مجلس الأمن ليلة الأمس مفاجئاً ، رغم تحذيراتنا السابقة حول ذلك ، بل تتويجاً لمسار طويل من الضغوط والأصطفافات الإقليمية والدولية . ما جرى هو تكريس وصاية جديدة على الشعب الفلسطيني بغطاء الشرعية الدولية ، من دون أن يكون مجلس الأمن نفسه هو المرجعية ، بل مجلس السلام برئاسة “ترامب” وفق روحية الخطة التي أُعيد تسويقها عبر ما يسمى بـ“قوة استقرار دولية تنفيذية” او بإدخال تعديلات لا جوهر لها.

القرار بصيغته النهائية لا يفرض وقفاً لإطلاق النار ، ولا يلزم إسرائيل بوقف عدوانها أو إنهاء احتلالها ، بل يربط أي مسار سياسي بشروط ميدانية تصنعها القوة المحتلة نفسها . وهو يعيد إنتاج معادلة غير متوازنة لا تقوم على نزع سلاح الأحتلال ووقف إرهاب المستوطنين والتوسع الكولنيالي ، مع فرض ترتيبات أمنية تُدار من الخارج ، بما يشبه إعادة وضع شعبنا الفلسطيني تحت وصاية أميركية –بريطانية – إسرائيلية .

والأخطر أن القرار يفتح الباب أمام مصادرة تدريجية للشرعية الدولية نفسها ، إذ يتجاوز فعلياً عشرات القرارات السابقة التي شكلت الأساس القانوني للقضية الوطنية التحررية الفلسطينية ، بدءاً من حق تقرير المصير ، مروراً بقرارات الانسحاب وعدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة ، وصولاً إلى قرارات حماية المدنيين وغيرها .

ما نراه اليوم هو محاولة لإحلال “شرعية أمر واقع” محل الشرعية الدولية التاريخية ، وتحويل مجلس الأمن من جهة ضامنة للحقوق إلى طرفٍ يعيد تعريفها بما ينسجم مع ميزان القوة الأميركي–الإسرائيلي وعنجهيته .

أما الصين وروسيا ، فامتناعهما عن التصويت ، بعد سحب مشروع قرارهما المشترك الذي تضمن في جوهره حماية الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا وإنهاء الأحتلال ، عكس حدود القدرة على المواجهة داخل مجلس الأمن ، خاصة بعد أن أيدت القرار الامريكي دول عربية وإسلامية إلى جانب السلطة الوطنية الفلسطينية .

نحن أمام لحظة سياسية بالغة الخطورة ، صحيح أن القرار ليس نهاية المطاف ، لكنه يؤسس لتحول عميق في البيئة الدولية ، وقد يضع الساحة الفلسطينية أمام تحديات داخلية صعبة ، أبرزها محاولة إضعاف منظمة التحرير وعمودها الفقري حركة “فتح” وعموم الحركة الوطنية التاريخية ، وتدويل إدارة الملف الفلسطيني بما يخدم رؤية واشنطن وتل أبيب ، إلى جانب تحويل الصراع إلى ملف “إدارة أمنية–اقتصادية” بدل كونه قضية تحرر وطني .

ومؤسف أن يأتي هذا التحوّل الدولي في لحظة انكشاف عربي غير مسبوق ، حيث تراجعت بعض العواصم عن الحد الأدنى من الالتزام السياسي والأخلاقي تجاه فلسطين ، واكتفت بالتماهي مع الإيقاع الأميركي بحثاً عن استقرار وهمي . لكن الأكثر إيلاماً أننا نحن الفلسطينيين أنفسنا نجد اليوم أن انقسامنا وتشرذمنا الداخلي ، وما حدث من أخطاء ، والإصرار على عدم المراجعة النقدية لمسيرتنا دون منهج ديمقراطي ، والسماح للغير بمصادرة قرارنا الوطني المستقل ، الذي دفع الشهيد المؤسس ياسر عرفات حياته ثمناً للحفاظ عليه ، قد أضعف قدرتنا على مواجهة هذا المسار ، وسمح للآخرين بالتصرف بأسمنا وتحديد مستقبلنا . هذه الحقيقة يجب الإعتراف بها بشجاعة ، لا للإحباط ، بل كي لا نستمر في فعل الشيئ نفسه ونتوقع نتائج مختلفة .

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى